بدد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان الانطباعات التي نشأت من دعوته نواب الطائفة السنية إلى اجتماع انعقد السبت 24 سبتمبر (أيلول) على أنه اجتماع مذهبي وطائفي، بكلمته في افتتاح الاجتماع التي ركز فيها على أولوية انتخاب رئيس الجمهورية وتجنب الفراغ الرئاسي لأنه، كما قال "الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي"، محذراً من "الانسداد في سائر المؤسسات والمرافق، بحيث دخلنا في وضع الدولة الفاشلة، ونحن سائرون بسرعة باتجاه اللادولة".
وشدد المفتي دريان على أن "رئيس الجمهورية في النظام السياسي اللبناني هو رأس المؤسسات الدستورية القائمة، ولا ينتظم عملها ولا يتوازن إلا بحضوره من خلال انتخاب مجلس النواب له. ولضرورات انتخاب رئيس جديد ينبغي الحفاظ في الفرصة الأخيرة على وجود النظام اللبناني، وسمعة لبنان لدى العرب والدوليين".
إعادة التوازن إلى الدور السني والعلاقة مع العرب
إلا أن ذلك لم يمنع بعض النواب السنة الذين حضروا اللقاء بدعوة من المفتي دريان ثم انتقال معظمهم، ما عدا ثلاثة حلفاء لـ"حزب الله"، إلى دارة السفير السعودي وليد البخاري، من القول إن الهدف من الاجتماع كان إعادة نوع من التوازن إلى دور القيادة السنية في المشهد السياسي العام في البلد، بعد أن خلف تعليق زعيم تيار "المستقبل" رئيس الحكومة السابق سعد الحريري العمل السياسي والمشاركة في الانتخابات النيابية، وكذلك انكفاء دول الخليج عن لبنان لمدة من الزمن، شعوراً بتراجع دور الطائفة السنية في المعادلة اللبنانية. فمناقشات 24 من أصل 27 نائباً سنياً في البرلمان اللبناني بدعوة من المفتي دريان حول تفعيل دور هؤلاء في الحياة السياسية وفي انتخاب رئيس جديد للجمهورية قد انتقلت إلى دارة السفير بخاري بدعوة منه لهم إلى العشاء في اليوم نفسه، والذي صادف غداة العيد الوطني السعودي. واللقاء في دارة السفير البخاري وبحضور المفتي أيضاً، "يكرس" بنظر بعض النواب الحاضرين عودة الرياض إلى الاهتمام بالوضع اللبناني، وبالسعي إلى استعادة البلد علاقاته الطبيعية بالسعودية ودول الخليج، بعد مرحلة من الجفاء جراء سياسات لبنانية أخرجت العلاقات عن مسارها التاريخي. فالمقررات التي صدرت عن الاجتماع قبل تلبية دعوة السفير البخاري شددت على "تصحيح مسار العلاقات مع الإخوة العرب، الذي تعرضت له هذه العلاقات من أذى وتشويه وإساءات متعمدة، انعكست سلباً على الأسس التي تقوم عليها الأخوة العربية، وعلى مصالح لبنان المعنوية والمادية المباشرة، مع الدول الشقيقة".
كما نصت المقررات على أنه "لا يستطيع لبنان أن يتوقع يداً عربية شقيقة تمتد إليه للمساعدة، وفيه من يفتري ظلماً على الدول العربية الشقيقة إلى حد الاستعداء، مما يشوه الأخوة العربية التي معها يكون لبنان أو لا يكون". وأعاد البيان الختامي التمسك بهوية لبنان العربية استناداً إلى اتفاق الطائف.
عدم المس بصلاحيات رئيس الحكومة
وقال أحد النواب الحاضرين للقاء دار الفتوى لـ"اندبندنت عربية" إن الهدف الرئيس للاجتماع "تثبيت اتفاق الطائف وارتباط المكون السني في البلد بهذا الاتفاق، إزاء محاولات تجاوزه، وتوجيه رسالة تؤكد تمسكنا بهوية البلد كنموذج للعيش المشترك بين الطوائف كلها، وكذلك بالعروبة والاعتدال، ورفض بعض الطروحات التقسيمية والفيدرالية التي تطل برأسها في بعض الأوساط السياسية". وأوضح النائب نفسه أن المفتي دريان "بتشديده على تميز الصيغة اللبنانية بالرئيس المسيحي قصد الانتقال إلى الموقف الذي يتمسك باتفاق الطائف، وتناول في الوقت نفسه في كلمته تعزيز وحدة الصف الإسلامي والوطني". ودعا إلى "عدم المس بصلاحيات رئاسة الحكومة، والعمل كي نساعد الرئيس المكلف لتسهيل مهمته"، آملاً تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات، كما يطالب الرئيس ميشال عون والبطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي وسائر الفرقاء.
