Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ارتد المجلس العسكري التشادي عن وعوده الديمقراطية؟

"إذا لم يتحرك التشاديون ضد تأجيل الانتخابات إلى الآن فإن النزاعات والجفاف الذي جعل تشاد أحد أفقر البلدان في العالم كفيل بتحريكهم"

أرجأ المجلس العسكري التشادي الانتخابات لمدة عامين والسماح لرئيس المجلس الانتقالي محمد إدريس ديبي بالبقاء في السلطة إلى حين إجرائها (رويترز)

قبل مقتله في 20 أبريل (نيسان) 2021، بثلاث سنوات، أجرى الرئيس التشادي السابق إدريس ديبي تعديلات دستورية للانتقال إلى "نظام رئاسي شامل" يمكنه من البقاء رئيساً حتى عام 2033، وألغى بموجبه منصب رئيس الوزراء، ما كان يعني العودة بتشاد إلى دستور 1962 ليكون جامعاً بين منصبي رئيس الدولة ورئيس الحكومة ثم رقى نفسه قبل مقتله بأشهر إلى رتبة مشير وترشح لولاية رئاسية سادسة في 11 أبريل (نيسان) 2021، إلى جانب ستة مرشحين آخرين غير معروفين هم فيليكس نيالبي رومادومنغار وألبرت باهيمي باداكيه وتيوفيل يومبومبي مادجيتولوم وبالتازار العادوم جرما وبريس مبايمون غيندمباي وأول امرأة تترشح في تاريخ تشاد هي ليدي بيسيمدا. وأبطلت المحكمة العليا ترشيحات بعض المتنافسين، وانسحب آخرون أبرزهم خصم ديبي التاريخي صالح كبزابو، احتجاجاً على العنف المصاحب للانتخابات.
ووقفت المعارضة أمام ذلك القرار ولم تستطع إبطاله، ولم ينته الأمر بمقتل إدريس ديبي واختيار ابنه محمد كاكا ديبي البالغ حينها 37 عاماً كرئيس جديد للبلاد من قبل المجلس العسكري التشادي المكون من 13 جنرالاً الذي استولى على السلطة.
وكان الدستور ينص على انتقال السلطة إلى رئيس مجلس النواب، إلا أنه مع حل الحكومة تبخرت آمال المعارضة التشادية، واستقر لديها اعتقاد أن محمد كاكا سيمضي في طريق والده ويفرض سيطرته التي قد تمتد لسنوات طويلة، على السلطة. وكانت تلك العملية هي آخر محاولة انتخابية وبعد قرارات المجلس العسكري الانتقالي التشادي الأخيرة تأجيل إجراء الانتخابات لمدة عامين والسماح لرئيس المجلس محمد إدريس ديبي بالبقاء في السلطة إلى حين انعقادها، وفشل مؤتمر الحوار مع المعارضة، ربما تؤذن الفترة المقبلة بمزيد من الصراع السياسي القائم أساساً حول محاولة نقل نظام الحكم في تشاد إلى نظام ديمقراطي بقيادة مدنية بعد وفاة الرئيس السابق.

ماض متسلسل

لا تعبر الأحداث في تشاد عن أن هناك تغييراً كبيراً حدث في ما يتعلق بممارسة النظام الحاكم فقد انكشفت فقط على حالة من عدم الاستقرار لم تكن ظاهرة تماماً إذ كان يحيطها انغلاق إعلامي على الرغم من حدودها الملتهبة مع دول الجوار، بسبب القبضة الحديدية التي كان يسيطر بها إدريس ديبي على البلاد. وخلال 30 عاماً، كانت تشاد تمر بصراعات النظام مع حركات المعارضة المسلحة، ومحاولات ثورية وانتفاضات مكتومة ومحاولات انقلاب. ولا يعد هذا تسلسلاً فقط لفترة إدريس ديبي إنما من المتوقع أن تزداد أزمات البلاد تعقيداً مع محاولات إغلاق باب الأمل في إمكانية الوصول إلى حل سياسي.
قد لا يستطيع محمد كاكا منع تسلسل الأحداث المصاحبة للانتخابات التي حدثت في عهد والده، وتم حينذاك اعتقال عدد من قادة الأحزاب السياسية بعد اتهامهم بالتخطيط لمهاجمة مقر الانتخابات والتخريب، والدفع باتجاه مشاحنات بين الحكومة والمعارضة. أما الآن فهناك استعداد نسبي لخوض الانتخابات من قبل أحزاب المعارضة، بعكس فشلها في عهد ديبي الأب، وهذا يجعل محمد كاكا في حاجة إلى استعداد كامل أو ترتيب سيناريو يبرر ما قد يضطر إليه إذا اتجه إلى ممارسة القمع وتزوير الانتخابات في حال أتت رياحها عكس ما يشتهيه. وسيكون حريصاً على صورة العملية السياسية حتى لا يؤلب المجتمع الدولي ضده، ويضمن استمرار دعمه في أحلك الأوقات. وإلى أن يتم ذلك تعد الفترة الانتقالية، حتى لو صحبها عدم استقرار، أكثر الفترات أماناً في ضوء أزمات البلاد المتفاقمة.

