Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تأثير العربة... لماذا يتبع الناس الحشود؟

ظواهر الأصالة والشجاعة الشخصية قليلة جداً مقابل التبعية ذات التأثير القوي في جموع البشر

الروابط العاطفية التي يتسم بها الجمهور تكفي بكل تأكيد لتفسير انعدام الاستقلال لدى الفرد (أ ف ب)

تزداد قابلية الناس لتبني معتقد ما بازدياد عدد معتنقيه، وهو ما ينطبق على أي من الظواهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفنية وغيرها، فالأكيد أن للبشر ميلاً فطرياً إلى اتباع السلوكيات والمعتقدات الأكثر تداولاً والبقاء مع المجموع بحثاً عن الشعور بالأمان من جهة وخوفاً من الاختلاف والخروج على نظام المجموع من جهة أخرى.

يطلق على هذا السلوك اللاواعي اسم "تأثير العربة"، ولإدراك هذا المفهوم أهمية كبيرة، لما له من تأثير قوي في البشر بمجالات الحياة كافة.

تأثير العربة

يصنف هذا التأثير كنوع من أنواع التحيز المعرفي السلوكي الذي يجعل الناس يفكرون أو يتصرفون بطريقة معينة لمجرد قيام مجموعة أخرى من الأشخاص بالفعل نفسه، بصرف النظر عن مدى تطابقه مع معتقداتهم الخاصة أو قناعاتهم أو نمط حياتهم وتفضيلاتهم، إذ تعد مواقف ومعايير الحشود معدية، فنحن نتأثر طوال الوقت ومن دون وعي بمواقف وسلوكيات من حولنا.

ويلعب هذا التأثير دوراً رئيساً في ظواهر عدة ذات صلة مثل سلوك القطيع، وهي الطريقة التي يفكر ويتصرف بها الأفراد في المجموعة بطريقة مماثلة بسبب التفاعلات المحيطة بدلاً من التفكير الفردي أو التنسيق الجماعي، إضافة إلى ظواهر أخرى مثل العدوى الاجتماعية والعقلية الغوغائية وتأثير الإجماع الزائف، وغيرها.

ومن أشهر الأمثلة التي توضح تأثير العربة "تجربة المصعد"، وهي تجربة شهيرة قدمت لأول مرة في برنامج للكاميرا الخفية عام 1962، وأثبتت بالصوت والصورة كيف يتجه الأشخاص إلى تطبيق سلوكيات الجموع ولو لم تكن منطقية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويذكر سيغموند فرويد في كتابة "سيكولوجيا الجماهير" أن الروابط العاطفية التي يتسم بها الجمهور تكفي بكل تأكيد لتفسير انعدام الاستقلال لدى الفرد، وتماثل ردود فعله مع ردود فعل سائر الأفراد، وهبوطه إلى مستوى وحدة من وحدات الجمهور.

وتتنوع الأمثلة لتشمل تقريباً مختلف جوانب الحياة بظواهرها كافة، كما يستخدم أحياناً بمعنى متخصص في سياقات محددة. فمثلاً يمكن أن يتسبب تأثير العربة في أن يتبنى شخص ما أيديولوجية سياسية معينة، فقط لتأثره بأشخاص آخرين يتبنون هذه الأيديولوجية ضمن دائرته الاجتماعية، وهذا التأثير نراه في الخيارات السياسية للأفراد، إذ يقدم الناخبون في بعض الأحيان دعماً متزايداً لحزب سياسي معين، ببساطة لأن هذا الحزب أبلى بلاء حسناً في استطلاعات الرأي الأخيرة، وهذا السلوك يشار إليه أحياناً باسم "عربة التصويت"، أو تأثير التجمع حول الفائز أو تأثير اتباع الفائز. وكذلك أحدث مفعول العربة تأثيراً على القرارات الطبية للأطباء، إذ طبقت على مدى فترات طويلة من التاريخ إجراءات طبية عدة لمجرد رواجها في المجتمع الطبي، على رغم نقص الأدلة التي تدعم فاعليتها.