لا بحث بأسماء المرشحين بل بالمواصفات
واتفق أكثر من نائب حضر الاجتماعين في دار الفتوى وبضيافة السفير السعودي على التأكيد أن النواب لم يتناولوا أسماء المرشحين للرئاسة بل عرضوا المواصفات التي كان تحدث عنها المفتي (أربعة) في كلمته، مشدداً على "الحفاظ على ثوابت الطائف والدستور، والعيش المشترك، وشرعيات لبنان الوطنية والعربية والدولية التي لا يمكن التفريط بها مهما اختلفت المواقف السياسية، لأنها ضمانة حفظ النظام والاستقرار والكيان الوطني". وأشار إلى إنهاء الاشتباك المصطنع والطائفي والانقسامي في شأن الصلاحيات، وأن يتصف الرئيس العتيد بصفات رجل العمل العام الشخصية والسياسية وبالحكمة والمسؤولية الوطنية والنزاهة، وأن يكون جامعاً للبنانيين، والانصراف الكلي مع السلطات الدستورية لإخراج البلاد من أزماتها ومنعها من الانهيار الكامل... ولا بد من رئيس بهذه الصفات أو نتفاجأ باختفاء النظام ثم الدولة".
وتمسك البيان الختامي "بالمبادئ العامة التي تحقق المساواة في المواطنة حقوقاً وواجبات، وإدانة كل التجاوزات التي أدت في السابق ولا تزال إلى طعن أسس الوفاق الوطني، والعيش المشترك في الصميم، لحسابات فردية أو حزبية أو طائفية". ولم يفت البيان الإشارة إلى ما عاناه لبنان من الفساد المستشري وسوء الإدارة تحت الحماية السياسية. واعتبر أن "إنقاذ لبنان مما هو فيه، إلى ما يجب أن يكون عليه، يتطلب أولاً الاعتراف بالخطأ، والرجوع عن هذا الخطأ ومحاسبة المرتكبين أياً كانوا، وتعاوناً مخلصاً بين جميع أبنائه، وبينهم وبين الإخوة العرب والمجتمع الدولي".
استيعاب التنوع في الطائفة
ورأى أحد النواب الجدد الفاعلين أن حصيلة اجتماع النواب السنة ثم لقاءهم السفير السعودي تنطوي على جملة مؤشرات، منها أن لقاء 24 نائباً من الطائفة السنية ينتمون إلى مشارب مختلفة بالفكر والتوجهات بمن فيهم ثلاثة من حلفاء "حزب الله" وناقشوا الأمور باعتدال وهدوء يعبر عن تعددية في الطائفة. وحصل ذلك خارج إطار لقاءات رؤساء الحكومات السابقين الذي كانت لقاءات دار الفتوى تنحصر فيهم، كما أن الاجتماع استوعب التغيير الذي أفرزته الانتخابات النيابية إذ التقى من هم تغييريون مع المستقلين وبعضهم متعاطفون مع التغييريين، إضافة إلى النواب المنتمين إلى الزعامات أو القوى التقليدية، مع تمثيل للمناطق والتيارات السياسية. وسجل النائب إياه أن بين النواب السنة الـ27 هناك قرابة 20 منهم من فازوا بالنيابة للمرة الأولى، مما يعني دخول دم جديد على التمثيل السني.
أضاف النائب نفسه "التشديد على الثوابت الوطنية في الاجتماع دليل على أن مصلحة القوى السياسية السنية تكمن في الانتماء إلى الدولة التي نريد إعادة بنائها، وفي إتمام الاستحقاقات الدستورية في موعدها ولا سيما انتخاب رئيس الجمهورية وإعادة الاعتبار للدستور والطائف، فضلاً عن أن الاجتماع بالسفير البخاري تأكيد للانفتاح على السعودية والدول العربية، مما شكل إعلاناً إضافياً عن عودتها إلى الاهتمام بلبنان. وقال إن التمسك بالانفتاح على الدول العربية لا يعني معاداة القوى الأخرى.