زعزعة أمنية

تجاهل المجلس العسكري التشادي بشكل كبير المحيط الإقليمي للمشكلات الأمنية الناتجة عن الصراعات في دول الجوار، خصوصاً إقليم دارفور شرقاً وليبيا شمالاً، فقد انطلقت من قبل حركات متمردة تشادية لتغيير الوضع السياسي في تشاد من السودان. والنموذجان الناصعان لهذه الحالة هما حسين هبري في عام 1982، الذي ساعدته وكالة الاستخبارات المركزية (سي أي إيه) في الاستيلاء على السلطة ودعمته فرنسا، ووفرت له الولايات المتحدة في عهد رونالد ريغان حماية عسكرية، واستغل جذوره الإثنية بانتمائه إلى إثنية التبو للوقوف ضد حكومة معمر القذافي. وكذلك إدريس ديبي في عام 1990 الذي وطد أواصر حكمه مدعوماً بقبيلته "الزغاوة" الممتدة بين تشاد والسودان، ولاعباً على وتر الاضطرابات الإقليمية بسبب الحركات المسلحة التي كان يحتويها لمواجهة الحركات المتمردة التشادية.
كما يبدو أن تشاد في ظل الانشغال الداخلي ربما تتجاهل تهديد الجماعات الإرهابية في دول الساحل غرباً، إضافة إلى الهجمات من وقت لآخر من الحركات المسلحة. وهذا الوضع يجعل تشاد منغمسة في "الأمن المعقد". ويزداد الوضع الأمني سوءاً بعد زوال عنصر الاعتماد المتبادل بين الدول مما يؤدي إلى زعزعة أمنية متبادلة بما فيها صراعات الحركات المسلحة.
وفي سياق الإثنيات المتداخلة، تتهم الحكومة السودانية الحركات المسلحة التشادية بدعم الحركات السودانية غير الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، مثل حركة عبدالواحد محمد نور، فنشأ صراع بين أبناء الإثنيات المختلفة أو ما يطلق عليه اسم "الهويات المتصارعة". وبوجه عام، فقد جاء بروز مفهوم الأمن المجتمعي في سياق التحولات التي شهدتها التغييرات في كل من السودان وتشاد من الاتجاه نحو التكامل إلى التفكك. فعلى سبيل المثال، انضمت بعض الحركات المسلحة إلى الحكومة السودانية، بينما ظلت أخرى تسهم في خلق عدم الاستقرار الإقليمي. ولهذا يتوقع أن تواجه تشاد مزيداً من التحديات الأمنية نتيجة تمدد الصراعات المسلحة من السودان وليبيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


زعامات تقليدية

ورث محمد كاكا نظاماً مليئاً بالكيانات الإدارية والزعامات التقليدية من جماعات إثنية وعائلات كبيرة، وهذه الظاهرة منتشرة في جميع أنحاء تشاد، خصوصاً في شمال البلاد وشرقها، كامتداد للزعامات القبلية في غرب السودان بدارفور. وهي أشكال قديمة من الإدارات الأهلية استغلها الاستعمار في جمع الضرائب وإدارة المناطق البعيدة نسبة لاتساع المساحات.
بعد الوعود التي قطعها المجلس العسكري التشادي بإجراء الانتخابات، اعتقد المراقبون أن تشاد بعد أن تخلصت من حكم إدريس ديبي ستكون قادرة على بناء الدولة، ولكن سرعان ما تبدد هذا الاعتقاد لأسباب عدة، أولاً، الموقع الجغرافي لتشاد وعدم وجود منفذ بحري وانغلاقها من الداخل مع إحاطتها بمناطق حروب ونزاعات، ما يهدد عملية التنمية على الرغم من وجود النفط والذهب. ثانياً، وجود عيوب هيكلية في الدولة التشادية منذ عهد إدريس ديبي، فقد عملت السنوات الثلاثون من حكمه على إضعاف الجهاز المؤسسي. ثالثاً، الانقسام المجتمعي الحاد وزيادة عدم الثقة بالدولة.
ومع الانقسام الداخلي، يعتمد محمد كاكا ديبي على عائلته من قبيلة الزغاوة الممتدة بين غرب السودان وتشاد، التي كانت توفر دعماً كبيراً لوالده في مواجهاته مع الحركات المسلحة. وهذا يفسر مطالبات بعض البرلمانيين التشاديين بتصفية المناصب التي يحصل عليها تشاديون من أصول سودانية، ويقصدون "الزغاوة".


