أثار ظهور حالات مؤكدة من جدري القرود وسط اللاجئين الإثيوبيين بمعسكري أم راكوبة والطنيدبة بولاية القضارف وحالة واحدة في معسكر الشجراب بولاية كسلا شرق السودان قلقاً ومخاوف بين أوساط الحكومة والمواطنين، مما دفع السلطات الصحية إلى إغلاق المعسكرات ومنع الدخول إليها والخروج منها سواء بالنسبة إلى الاجئين أو المواطنين في سياق إجراءات احترازية مشددة اتخذتها السلطات الصحية بالولاية.
وكشف مساعد معتمد اللاجئين بشرق السودان عبدالمنعم عثمان لـ"اندبندنت عربية" عن أن "الإغلاق شمل جميع معسكرات اللجوء بالولاية وفق التوجيهات الصادرة من وزارة الصحة والتنمية الاجتماعية المحلية عقب ظهور ثلاث حالات مؤكدة لمرض جدري القرود اثنتان منها في معسكر الطنيدبة وأخيرة بمعسكر أم راكوبة، إلى جانب عشرات حالات الاشتباه تجاوزت 62 حالة بالمخيم الأول و11 حالة في الأخير جاءت نتائج تحليلها المعملي سلبية"، وأوضح أن "قرار الإغلاق يمنع خروج اللاجئين من المعسكرات ومنع دخول المواطنين"، مشيراً إلى "وصول وفد وزاري في الولاية ومنظمة الصحة العالمية إلى معسكر الطنيدبة صباح أمس لتنفيذ الإجراءات الصحية والفنية لكبح جماح المرض ومنع انتشاره، كما صدرت تعليمات جديدة أكثر تشدداً أوقفت دخول العمالة الزراعية من اللاجئين بالمعسكرات مع تعليق أنشطة المنظمات العاملة بمختلف المجالات في المعسكرات، باستثناء العاملة في المجال الصحي، مع التشديد على التزام الاشتراطات الصحية واتباع بروتوكول التحوط داخل المعسكر، كما أوقفت الحركة تماماً من المعسكرات وإليها لمنع أي احتكاك بين المواطنين واللاجئين".
وشرح عثمان أن "القلق هو الدافع لكل تلك الإجراءات الاحترازية"، واصفاً الوضع بالمستقر والمحصور في الحالات الثلاث حتى الآن، أما حالات الاشتباه الأخرى فقد ثبتت معملياً سلبيتها"، وأشار إلى أن "التحوطات الاحترازية التي اتخذت على مستوى المعسكرات أثمرت في استقرار الوضع إلى حد كبير"، لافتاً إلى "وجود عيادات تعمل داخل مراكز العزل مع وضع المنظمات الصحية والعلاجية كافة بما فيها الأممية في حال تأهب واستعداد للتعامل مع أي مستجدات بالشراكة مع وزارة الصحة الاتحادية".
وأكد أن "المعتمدية تمتلك سجلاً إحصائياً يرصد انتشار كل الأمراض المتوطنة والمنقولة وسط اللاجئين في المعسكرات المختلفة وأن النوع المنتشر من التهاب الكبد الفيروسي وسطهم هو النوع غير المعدي المصنف من الدرجة الثانية".
وأعلن عثمان أنه "تمت تهيئة مركز باسنقا لاستقبال اللاجئين تحسباً لتداعيات تجدد القتال بين الجيش الفيدرالي الإثيوبي وجبهة تيغراي، بينما لا يوجد أي دخول في مراكز حمداييت وتايا والقرية 8 لاستقبال اللاجئين وهي خالية تماماً منهم".
عزل واستنفار
بدورها أنشأت السلطات الصحية مركزين للعزل داخل معسكر الطنيدبة ومركز واحد في معسكر أم راكوبة تم تجهيزها لاستقبال الحالات الطارئة، بينما تنتظر السلطات من منظمة الصحة العالمية والمنظمات الأجنبية العاملة في المجال الصحي توفير البروتوكولات الصحية المتعلقة بالأدوية والعلاج وفق ما هو منوط بها.
من جانبها أكدت وزارة الصحة والتنمية الاجتماعية بولاية القضارف جاهزيتها لتلبية الحاجات والمعينات اللازمة من الأدوية في إطار الاستجابة بحسب التعليمات الاتحادية لمكافحة الأوبئة، مؤكدة استقرار الأوضاع الصحية بالولاية في الوقت الراهن حيث لم تسجل أي إصابات أو حالات اشتباه في المرض خارج المعسكرات المشار إليها باستثناء الحالات الثلاث.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستنفرت السلطات في القضارف إدارة الوبائيات لاحتواء المرض والسيطرة عليه داخل المعسكرات نفسها أو خروجه منها إلى المجتمعات المحلية المجاورة للمعسكرات وسجلت زيارات ميدانية إلى المعسكرين لتفقد الأوضاع الصحية في معسكر الطنيدبة وشكلت غرفة عمليات بالتنسيق مع المنظمات العاملة في المجال الصحي داخل المعسكر للتقصي ورفع تقارير يومية للسيطرة على المرض ومحاصرته والحيلولة دون تفشيه وتوفير الأدوية المطلوبة للوقاية والمعالجة.
