Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

الفنون في المدارس المصرية: أولوية غائبة ومواهب مهدورة

تعامل كمادة ثانوية وغيابها ينعكس على المجتمع بكامله في صورة انحدار للذوق العام وعدم تقدير للفن والثقافة

 تبنت مصر في العام الماضي مبادرة لإحياء المسرح المدرسي وهي خطوة جيدة إن استمرت (مواقع التواصل)

ملخص

 الأولوية عند بناء المدارس أو تطويرها تكون لإنشاء معمل لا مرسم أو حجرة موسيقى، وحتى في التعيينات فالأولوية لمعلمي مواد العلوم المختلفة وليس الفنون، مما ينعكس على حال الفنون في المدارس، إضافة إلى أن غياب الإمكانات اللازمة لتدريسها وعدم إدراجها في المجموع لمعظم المراحل يجعلان الطلاب وأولياء الأمور ينظرون إليها باعتبارها شيئاً ليس له أهمية.

على رغم الأهمية الكبرى للفنون بأنواعها لكنها لا تحظى بالاهتمام الكافي في المدارس المصرية، وتعامل باعتبارها مادة ثانوية ليست لها أولوية مثل المواد العلمية الأخرى، مما ينعكس على الطلاب الذين يترسخ لديهم معتقد بأن الفنون شيء ثانوي أو رفاهية يمكن الاستغناء عنها، بينما بقية التخصصات أكثر أهمية.

وعلى أرض الواقع هناك بعض المدارس الخاصة التي يكون لديها اهتمام نسبي ببعض أنواع الفنون، فتتوافر فيها حجرة مجهزة للموسيقي، وفي نهاية كل عام تدرب الطلاب على إقامة عرض مسرحي وتشغل حصص الرسم جدولها بصورة منتظمة، إلا أنه مع اقتراب امتحانات نهاية العام تلغى جميع حصص الفنون ونشاطاتها لمصلحة المواد العلمية المختلفة.

ويحدث هذا في المدارس الخاصة التي تتوافر فيها الإمكانات بصورة أكبر ويكون عدد طلابها محدوداً مقارنة بالأعداد الكبيرة في المدارس الحكومية التي قد يعاني بعض طلابها، وبخاصة في المحافظات والقرى والمناطق النائية، عدم توافر أي متنفس آخر لممارسة نشاطات فنية أو رياضية مع عدم وعي كثير من أسرهم بأهميتها في تنشئة الطفل ودورها في الارتقاء بوعيه ووجدانه، فتكون الأزمة هنا أكبر بكثير في ظل افتقاد هؤلاء الأطفال إلى أية وسيلة لاكتشاف مواهبهم أو التعامل مع عالم الفنون المختلفة.

تطوير التعليم لا يشمل الفنون

خلال الفترة الأخيرة أعلن في مصر مشروع مقترح لتطوير نظام الثانوية العامة القائم حالياً والبحث في اعتماد نظام جديد تحت مسمى الـ "بكالوريا"، لتشهد البلاد سجالات ونقاشات عدة حول إضافة مواد وحذف أخرى وأولويات درس الرياضيات والعلوم والتاريخ، وجدل حول إضافة الدين للمجموع وهل سيؤثر في تكافؤ الفرص أم سيضر به، وكل هذه الأطروحات لم تتطرق من قريب أو بعيد لأهمية أن يدرس الطلاب مادة متعلقة بالفنون مثل الرسم أو الموسيقى، على رغم أن هناك تخصصات جامعية مختلفة ترتبط بها بصورة مباشرة.

الأستاذ في كلية التربية بجامعة عين شمس تامر شوقي يقول إن "الأنشطة الطلابية بجميع أنواعها مثل الرسم والموسيقي والمسرح تلعب دوراً كبيراً في تنمية الجانب المهاري والوجداني، ولها دور كبير في تنمية شخصية الأطفال باعتمادها على التعاون والعمل الجماعي واحترام الآخر والصبر، مما يكسبهم ثقة بالنفس وتقديراً للذات، فهناك طلاب متفوقون دراسياً ويحصلون على أعلى الدرجات لكنهم لا يمتلكون أية مهارات أو موهبة وحتى لديهم مشكلات في التواصل كنتيجة لغياب الاهتمام بالفنون، فالمدرسة من المفترض أنها نقطة انطلاق لاكتشاف المواهب وهذا دور لا يقل في الأهمية عن التعليم".