كما نجد هذا التأثير في سياق الاستهلاك والاقتصاد، إذ غالباً ما يستخدم "تأثير العربة" للإشارة إلى زيادة الطلب على سلعة معينة، من خلال التدخل في قرارات المستهلكين في ما يتعلق بالمنتجات المراد شراؤها، فغالباً ما يشتري بعض الأشخاص نوع الملابس التي يرتديها أشخاص آخرون يعرفونهم، بغرض إظهار أنهم يتبعون أحدث صيحات الموضة، وهو سلوك يشار إليه أحياناً باسم "عربة الاستهلاك" ويستثمر بشكل كبير في عمليات الدعاية والتسويق، ومن جهة أخرى، ترتفع نسبة استثمار الناس وضخهم الأموال في سوق الأسهم عندما يرون أشخاصاً آخرين يقومون بذلك، الأمر الذي قد يؤدي إلى تشكيل فقاعات مضاربة، وأحياناً انهيار في السوق.

وأخيراً نرى هذا التأثير جلياً في ما يتعلق باتباع الشركات للتقنيات الحديثة، كتطبيق ميزات جديدة على مواقعها الإلكترونية لمجرد رواجه واتساع انتشاره، على رغم حقيقة أن القيام بذلك في وقت سابق كان يمكن أن يمنحهم ميزة تنافسية في السوق، وكذلك يظهر بشكل واضح في منصات التواصل الاجتماعي.

لماذا يتبع الناس الحشود؟

يمكن أن يعزى تأثير العربة جنباً إلى جنب مع السلوكيات المرتبطة به مثل اتباع الحشود والاتجاهات الرائجة إلى أسباب نفسية عدة، أحدها هو التأثير الاجتماعي المعياري، الذي يتمثل في الميل إلى التوافق مع الآخرين بدافع الرغبة في الانضمام إلى الجمهور والحصول على موافقته، وكذلك يعتبر "التأثير الاجتماعي المعلوماتي" سبباً آخر، وهو يحدث بدافع الرغبة في أن تكون على حق من خلال اتباع الأكثرية، على افتراض أن الآخرين قد يعرفون شيئاً لا تعرفه، أو قد يفهمون الموقف بشكل أفضل منك.

علاوة على ذلك، يمكن أن يكون الاعتماد على آراء الآخرين وأفعالهم في كثير من الأحيان بمثابة إرشاد مفيد أو اختصار عقلي يساعدهم على تكوين آراء واتخاذ قرارات قد يتراءى لهم أنها أكثر صوابية، بخاصة في ظل عدم اليقين أو في تلك المواقف التي يحتاج فيها الناس إلى السرعة في الاختيار، بالتالي يمكن أن يكون استخدام تأثير العربة بهذه الطريقة كإرشاد.

هذه الأسباب مجتمعة تعني أنه عندما يقابل الناس إشارات أو علامات تدل على أن الآخرين يؤمنون بشيء ما أو يفعلون شيئاً ما، فإنهم يستخدمون تلك الاستدلالات لتوجيه أفعالهم، وفقاً للافتراض الذي يقول إن من المفيد التصرف بالطريقة نفسها التي يتصرف بها الآخرون أو أن حكم الآخرين يستحق الاعتماد عليه بشكل ما.

التأثير العكسي

يقابل تأثير العربة تحيز معرفي آخر يجعل الناس يتجنبون القيام بشيء ما لأنهم يعتقدون أن أشخاصاً آخرين كثر يفعلونه، أي إن هناك ما يسمى "تأثير العربة العكسي" الذي يؤثر على الناس بطريقة معاكسة لتأثير العربة العادية، من خلال دفعهم إلى الانخراط في سلوك غير متطابق، مثل تجنب شخص ما ارتداء ماركة من الملابس، بعد رؤيته عدداً من الأشخاص الآخرين يرتدون من تلك العلامة.

لكن بحسب فرويد فإن ظواهر الأصالة والشجاعة الشخصية قليلة جداً في المجتمع البشري العادي مقابل ظواهر التبعية، ومن السهل جداً أن يقع الفرد تحت هيمنة مؤثرات الروح الجماعية من خصائص عرقية وطبقية وأحكام مسبقة ورأي عام، وغيره، لذا من الصعب حماية أنفسنا من هذه التأثيرات بشكل كامل.

وينصح المتخصصون في علم النفس بمحاولة إبطاء عملية اتخاذ القرارات للسماح لأنفسنا بمساحة حرة نستطيع ضمنها التفكير بشكل نقدي بعيداً من الإشارات التي نتلقاها من المحيط، مما قد يمنعنا من تبني آراء شائعة، إضافة إلى أهمية اتخاذ القرارات في بيئة لا تمارس على الفرد ضغوطاً من نوع ما، بحيث يستطيع التفكير في الخيارات البديلة التي تختلف مع رأي الأغلبية.

المزيد من منوعات