واصل الجنيه المصري مسلسل الخسارة المنتظمة أمام الدولار الأميركي منذ شهر مارس (آذار) الماضي ليهبط إلى منعطف جديد صباح الثلاثاء، الرابع من أكتوبر (تشرين الأول)، مسجلاً نحو 19.66 جنيه في مقابل كل دولار كسعر معتمد رسمياً من قبل البنك المركزي المصري، في حين سجل سعر الشراء نحو 19.59 في مقابل كل دولار.
في البنوك المحلية المملوكة للدولة المصرية لم تخالف أسعار بيع الدولار الأميركي الأسعار الظاهرة على شاشات البنك المركزي، إذ سجل سعر الصرف في "بنك مصر" 19.65 جنيه للبيع، بينما سجل سعر الشراء 19.59 جنيه في مقابل الدولار الواحد، وظهرت مستويات الأسعار نفسها على شاشات بنكي "الأهلي المصري" و"القاهرة" المملوكين للدولة أيضاً، في الوقت الذي خالف "البنك التجاري الدولي" (أكبر ذراع مصرفية من القطاع الخاص) تلك المستويات، إذ سجل سعر بيع الدولار 19.67 جنيه، وسعر الشراء نحو 19.61 جنيه.
هبوط العملة المصرية إلى 19.67 جنيه في مقابل كل دولار يعني تراجع قيمتها بنحو ثلاثة في المئة في غضون شهر تقريباً منذ رحيل محافظ البنك المركزي المصري السابق طارق عامر، وتولى حسن عبدالله مقاليد المنصب بقرار من الرئاسة المصرية، مع تدهور أسعار الصرف وشح الدولار.
فقبل ما يقرب من 50 يوماً، قرر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تعيين المصرفي حسن عبدالله قائماً بأعمال محافظ البنك المركزي خلفاً لطارق عامر الذي عين مستشاراً للرئيس، بعد أن تقدم الأخير باستقالته في 17 أغسطس (آب) الماضي قبل أكثر من عام على انتهاء مدته الثانية.
وفي اليوم التالي لتقديم عامر استقالته سجل سعر صرف الدولار في مقابل الجنيه نحو 19.17 للبيع، وبعد مرور نحو 47 يوماً من تولي عبدالله المنصب هبطت قيمة العملة المحلية لتسجل اليوم نحو 19.67 دولار، ما يعادل ثلاثة في المئة، بعد أن فقدت 50 قرشاً (0.025 دولار أميركي) في تلك الفترة.
مسيرة الخسائر
وخسرت العملة المصرية 4.17 جنيه (0.21 دولار) بنسبة تصل إلى 27 في المئة من قيمتها على مدار 200 يوم بعد أن خفضت الحكومة قيمتها بنحو 15 في المئة عقب قرار رفع أسعار الفائدة بمقدار واحد في المئة في اجتماع أطلق عليه "الاستثنائي" في 20 مارس الماضي، لتنخفض العملة بنحو 15 في المئة من 15.50 جنيه لكل دولار في مارس إلى نحو 19.67 اليوم، في إطار خطتها للوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل جديد لدعم موقف الاحتياطي الأجنبي من العملات الأجنبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وصعدت أزمة شح الدولار على سطح الاقتصاد المصري على مدار الأيام والأسابيع الماضية ما دفع المستوردين المحليين إلى الاستغاثة تارة برئيس الحكومة، وبرئيس الدولة تارة أخرى، أملاً في إنقاذ صفقاتهم الاستيرادية بعد أن توقفت مع عجز البنوك المحلية عن تدبير الدولار وتقييد البنك المركزي عمليات الاستيراد وعدم السماح لهم بتدبير العملة الصعبة عبر السوق السوداء.
ووجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي رئيس حكومته مصطفى مدبولي بحل الأزمة في غضون 20 يوماً في لقاء بالهيئة العامة المصرية للاستثمار الأسبوع الماضي، ونظراً إلى صعوبة الوضع الاقتصادي لم يكتف الرئيس المصري بالتوجيه بل اجتمع بمحافظ البنك المركزي حسن عبدالله مساء الأحد الماضي، بحضور رئيس مجلس الوزراء.