ويوضح أن "من أهم أسباب القصور في تدريس الفنون هو عدم إيمان القيادات التعليمية بأهمية مثل هذه النشاطات، فالأولوية تكون لإنشاء معمل للعلوم وليس مرسماً أو حجرة موسيقي، وحتى في التعيينات فالأولوية لمعلمي مواد العلوم المختلفة وليس الفنون، وينعكس هذا بصورة مباشرة على الطلاب، فكثير منهم يتعامل مع مثل هذه المواد ومعلميها بعدم اهتمام، بخاصة وأنها لا تدخل في المجموع مما يعزز هذه النظرة".

الفنون والارتقاء بالذوق العام

تدريس الفنون في المدارس لا يرتبط فقط باعتبارها مادة دراسية مهمة يجب أن تحظي باهتمام أكبر، لكن تأثيرها لا ينفصل عن المجتمع بكامله، فالطالب الذي لا يقرأ الأدب ولا يتذوق الفنون التشكيلية ولم يدخل يوما غرفة الموسيقى سيخرج إلى المجتمع لاحقاً غير مقدر لقيمة الجمال والتراث والثقافة وربما يسفه منها، وفي الوقت ذاته سيفقد المجتمع مواهب عدة في مجالات شتى لعدم اكتشافها من الأساس.  

ومنذ عقود سابقة كان الاهتمام بالفنون في المدارس أولوية ونتجت منه أجيال من الفنانين في كل المجالات، في الفنون التشكيلية بكل فروعها والموسيقي والغناء والمسرح، وعندما كان يحكي هؤلاء الفنانين عن بداياتهم كانت كلمة السر هي المدرسة والمعلم الذي كان له فضل الاكتشاف والتوجيه والتشجيع، لتستمر الموهبة مع الأنشطة الطلابية في الجامعات لاحقاً فيخرج للمجتمع مبدع جديد في الفن وملم بالمواد العلمية.

وليس هناك انفصال بين الفن والدراسة، إذ أثبتت دراسة أجراها العالم غوردون شو في "جامعة كاليفورنيا" أن الاستماع إلى الموسيقي يزيد نسبة الذكاء عند الطلاب، إذ كانت هناك مجموعتان الأولى أسمعها مقطوعة كلاسيكية من مؤلفات موزارت والثانية لم تستمع إليها، ثم أعطاهم اختباراً للذكاء فجاءت درجات المجموعة التي استمعت للمقطوعة أعلى بكثير.

 

دراسة أخرى أجريت في اليابان على الأطفال الذين يتعلمون عزف الكمان بـ "طريقة سوزوكي"، وهي طريقة ابتكرها عازف الكمان شينيشتى سوزوكي وأصبحت منهجاً معتمداً في العالم كله، فأثبتت أن الأطفال الذين يتعلمون العزف على الكمان بهذه الطريقة حققوا تفوقاً ملحوظاً في مادة الرياضيات مقارنة بغيرهم .

الفن حماية للمجتمع من الأفكار الهدامة

الاهتمام بالفنون ودرسها شكل دافعاً لانشاء "مدرسة الفنون الجميلة" في القاهرة عام 1908 والتي تحولت لاحقاً إلى كلية الفنون الجميلة القائمة بحي الزمالك حالياً، وعلى مدى أجيال تخرج فيها مبدعون شكلوا علامات فارقة في تاريخ الفن المصري، ويقول الأستاذ بكلية الفنون الجميلة أشرف رضا إن "تدريس الفنون في المدارس كان سبباً رئيساً في رفع الذوق العام، فهو يجعل الأطفال يدركون قيمة الجمال في كل شيء حولهم، وعندما تقلص الاهتمام بتدريس الفنون في المدارس انعكس ذلك على المجتمع بكامله، وأصبح يظهر في شكل انحدار للذوق العام على جميع المستويات، فلم يعد هؤلاء يستنكرون القبح لأنهم لم يتعلموا قيمة الجمال والتنسيق من الأساس، ولا أدركوا قيمة الفن وتأثيره في المجتمع، فالفنون تدخل في جميع مناحي الحياة وتنعكس عليها، بداية من اختيار الملابس وديكورات المنازل ومروراً بنمط المعمار واختيارات الناس لنوعيات الموسيقي والأغاني".