عودة السعودية... والاستراتيجية الدفاعية
وإذ أشار النائب نفسه إلى أن الاتفاق على تشكيل حكومة تدير البلد في مرحلة الفراغ الرئاسي في حال حصوله يجنب البلد خلافاً دستورياً حول شرعية تولي حكومة تصريف الأعمال سلطات الرئاسة. وأوضح رداً على سؤال في شأن اقتراحات النواب الحلفاء لـ"حزب الله" النص في المقررات على أهمية سلاح المقاومة ضد إسرائيل، أن المناقشات في هذا الصدد كانت هادئة ومن دون تحد، إذ جرى الاتفاق على أن الساحة السنية كانت في طليعة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي منذ سبعينيات القرن الماضي في الجنوب ومنطقة العرقوب. وجرى التطرق من قبل النواب الخصوم للحزب إلى التمني بألا يوجه سلاح المقاومة إلى الداخل، وبأن معالجة مسألة سلاح المقاومة تأتي من ضمن عملية بناء الدولة الذي يفرض بت الأمر بمناقشة السياسة الدفاعية للبنان. وجرى التأكيد في البيان الختامي أن "عدو لبنان كان ولا يزال هو العدو الإسرائيلي، الذي يواصل احتلال أجزاء من الأراضي اللبنانية، كما يحتل مقدسات إسلامية ومسيحية في القدس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي المناقشات مع السفير البخاري أكد أكثر من نائب لـ"اندبندنت عربية" أنه جرى الاستماع إلى عرض مفصل للأخير حول العلاقات الثنائية ومراحلها واستعداد السعودية الدائم لمساعدة لبنان، والأسباب التي جعلتها تتحفظ على مواقف بعض الفرقاء العدائية حيالها، مما سبب تراجعاً في العلاقة بغياب موقف واضح من الدولة اللبنانية لوضع حد للإساءات ضد السعودية وللسياسات المعادية لها. وأشار النواب الذين أبدوا ارتياحهم لعودة السعودية إلى الانفتاح على معظم الأطراف إلى أن الجانب السعودي استمع إلى رغبة النواب السنة بإعادة تنشيط العلاقة التاريخية معها، داعين إلى عدم تأثير استيائها من مواقف بعض الفرقاء العدائية على استقرار العلاقة مع لبنان، وأن السفير البخاري كرر الاستعداد لمساعدة لبنان.
مظلومية المناطق السنية
وأشار أحد النواب إلى أنه جرى طرح مسائل عدة خلال الاجتماع في دار الفتوى تتعلق بالحرمان الذي تعانيه مناطق سنية والمظلومية على الصعيد الإنمائي، وجرى تفنيد مشروع تقدم به وزير الداخلية بسام المولوي ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي في شأن العفو عن موقوفين وسجناء إسلاميين، فاعتبر بعض النواب أنه لا يحقق العدالة لهؤلاء الموقوفين الذين أمضوا في السجن مدة تفوق مدة المحكومية التي سيحكمون بها في حال تمت محاكمتهم.
وكان ثلاثة نواب تغيبوا عن الاجتماع في دار الفتوى اثنان منهم ينتميان إلى كتلة التغييريين، إبراهيم منيمنة وحليمة القعقور، لأسباب مبدئية تقضي بتجنب المشاركة في لقاءات تقتصر على طائفة معينة، إضافة إلى النائب المستقل أسامة سعد. وقال النائب منيمنة "نحترم موقع دار الفتوى كمرجعية دينية أساسية، وعنوان وشكل هذا اللقاء يتعارض مع المبادئ التي ننطلق منها في عملنا لجهة رفض الاصطفافات الطائفية".
والنواب السنة الثلاثة الحلفاء لـ"حزب الله" لم تتم دعوتهم إلى دارة السفير السعودي، فضلاً عن تغيب النائب سعد والنائب عن "الجماعة الإسلامية" عماد الحوت.
ولفت النائب أشرف ريفي إلى أن "معظم النواب السنة حضروا اجتماع اليوم مع المفتي باستثناء ثلاثة لا يشبهوننا".
ورأى النائب فؤاد مخزومي أن اللقاء التشاوري الوطني الذي دعا إليه المفتي دريان "حقق إنجازاً نوعياً وكان هدفه مقاربة وتوحيد مواقف النواب من القضايا المصيرية والاستحقاقات المفصلية كالانتخابات الرئاسية وتطبيق اتفاق الطائف والإصلاحات وإعادة لبنان إلى حاضنته العربية".
واعتبر أن اللقاء "رسم خريطة طريق لتوحيد المواقف من القضايا الأساسية وتوحيد الخطاب ليكون محوره لبنان وليس طائفة معينة".