كنوع من الحل للقضية الفلسطينية في ظل الفشل بإقامة دولة طالبت دراسة بحثية الفلسطينيين بتبني استراتيجية تزيد من تفوقهم العددي على اليهود الإسرائيليين وتقلص من التفوق النوعي لليهود عليهم.
وربطت الدارسة الصادرة عن "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية" في رام الله بين نجاج تلك الاستراتيجية واتخاذ الفلسطينيين خطوات لخوض "معركتهم" الديموغرافية بنجاح.
وخلصت الدراسة إلى أن "الأداء الفلسطيني الرسمي والحزبي يشير إلى أن فرص نجاح تلك الاستراتيجية ضئيلة جداً بسبب شدة التهديدات والمعوقات لها، بخاصة الداخلية منها".
ويسهم التفوق النوعي الهائل للإسرائيليين على الفلسطينيين في فشل تلك الاستراتيجية، إضافة إلى غياب المشروعية عن النظام السياسي الفلسطيني والتراجع الاقتصادي وضعف سلطات فرض النظام والقانون، وهو ما يعمل بحسب الدراسة على خلق ظروف طاردة للفلسطينيين تدفعهم إلى الهجرة إلى الخارج.
ميزان القوى
وترجع الدراسة الإخفاق في إقامة دولة فلسطينية على حدود 67 بسب "فشل الكفاح المسلح الناتج عن ميل ميزان القوى لصالح إسرائيل منذ قيامها"، كما أن المفاوضات "أخفقت في تحقيق الفلسطينيين لتطلعاتهم" لأن إسرائيل "ترفض الانسحاب من الضفة الغربية بما فيها القدس". كما أن "المقاومة السلمية" بحسب الدراسة أخفقت "بسبب الانزلاق بسرعة نحو العمل المسلح، لأنها فشلت في كسب ثقة الفلسطينيين الذي بقي ينظر إليها كآلية غير فعالة للنضال".
وأشارت الدراسة إلى أن الاعتماد على الشرعية الدولية لم ينجح "لأن العالم الغربي لم يفرض على إسرائيل التزامها"، إضافة إلى فشل "الاعتماد على نجاح نموذج بناء الدولة والمؤسسات العامة، لأن النخبة الفلسطينية الحاكمة في الضفة وغزة فقدت ثقة شعبها، قبل أن تفقد ثقة بقية العالم بالنموذج الفلسطيني لبناء الدولة".
وأضافت أنه "لم يتبق أمام الفلسطينيين أفضلية على إسرائيل إلا في قدرتهم على كسب المعركة الديموغرافية العددية من خلال البقاء على أرضهم، والبحث عن بدائل سياسية ترتكز على ذلك".
أغلبية فلسطينية
ومع أن عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وداخل إسرائيل يتساوى حالياً مع الإسرائيليين اليهود، فإن الفلسطينيين سيصبحون أغلبية اعتباراً من العام المقبل، بحسب أرقام دائرتي الإحصاء الفلسطينية والإسرائيلية.
فعدد الفلسطينيين مع نهاية عام 2021 بلغ نحو سبعة ملايين في حين جاءت أرقام عدد اليهود في الفترة نفسها متقاربة مع عدد الفلسطينيين، ولذلك فإن الفلسطينيين سيحققون الأغلبية، بسبب ارتفاع معدلات الولادة لديهم، 27.76 لكل ألف شخص مقارنة بـ 19.39 في إسرائيل، بحسب الأمم المتحدة، إضافة إلى ارتفاع نسبة الوفيات لدى الإسرائيليين 5.30 لكل ألف مقارنة 3.45 لكل ألف لدى الفلسطينيين بسبب كبر متوسط عمر السكان في إسرائيل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودفعت تلك البيانات ثلاثة باحثين إسرائيليين من جامعة رايخمان في هرتسيليا إلى وصف التغير الديموغرافي لعام 2022 "بالانقلاب"، مشيرين إلى "دولة إسرائيل تتجه نحو واقع قد يقوض المشروع الصهيوني كله"، لكن تعاظم النمو الاقتصادي في إسرائيل، وقوتها العسكرية والتكنولوجية، وتصاعد مكانتها الدولية والإقليمية أسهم في عدم اهتمام الجمهور الإسرائيلي بالمسألة الديموغرافية. فالإسرائيليون يعتقدون أن الأغلبية اليهودية ستكون مضمونة، لأن قطاع غزة ليس جزءاً من المعادلة الديموغرافية، بنظرهم، ولامتلاك إسرائيل القدرة على طرد أو تهجير الفلسطينيين عندما تتاح لها الفرصة للقيام بذلك.
إضافة إلى ذلك تظهر استطلاعات الرأي أن نسبة تقل قليلاً عن النصف من الإسرائيليين اليهود يرون أن الرد على التفوق الديموغرافي الفلسطيني يكون بحرمان الأغلبية الفلسطينية من المساواة مع اليهود.
