ما كان يفترض أن يكون نقاشاً حول كُتاب المقال تحول فجأة إلى الحديث عن حال الصحف السعودية. ففيما كانت الأمسية التي جمعت كلاً من رئيس تحرير صحيفة "الوطن" عثمان الصيني والروائي عبدالله بن بخيت والكاتب في جريدة "عكاظ" خالد السليمان، في معرض الرياض الدولي للكتاب، تحمل عنوان "كتاب الرأي في الصحف: تنويريون؟ شعبويون؟ مجاملون؟"، أراد ابن بخيت لها أن تكون أمراً آخر.
وبعد أن أعادت "اندبندنت عربية" إثارة حديث سابق للصيني قال فيه، إن "الصحف سوف تنتهي خلال سنة" سواء الورقية أو الإلكترونية، سائلة عن معنى استمراره في قيادة إحدى الصحف السعودية الكبيرة على رغم علم ربانها أنها تغرق، دافع الصيني عن نفسه بالقول إن المشكلة "مشكلة منظومة وأكبر من الأفراد، ولن يحلها رحيل رئيس تحرير أو قدوم آخر". وهنا، أخذ ابن بخيت الحديث ليؤكد أن الأزمة مفتعلة لنوايا تجارية.
إدارات الصحف تريد تسييل الأصول
نفى ابن بخيت في بداية الأمسية أن يكون كاتباً شعبوياً، رداً على سؤال عنوان الجلسة، قبل أن يقدم رأيه في شأن أزمة الصحف السعودية، بالقول "لو تخيلنا أنك تملك بناية تدر عليك دخلاً سنوياً يقدر بـ100 ألف ريال (نحو 27 ألف دولار)، وقيمة هذه البناية تصل إلى 10 ملايين ريال، هل تنتظر 100 ألف كل سنة أم تسعى للحصول على 10 ملايين دفعة واحدة؟".
أضاف "أتمنى ألا تكون شكوكي في محلها، أنا لو كنت مسؤولاً في مجلس إدارة أي جريدة اليوم، سأترقب سقوط الجريدة حتى أفككها وأبيع الأصول وسأحصل على دخل بمئات الملايين، إذ تملك هذه المؤسسات أصولاً تصل قيمة بعضها إلى نصف مليار ريال".
قاطعه مفرح الشقيقي، المذيع التلفزيوني الذي أدار الجلسة، سائلاً إياه "لو اتصلت بك صحيفة واستشارتك هل تكمل عملها أم تصفي المؤسسة الآن، ماذا ستجيب؟". فرد "إذا كانوا يريدون مصلحتهم فمصلحتهم أن يغلقوا الصحيفة ويبيعوا الأراضي والمباني الضخمة لأنها ستدر عليهم مبالغ هائلة"، مؤكداً أن التفكير بحسابات عضو أو رئيس مجلس الإدارة ستوصل المتابع إلى استنتاج ذلك حين يرى قيمة الأصول مقابل حال الصحف اليوم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدد على أنه لا يطالب بغلق الصحف بل يفسر سلوك الإدارات غير المبالي، في حين يرى الحل في إصلاحها وتحويلها إلى مؤسسات تجارية لا يحتكر مصيرها مساهمون محدودون.
وكانت الصحف السعودية قد استثمرت خلال سنوات الوفرة في شراء أصول في قطاعات خارج الصحافة، معظمها في قطاع العقارات، تدر عليها مبالغ مليونية، في حين تفشل صحف محلية عدة في دفع رواتب موظفيها بانتظام.
ربان السفينة الغارقة
وبشر ابن بخيت باختفاء الكاتب الصحافي خلال 10 سنوات، بسبب غياب العائد المادي اليوم مقابل الأذى الذي يمكن أن يتعرض له بسبب رأيه، وتفضيل الأجيال الجديدة القراءة في منصات جديدة غير مواقع الصحف وورقها.
ورد الصيني على هذا بالنفي قائلاً "في أوج عطاء الصحف سابقاً كانت توزع 100 ألف نسخة تتضمن مقالة الكاتب، لكن ليس كل مشتري الصحف يقرأون مقالته، أما اليوم فمن يدخلون إلى المقالة من حساب الصحيفة أو حساب الكاتب على ’تويتر’ بعدد مرات تتجاوز بحسب الإحصاءات الـ50 إلى الـ100 ألف، وبعضهم يصل إلى نصف مليون بحسب الكاتب والموضوع". أما العائد المالي فهو ليس مشكلة صحفية، بحسب الصيني.
وفي رده على "اندبندنت عربية" التي سألت عما فعله كقائد لمؤسسة صحافية تسير نحو الانقراض، بحسب تصريح سابق له، وهل ينوي الاستمرار ويعلم إلى أين يقودها؟ قال مدافعاً عن نفسه "المؤسسات الصحافية ليست مؤسسة غير ربحية بل تجارية، وهي الآن تعاني لأن الدخل لا يوازي المصروفات".
أضاف "خسائرها تراكمية من 2015 ومتفاوتة في ما بينها، وما يجعلها تستمر ليس دخل النشاط وإنما بيع الأصول التي تملكها أو استثمارها". وعما يعنيه ذلك من الناحية التجارية، قال"في العادة، أي عمل تجاري لا يكون ناجحاً إلا إذا كان يدر دخلاً من النشاط نفسه وليس من الأصول الجانبية التي تتآكل يوماً بعد يوم، لذلك معيار صمود الصحف هو بقدر ما عندها من احتياطيات أو أصول".
وقال الصيني في رده على تساؤل استمراره على رغم إيمانه بالمصير الذي ينتظر صحيفته "الحل ليس في مغادرة رئيس تحرير أو جلب آخر، فالمشكلة في المنظومة وليست في الأفراد".