وضع محتقن

يمكن أن تفرض على تشاد عقوبات من الاتحاد الأفريقي بتعليق عضويتها، ومن المجتمع الدولي بوقف الدعم السياسي، مما يلقي بظلاله على الوضع الداخلي التشادي المحتقن. ويمكن تفسير تأخر المجتمع الدولي في اتخاذ قرار العقوبات التي يفرضها على الدول الأفريقية بسرعة عادة لاعتبارات عدة، منها أن تشاد ليست فقط حليفاً عسكرياً لفرنسا، بل هي أيضاً ذراعاً قوية لها في مكافحة الإرهاب باحتضانها قوات عملية "برخان"، لكن انحسار الغطاء الفرنسي من تشاد ومنطقة الساحل أتاح الفرصة للاعبين جدد يقدمون خدماتهم نظير مصالح معينة وتأتي على رأسها روسيا ممثلة بمجموعة "فاغنر" الأمنية. وتم تداول اتهامات عدة من الولايات المتحدة لمجموعة "فاغنر" الروسية باستغلال الموارد الطبيعية في دول أفريقية منها السودان ومالي وأفريقيا الوسطى لتمويل الحرب على أوكرانيا، كما تردد أن هذه المجموعة نشطت من قبل في ليبيا وتشاد وغيرها. ونجد أن الغرب والاتحاد الأوروبي خصوصاً يعاني ضعفاً في سياسته تجاه أفريقيا عموماً، أما تشاد بعد الانسحاب الفرنسي فلم تجد دعماً حقيقياً بسبب رواسب المنافسة التاريخية مع بقية الدول الأوروبية، ولكن هذا ليس نهاية كل شيء بحال كانت تشاد لا تزال بحاجة إلى احتواء دولي، إذ يمكنها أن تكون ضمن رقعة تحالفات لتطويق الإرهاب وترويض الحركات المسلحة. وبغير رقابة دولية أو إقليمية من الاتحاد الأفريقي قد تنفجر الأزمة الحالية إلى صراع إثني مسلح وسياسي بين الحكومة والمعارضة. وبينما كانت الدول الأوروبية تفعل ما بوسعها من أجل تطويق تصدير الإرهاب واللاجئين إليها، بمجاراة النظم الحاكمة حتى لو كانت عسكرية، فإنها الآن تبدو زاهدة في ذلك بعد أن بدأت تنظر إلى حلول جذرية لمشكلة اللاجئين والتهريب، تكون تكلفتها أقل من تكلفة وجودها الفعلي في أفريقيا بعدتها وعتادها. وعليه يمكن أن يكون رد الفعل سواء أكان مباشراً أم غير مباشر، هو فرض عقوبات على تشاد أو على أقل تقدير عزلها دولياً.

الموقف العام

 يعلو موقف المعارضة التشادية المسلحة، وأبرز مكوناتها "جبهة التغيير والوفاق" التي تعد أقوى جماعة مسلحة متمردة على الحكومة التشادية، فوق صوت الموقف الشعبي من تأجيل الانتخابات. ولولا سيطرة المجلس العسكري لما تمكن محمد كاكا ديبي من تمرير قرار تأجيل الانتخابات دون احتجاجات شعبية. ولو لم يتحرك التشاديون ضد هذا القرار إلى الآن، فإن النزاعات والجفاف، اللذين جعلا تشاد أحد أفقر البلدان في العالم، كفيل بذلك. ومع أنها تحتل المرتبة العاشرة بين الدول الأفريقية التي تمتلك احتياطيات نفطية مؤكدة، بواقع 1.5 مليار برميل من الاحتياطيات التي بدأ تصديرها منذ عام 2018، وإنتاج أكثر من 140 ألف برميل يومياً في عام 2020، إلا أن النفط والذهب يعدان عنصرين من عناصر الصراعات القبيلة في مناطق الإنتاج.
الموعد الذي ضربه رئيس المجلس الانتقالي التشادي لتأجيل الانتخابات إلى ما بعد عامين، ربما يمكنه من إقناع كل قوى المعارضة بالاعتراف بالحوار والقبول بإجراء الانتخابات في الوقت الذي يحدده المجلس الانتقالي، والقبول بنتيجتها أياً كانت مع الإعداد لها بعد ضمان أنه سيفوز فيها بأي طريقة. وإضافة إلى ذلك فإن الفترة المقبلة في تشاد ستشهد حالة من الحراك السياسي بين المعارضة والنظام الذي يمكن أن يصوغ شروطاً للمعارضة مقابل تلبية مطالبها المتعلقة بهامش الحريات، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى إضعاف تصميمها على تحقيق التغيير السياسي، وإذابة تطلعاتها نحو المنافسة الحقيقية على السلطة.

المزيد من تحلیل