ووفقاً لبيان رسمي، قال المتحدث باسم رئاسة الجمهورية السفير بسام راضي إن "الاجتماع تناول متابعة مؤشرات السياسة النقدية وأداء القطاع المصرفي بالدولة"، مؤكداً أن "الرئيس وجه ببلورة مبادرات جديدة لتحفيز وجذب الاستثمارات الأجنبية إلى مصر خلال الفترة المقبلة، مع الاستمرار في خطط وجهود البنك المركزي والمنظومة المصرفية لتوفير المستلزمات ذات الأولوية للإنتاج والصناعة، والمتابعة الدقيقة لمنظومة الاستيراد والإجراءات ذات الصلة".
القرض بات قريباً
في غضون ذلك، تواصل القاهرة مفاوضتها الشاقة مع مسؤولي صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل جديد لدعم الحصيلة الدولارية بقيمة لن تقل عن خمسة مليارات دولار بحسب تصريحات رسمية سابقة، ووصلت المفاوضات بين القاهرة ومسؤولي صندوق النقد إلى مرحلة متقدمة جداً وفقاً لما أكدته مديرة الصندوق كريستالينا غورغييفا، بعد أن توقعت أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق على مستوى الموظفين، إذ قالت "أستطيع أن أؤكد أننا مع كلا البلدين (مصر وتونس) في مرحلة متقدمة للغاية من مناقشة الاتفاقات على مستوى الموظفين، سواء أكان ذلك سيحدث في غضون أيام أو أسابيع، من الصعب التنبؤ بذلك، لكنه سيكون قريباً جداً".
تصريحات غورغيفا جاءت خلال مؤتمر انعقد في السعودية. وأشارت فيه إلى أن "ما يصل إلى 20 دولة، كثير منها في أفريقيا، قد تحتاج إلى مساعدات طارئة لمواجهة أزمة الغذاء العالمية"، ولفتت إلى أن "نحو 141 مليون شخص في العالم العربي معرضون لانعدام الأمن الغذائي"، مشيرة إلى أن "نحو 48 دولة حول العالم منكشفة على تداعيات أزمة الغذاء العالمية، ومن المرجح أن تطلب 10 إلى 20 دولة تقريباً مساعدات طارئة من بين تلك الدول التي يقع أغلبها في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى".
وعقد وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي اجتماعهم المشترك مع المدير العام لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا الإثنين في مدينة الرياض، برئاسة وزير المالية السعودي محمد بن عبدالله الجدعان رئيس الدورة الحالية، وبحضور نايف فلاح مبارك الحجرف الأمين العام للمجلس.
ووافق الصندوق الدولي يوم الجمعة الماضي على تدشين إنشاء نافذة جديدة للاقتراض، تهدف إلى التعامل مع صدمات الغذاء لمساعدة البلدان المعرضة للخطر على تخطي أزمة نقص الغذاء وارتفاع التكاليف الناجم عن حرب أوكرانيا.
أسباب خفض العملة
اعتبر المحللون في حديثهم لـ"اندبندنت عربية" أن تحركات الجنيه المصري هبوطاً في مقابل العملة الخضراء أمر منطقي، إذ قالت النائبة السابقة لرئيس "بنك مصر" سهر الدماطي إن "تراجع الجنيه في مقابل الدولار يرجع إلى شح ونقص العملة الصعبة مع تعثر الإمدادات من روافد هذه العملة عبر السياحة والصادرات، فضلاً عن الهجرة الجماعية للأموال الساخنة (استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية) منذ مارس الماضي مع السياسة المتشددة للفيدرالي الأميركي (المركزي الأميركي)، ورفع معدلات الفائدة الأميركية لتصل إلى معدلات قياسية".
وأوضحت أن "خروج أكثر من 55 مليار دولار في أربع سنوات، منها 20 مليار دولار منذ بداية 2022، يشكل أزمة كبيرة قد تعصف بأقوى الاقتصادات وليس الاقتصاد المصري الناشئ".
وقال المحاضر بالجامعة الأميركية هاني جنينة إن "وتيرة خفض البنك المركزي للعملة المحلية متوقعة منذ بدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي في أبريل (نيسان) الماضي"، مشيراً إلى أن "خفض الجنيه خطة متفق عليها بين البنك المركزي ومسؤولي الصندوق للوصول إلى القيمة العادلة والحقيقية في أسواق الصرف العالمية"، متوقعاً أن يستمر الخفض حتى نهاية شهر أكتوبر الحالي مع التوقيع على اتفاق القرض وموافقة مجلس المديرين التنفيذيين بالصندوق الدولي، وقد تصل قيمة الدولار إلى 22 جنيهاً قبل نهاية 2022".