وتطالب الدرارسة باتخاذ إجراءات عدة لضمان نجاح استراتيجية التفوق العددي أبرزها تعزيز بقاء الفلسطينيين على الأرض، وعدم الاكتفاء بالتفوق العددي، والبحث في تحسين نوعية هذا التفوق لتقليص الفجوة النوعية التي تمتاز بها إسرائيل.
وأوضحت الدراسة أن تحسين شروط الحياة للفلسطينيين يأتي عبر "تقوية المؤسسات الفلسطينية، وبناء تكامل وتحالف اجتماعي واقتصادي بين الفئات الفلسطينية المختلفة بهدف تعزيز الهوية وتعظيم المصالح المشتركة".
عراقيل داخلية
وتحذر الدراسة من وجود عراقيل فلسطينية داخلية تحول دون نجاح الاستراتيجية أبرزها صراعات النخبة الحاكمة وفقدان النظام السياسي للمشروعية، إضافة إلى عدم الاستقرار السياسي والأمني والتراجع الاقتصادي، وضعف الأداء المؤسسي والاقتصادي.
فوجود سلطة فلسطينية ضعيفة يشكل وفق الدراسة "تهديداً قوياً للتفوق السكاني العددي الفلسطيني ويحكم بالفشل على أي جهود قد تقوم بها لتحسين نوعية التفوق الديموغرافي الفلسطيني".
وأوضحت الدراسة أن تعمق الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة وتحوله إلى انفصال دائم يسهم إلى جانب تراجع الحكم الصالح، وضعف السلطة الفلسطينية في فرض النظام والقانون وحماية شعبها في تراجع صمود الفلسطينيين على أرضهم، وخلق ظروف طاردة لهم تدفع إلى الهجرة.
وتحذر الدراسة من أن سياسات حركتي "فتح" و"حماس" تسهمان "في التفريط بالتفوق الديموغرافي العددي"، مشيرة إلى أنهما "يعملان من دون قصد على إخراج قطاع غزة من المعادلة الديموغرافية".
وقال وليد لدادوة أحد معدي الدراسة لـ "اندبندنت عربية" إن نجاح الاستراتيجة يتطلب من جميع الجهات السياسية والاقتصادية الفلسطينية أن تتبناها".
وحذر لدادوة من تقويض تلك الاستراتيجية "بسبب وجود سلطتين تحكمان الضفة الغربية وقطاع غزة من دون شرعية شعبية، في ظل الانقسام الذي "أصبح شبه دائم، وقبول النخب السياسية الحاكمة للوضع القائم".
وأوضح لدادوة أن تحقيق أغلبية عددية فلسطينية "سيجعل إسرائيل أمام واقع أقلية يهودية تحكم أغلبية فلسطينية في دولة تدعي أنها ديمقراطية". وأضاف أن ذلك يعني أن الفلسطينيين "قد يكونون في قيادة الدولة في حدود فلسطين التاريخية".
القوة العسكرية
ومع أن الدراسىة تشير إلى أن ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية "لا يشكل تهديداً للتفوق الديموغرافي العددي الفلسطيني، لكنها تحذر من أن "القوة العسكرية الإسرائيلية الفائقة المعززة بالتفوق النوعي للإسرائيليين يمنح إسرائيل القدرة على تهجير الفلسطينيين بوسائل إدارية واقتصادية".
معظم مؤشرات التنمية البشرية والاقتصادية تجعل دخل الفرد في إسرائيل يزيد على دخل 14 فرداً فلسطينياً، إذ يبلغ مستوى دخل الإسرائيلي من الناتج القومي أكثر من 51 ألف دولار، في حين لا يتجاوز دخل الفلسطيني أربعة آلاف.
التوسع الاستيطاني
وتصف الدراسة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفىة الغربية بأنه العامل "الأكثر فاعلية في خلق الظروف التي تسهم في تهجير الفلسطينيين إلى خارج فلسطين".
ولا تنصح الدراسة بتبني نموذجاً سياسياً محدداً للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، كحل الدولتين أو حل الدولة الواحدة وغيرهما من الحلول، وتدعو إلى بقاء الوضع الحالي مع تقوية المؤسسات الفلسطينية وتوحيدها لنحو 20 عاماً قبل طرح الحل الأمثل.
فتبني حل الدولة الواحدة يتطلب وفق الدراسة "تفكيكاً فورياً للسلطة الفلسطينية، مشيرة إلى أن ذلك "سينتج كلفة سياسية واقتصادية باهظة كفيلة بتوليد ضغوط هائلة على الفلسطينيين تدفعهم للهجرة مما قد يشكل تفريطاً بالتفوق الديموغرافي العددي الفلسطيني".
وبدلاً عن ذلك تدعو الدارسة إلى استراتيجية تحافظ على حل الدولتين تكون قادرة على توفير إطار سياسي وقانوني وإداري كفيل بخلق ظروف تمكن من حماية وتعظيم التفوق الديموغرافي في ظل حكم صالح تديره نخبة حاكمة تتصف بالاستقامة والإدارة الفعالة".