سلط التقرير السنوي لصندوق النقد الدولي لعام 2022، الضوء على تعافي الاقتصاد العالمي من تداعيات فيروس "كوفيد-19"، لكنه تطرق إلى تأثير الأزمة الروسية- الأوكرانية على اقتصادات العالم، واستمرار ارتفاع معدلات التضخم، وكيفية تحقيق الانتعاش وتغير المناخ والعملات الرقمية والشمولية.
أوضح الصندوق أن تطوير لقاحات "كوفيد-19" والدعم المالي غير المسبوق، بما في ذلك تخصيص حق السحب الخاص التاريخي SDR للصندوق بنحو 650 مليار دولار، جعل التعافي العالمي ممكناً.
وقال الصندوق، إنه خلال السنة المالية 2022، واصل دعم أعضائه في ثلاثة مجالات: أولها المراقبة الاقتصادية، حيث أكمل 126 فحصاً صحياً في البلدان، والثاني إقراض 113 مليار دولار لـ23 دولة، بما في ذلك تسعة مليارات دولار إلى 14 دولة منخفضة الدخل، والثالث تنمية القدرات، حيث قدم الصندوق 242 مليون دولار للمشورة الفنية العملية والتدريب الموجه نحو السياسات والتعلم من الأقران.
ووفق بيان، قالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا، إن الركود الاقتصادي العالمي يمكن تجنبه إذا كانت السياسات المالية للحكومات تتماشى مع تشديد السياسة النقدية.
وذكرت أنه في سياق تشديد السياسة النقدية لا يمكن للسياسة المالية أن تظل مكتوفة الأيدي، لأن أزمة تكلفة المعيشة تضرب أجزاء من المجتمع بشكل قوي.
وأضافت "نحن بحاجة بالفعل لتصرف البنوك المركزية بشكل حاسم بسبب التضخم المستمر، إنه يمثل أمراً سلبياً للنمو، ويمثل ضريبة على الفقراء". وأشارت إلى أن السياسات المالية التي تدعم الجميع بشكل عشوائي من خلال السيطرة على أسعار الطاقة وتقديم الإعانات تعمل ضد أغراض السياسات النقدية.
وتابعت "الأمر إذا يشبه أن يكون لديك سياسة نقدية تضع قدمها على المكابح، بينما السياسة المالية تضع قدمها على البنزين".
التصنيع يواصل الانكماش
لكن في المقابل، فإن بوادر الركود بدأت تتفاقم، فقد كشف تقرير حديث وجود فرصة بنسبة 98.1 في المئة لحدوث ركود عالمي، وذلك وفقاً لنموذج الاحتمالات الذي تديره "نيد ديفيس ريسيرش".
المرات الأخرى الوحيدة التي كان فيها نموذج الركود بهذا الارتفاع كانت خلال فترات الركود الاقتصادي الحاد، وآخرها عام 2020، وأثناء الأزمة المالية العالمية في عامي 2008 و2009. وكتب الاقتصاديون "يشير هذا إلى أن خطر حدوث ركود عالمي حاد أخذ في الارتفاع لبعض الوقت في 2023".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بخلاف الانكماش الذي طارد الاقتصاد الأميركي، وهو أكبر اقتصاد في العالم، خلال الربعين الأول والثاني من العام الحالي، فقد انكمش نشاط التصنيع العالمي خلال سبتمبر (أيلول) الماضي للمرة الأولى منذ أكثر من عامين مع استمرار ضعف الطلبات والإنتاج، مما يؤكد تزايد مخاطر حدوث ركود عالمي.
وأظهرت البيانات انخفاض مؤشر "جيه بي مورغان" لمديري المشتريات التصنيعي العالمي للشهر الرابع على التوالي إلى 49.8 نقطة في سبتمبر (أيلول)، وهو أدنى مستوى له منذ يونيو 2020، كما تراجع مؤشر الطلبات الجديدة للشهر الثالث على التوالي إلى أدنى مستوى في أكثر من عامين وتراجع مقياس التجارة الدولية، مع انخفاض الإنتاج أيضاً بأكبر قدر في خمسة أشهر، في إشارة واضحة إلى ضعف الطلب.