تدخلات وتحذيرات
وفي السياق كشفت وزارة الصحة والتنمية الاجتماعية بالولاية عن سلسلة تدخلات بناء على توصيات اللجنة الفنية للطوارئ الصحية للسيطرة على المرض ومحاصرته داخل المعسكرات لضمان عدم تسلله إلى المجتمعات المحلية المضيفة بالتعاون مع معتمدية اللاجئين في تطبيق الإجراءات والضوابط الصحية والتنسيق مع الجهات الاتحادية والمنظمات العاملة في مجال عزل وعلاج حالات الإصابة، مؤكدة استجابتها الكبيرة لتنفيذ الخطط الموضوعة والتزامها دعم أنشطة الطوارئ الصحية.
على الصعيد ذاته حذرت مصادر طبية من "خطر تفشي المرض من المعسكرات إلى مناطق أخرى خارجها ووصوله إلى المواطنين، مما يفتح الطريق أمامه للانتقال إلى المناطق المجاورة وكل أنحاء الولاية ومن ثم البلاد برمتها"، وأشارت المصادر إلى أن "بيئة المعسكرات تعتبر خصبة ومؤاتية لانتشار المرض بسبب الاكتظاظ الكبير داخلها إلى جانب ضعف وهشاشة النظم الصحية فيها وانعدام الصرف الصحي، مما يجعل الوضع مخيفاً ما لم تتخذ إجراءات احترازية جادة وشديدة الإحكام"، لافتة إلى "التداخل والتواصل بين المعسكرات والقرى المحيطة بها بشكل طبيعي، مما يعزز فرص الانتقال إلى المجتمعات المحيطة ومن ثم مرحلة التفشي والانتشار".
ولاية كسلا
على صعيد متصل تفقد فريق اتحادي يضم معتمدية اللاجئين وإدارة الطوارئ ومكافحة الأوبئة في وزارة الصحة الاتحادية معسكر الشجراب للاجئين بولاية كسلا حيث سجلت إصابة واحدة مؤكدة بجدري القرود، بينما جاءت النتائج سالبة لعدد آخر من العينات التي خضعت للفحص واتضح أن بعضها هو مرض الجرب وليس جدري القرود وفق نتائج التحليل المعملي.
واطمأن الوفد على الأوضاع الصحية داخل معسكرات اللاجئين بالتنسيق مع الشركاء والمنظمات العاملة في مكافحة الأمراض الوبائية ووقف الفريق الطبي والصحي الاتحادي على الوضع داخل المعسكر، فيما يجري الترتيب لتدخلات بدعم من وزارة الصحة الاتحادية ودعم مقدر من المنظمات لوزارة الصحة بولاية كسلا".
وبحسب إحصاءات رسمية بلغ إجمالي عدد اللاجئين الإثيوبيين في شرق السودان والنيل الأزرق نحو 90 ألفاً في أغسطس (آب) 2021، معظمهم من النساء والأطفال، منهم 45000 لاجئ في معسكري أم راكوبة وحوالى 30000 والطنيدبة وما يفوق 25000 بولاية القضارف.
وعبر ما يزيد على 3000 إثيوبي الحدود مع السودان خلال الشهر ذاته في أكبر موجة لجوء نتيجة لاتساع دائرة المعارك بين الجيش الفيدرالي الإثيوبي وجبهة تحرير تيغراي بالقرب من الحدود السودانية واستقر معظم اللاجئين الإثيوبيين في منطقة القضارف السودانية المحاذية للحدود.
تزايد الحالات
وكانت السلطات الصحية في السودان أعلنت نهاية الشهر الحالي تسجيل خمس إصابات جديدة بمرض جدري القرود، منها حالتان بغرب دارفور وواحدة في كل من الخرطوم وكسلا وشمال دارفور ليرتفع العدد الكلي للإصابات في البلاد إلى سبع حالات، أربع منها في غرب دارفور الحدودية مع دولة تشاد.
وسجل السودان أولى إصابات جدري القرود في 31 يوليو (تموز) الماضي بولاية غرب دارفور، مما دفع السلطات إلى إعلان خطة لمجابهة المرض تقوم على تفعيل التقصي الميداني بغية الاكتشاف المبكر للحالات المصابة، إضافة إلى الرصد في المعابر البرية والبحرية والجوية، فضلاً عن تحديد مراكز العزل وتدريب وتوفير معينات الحماية للكوادر الطبية.
وسبق للسودان أن مر بتجربة جدري القرود خلال عامي 2005 و2006 مع ظهور 19 حالة مؤكدة في ولاية الوحدة جنوب البلاد قبل الانفصال وتمت السيطرة على المرض خلال فترة وجيزة، كما شهدت منطقة حوض الكونغو انتشاراً للمرض في تواريخ متقاربة.
بحسب منظمة الصحة العالمية يعتبر جدري القرود مرضاً فيروسياً حيواني المنشأ ينتقل من شخص إلى آخر عن طريق الملامسة الوثيقة للقروح وسوائل الجسم والرذاذ التنفسي والأدوات الملوثة مثل الفراش".
وتتمثل الأعراض الأولية لجدري القرود في الحمى والصداع وآلام الظهر والعضلات خلال الأيام الخمسة الأولى، يظهر بعدها الطفح الجلدي على الوجه وراحتي اليدين وباطن القدمين، متبوعاً ببقع ثم قشور.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية تتواصل أعراض المرض لفترة قد تمتد من أسبوعين إلى 4 أسابيع ويمكن أن يسبب في حالات خطرة، فيما تتراوح نسبة الوفيات من مجموع الإصابات بين ثلاثة إلى ستة في المئة.