ويستكمل أن "للفنون دوراً كبيراً في تنمية الوعي والفكر والحماية من التطرف باعتبار أنها ترتقي بالطلاب وتشغل تفكيرهم ووقتهم في أعمال مفيدة، وحالياً في كليات الفنون وكنتيجة لعدم الاهتمام بتدريس الفن في المدارس فإن مستوى الطلبة أصبح أقل بكثير من السابق، وكل دفعة يكون فيها عدد محدود من الطلاب المميزين، بعكس أجيال سابقة كانت معظم الدفعات مميزة ويتخرج فيها فنانون حقيقيون، وهذا الوضع سيشكل أزمة مع مرور الوقت، فسنجد عدد الفنانين المبدعين في تناقص شديد وسيكون لهذا انعكاسات كبيرة على المجتمع".

مبادرة لإحياء المسرح المدرسي

خلال العام الماضي تبنت وزارة التربية والتعليم في مصر مبادرة لإحياء المسرح المدرسي بالتعاون مع وزارة الثقافة حتى في المدارس التي لا تحوي مسرحاً، وتهدف المبادرة إلى اكتشاف المواهب على مستوى المدارس ثم الإدارات التعليمية والمديريات لتقام تصفية نهائية بين جميع محافظات الجمهورية وتقديم جوائز للفائزين.

 

وتعد المبادرة خطوة جيدة على طريق إحياء الفنون على مستوى المدارس المصرية إن استمرت في صورة منتظمة، وربما تفتح المجال لظهور مبادرات مماثلة لاكتشاف مواهب في الموسيقي والغناء والرسم، إلا أنه لا بد من أن يواكبها نشر الوعي وإظهار الاهتمام بالفنون ليقبل الطلاب على الاشتراك فيها، وتدرك الأسر أهمية وقيمة الفن فتشجع أطفالها على الإقبال عليه.

وعند الحديث عن تدريس الفنون في المدارس فغالباً ما يتركز الاهتمام على ضعف الإمكانات أو عدم الاهتمام والأولوية، إلا أن المعلم هنا حلقة رئيسة فهو من يقع عليه الدور الأكبر في تنمية موهبة طفل حال اكتشافها، وهو من يمكن أن يحبط التلاميذ ويجعلهم يصرفون اهتمامهم عن نوع معين من الفنون .

وتقول مروة مصطفى، وهي معلمة تربية فنية في واحدة من المدارس الخاصة في مصر، إن "الأطفال الصغار يكونون في منتهي السعادة والحماسة خلال حصص الرسم، وكلما كبر السن وأدركوا عدم إضافتها للمجموع يبدأ تململ بعضهم من الحصص، وبخاصة لو كانت أسرهم لا تقدر الفنون ولا تشجعهم، وعلى رغم ما يقال من أن تدريس المواد الفنية يحتاج إلى إمكانات قد لا تكون متوافرة فإن هذا غير صحيح، فكراسة رسم وعلبة ألوان صغيرة أو حتى قلم رصاص كاف لإظهار موهبة الطفل، لكن الأزمة هي عدم وجود الأولوية والاهتمام".

وتوضح أن "بعض المدارس الخاصة لديها اهتمام نسبي بالفنون وأحياناً تقيم مسابقات بين الطلاب أو تعلق أعمالهم الفنية في الممرات، وربما تقدم فقرات موسيقية في الحفلات أو في طابور الصباح، ولكن في النهاية كل طلاب المدارس الخاصة في مصر عددهم محدود مقارنة بملايين الطلاب في المدارس الحكومية".

ويضيف أستاذ الفنون أشرف رضا "كان لي تجربة مع أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة خلال ملتقى يقام كل عام تعرض فيه إبداعاتهم الفنية المختلفة وبعضهم قدم أعمالا مبهرة، وهذا يشير إلى أهمية تنمية مهاراتهم في الفنون المختلفة لانعكاس هذا عليهم بصورة كبيرة، لكن على أرض الواقع فإن المدارس الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة هي الأخرى تفتقر إلى الاهتمام بالفنون وحالها غير منفصل عن السياق العام المتعلق بتدريس الفنون في المدارس المصرية".

المزيد من منوعات