وعلى الرغم من انخفاض المؤشر العالمي، تحسنت مؤشرات نشاط المصانع لكل من الولايات المتحدة والصين خلال شهر سبتمبر، حيث ارتفع مؤشر "ستاندرد أند بورز غلوبال" لمديري المشتريات التصنيعي الأميركي إلى مستوى 52 نقطة، بينما ارتفع مؤشر مديري المشتريات التصنيعي الرسمي في الصين إلى مستوى 50.1 نقطة.
وكشفت البيانات انخفاض نشاط قطاع التصنيع في دول منطقة اليورو بشكل أكبر خلال سبتمبر الماضي باستثناء إيرلندا، وسجلت كل من فرنسا وألمانيا وهما أكبر اقتصادين في منطقة اليورو، أكبر وتيرة انكماش في أكثر من عامين.
تآكل وانهيار أرباح الشركات
في السياق ذاته، حذرت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني من أن حصة الشركات التي ستفشل في سداد ديونها في الوقت المحدد قد تقفز ثلاثة أمثال في العام المقبل بسبب ضغوط السيولة وتدهور ظروف التداول. وأشارت في مذكرة بحثية حديثة إلى أنه "إذا استمر رفع معدلات الفائدة وتعمق التباطؤ الاقتصادي العالمي فإن الشركات ذات التصنيف الائتماني الأضعف تواجه انخفاضاً في الأرباح وارتفاعاً في تكاليف الديون"، مضيفة "في ظل هذا السيناريو، من المتوقع أن تتصاعد حالات تخلف الشركات عن سداد ديونها".
وأشارت إلى أنه في الولايات المتحدة قد ترتفع معدلات التخلف عن سداد الديون من أقل من اثنين في المئة إلى 7.8 في المئة بحلول أغسطس (آب) 2023، بينما ستصل النسبة إلى 6.5 في المئة في منطقة أوروبا، كما ستصل في دول الشرق الأوسط وأفريقيا إلى اثنين في المئة.
وترى أن ضعف الإصدارات الجديدة من السندات والقروض لنحو 315 مليار دولار منذ بداية العام الحالي، مقابل 1.6 تريليون دولار في 2021، بنسبة انخفاض نحو 80.3 في المئة، يشير إلى الشروط المتشددة التي تواجه الشركات التي تسعى إلى إعادة التمويل أو الحصول على سيولة إضافية.
وعلى الرغم من احتمالية اتجاه مجلس الاحتياطي الفيدرالي لوقف رفع الفائدة مع انخفاض المعروض النقدي، فإن هذا لا ينهي مخاطر انكماش أرباح الشركات، وفق ما كشف عنه "مورغان ستانلي" في مذكرة بحثية حديثة، مشيراً إلى أن تشدد السيولة في النظام المالي العالمي يدخله منطقة الخطر، حيث تميل الكوارث الاقتصادية إلى الحدوث، وهو ما يزيد من احتمالية عودة الاحتياطي الفيدرالي للتيسير الكمي.
وفي حين يرى التقرير أن عودة التيسير الكمي قد تؤدي إلى تعافي الأسهم، فإنها لا تغير مخاوف البنك في شأن توقعات أرباح الشركات، التي قد تشهد تباطؤاً كبيراً لن يستطيع الاحتياطي الفيدرالي أن يمنعه.
وأشار إلى أن معدل التغير السنوي في المعروض النقدي بالدولار في الولايات المتحدة والصين ومنطقة اليورو واليابان تحول إلى النطاق السالب للمرة الأولى منذ مارس (آذار) 2015، وهي الفترة التي سبقت الركود الصناعي العالمي.
ورجح أن الأسهم الأميركية في المراحل الأخيرة من السوق الهابطة، وأن السوق قد تشهد ارتفاعاً على المدى القريب مع انطلاق موسم نتائج أعمال الشركات قبل أن تعود إلى الهبوط مرة أخرى. وكان بنك "أوف أميركا" قد كشف في مذكرة بحثية حديثة أن أسواق الأسهم والسندات العالمية فقدت نحو 46.1 تريليون دولار من قيمتها السوقية منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2021.