أقر البنك المركزي التونسي أن اقتصاد بلاده لا يمكن أن يواصل الصمود في ظل الهزات الداخلية والخارجية التي أثرت في توازناته من دون اتفاق مع صندوق النقد الدولي، مشدداً على وجوب الإسراع في إنجاز الإصلاحات الاقتصادية الكبرى التي تأخرت كثيراً، حتى يعبر الاقتصاد أزمته ويتجاوز الهزات المتتالية.
وتتعلق الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي وعدد من المؤسسات المالية الدولية وكذلك المتخصصون في تونس، بإعادة هيكلة الشركات الحكومية وإصلاح منظومة دعم المواد الأساس والضغط على كتلة الأجور، علاوة على اتخاذ الإجراءات الاجتماعية الضرورية لاستعادة نسق تصدير الفوسفات وإطلاق الجهاز التصديري مع إدخال تحسينات على مناخ الاستثمار.
وتعاني تونس أزمة اقتصادية خانقة أثرت بشكل كبير في توازناتها المالية في ظل صعوبة الخروج على الأسواق المالية العالمية، إثر تعطل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي يمثل جواز سفر تونس للولوج إلى التمويلات الخارجية.
بعثة رسمية إلى واشنطن
ويستعد وفد تونسي يضم محافظ البنك المركزي مروان العباسي ووزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد ووزيرة المالية سهام نمصية وعدداً من الكوادر في الإدارة التونسية، للتوجه إلى واشنطن بداية في الـ 10 من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي للمشاركة في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي ستتواصل إلى الـ 16 من الشهر نفسه، واستغلال هذا الحدث لمزيد من التباحث مع مسؤولي صندوق النقد الدولي في شأن إمكان اتفاق بين تونس والصندوق والحصول على درجة (Staff Level Agreement) التي تعني الموافقة المبدئية على برنامج الإصلاحات الاقتصادية الذي تم إعداده.
ويقول محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي إن البرنامج الذي أسهم في إنجازه نحو 400 إطار من الإدارة التونسية يعد مقبولاً وثرياً ويتضمن سلسلة من الإصلاحات التي تتوافق مع ما يطلبه صندوق النقد الدولي.
وقال المحافظ خلال لقاء إعلامي إنه في حال حصول تونس على الموافقة المبدئية فإن ذلك سيخولها الحصول على تمويلات في إطار التعاون الثنائي مع عدد من الدول مثل السعودية واليابان وقطر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورجح المسؤول الأول عن البنك المركزي التونسي أن تحصل تونس على ما يقارب ملياري دولار من صندوق النقد الدولي، محذراً في السياق ذاته أن الامتحان الأبرز يتمثل في قيام خبراء صندوق النقد الدولي بالمراجعة الأولى خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام المقبل إثر صرف الشريحة الأولى من القرض، لتقييم مدى التقدم في الإصلاحات الاقتصادية المتفق عليها.
وأضاف أنه في حال نجاح تونس في الشروع جدياً بتطبيق برنامج الإصلاحات فإنها ستكون على المسار الصحيح وقريبة من التمويلات الخارجية، لكن في حال العكس فإنها ستخرج من حسابات صندوق النقد الدولي، وهو سيناريو كارثي لتونس وفق تصوره.
ضغوط تضخمية
وقال البنك المركزي التونسي إن النشاط الاقتصادي تضاءل خلال الربع الثاني من سنة 2022 بالنظر إلى الأداء الضعيف للصناعات غير المعملية.
وفي جانب آخر أبرز أن الأداء الجيد لنشاط الصناعات المعملية، لا سيما التصديرية خلال النصف الأول من عام 2022 والذي تواصل خلال الأشهر الأخيرة، مكن من دعم صادرات البلاد، كما تحسن الطلب الداخلي بعد رفع جميع القيود الصحية مما أجج الضغوط المسلطة على تدفقات الواردات.
وفي ما يتعلق بالأسعار عند الاستهلاك تواصل الارتفاع المتسارع والمعمم للتضخم الذي بلغ 9.1 بالمئة خلال شهر سبتمبر (أيلول) 2022، أي أعلى مستوى يتم تسجيله منذ ما يزيد على ثلاثة عقود. ولاحظ البنك أن الضغوط التضخمية ستظل نشطة، إذ يتوقع أن يستمر تأثير جملة العوامل سواء الداخلية أو الخارجية، التي تزيد حالياً من حدة الضغوط المسلطة على الأسعار عند الاستهلاك.
ويمثل ضعف القدرة الإنتاجية للاقتصاد في ظل ارتفاع الطلب مصدراً رئيساً للضغوط التضخمية، بما من شأنه تدعيم التأثيرات التصاعدية المهمة المتأتية من الخارج.
وأعرب المركزي التونسي عن انشغاله إزاء الأخطار التصاعدية التي تحيط بالمسار المستقبلي للتضخم، مؤكداً أهمية تنسيق السياسات الاقتصادية.
وفي هذا الإطار دعا جميع الأطراف المتداخلة إلى دعم جهود البنك المركزي في مكافحة التضخم والحفاظ على الاستقرار المالي لتجنب أي انزلاق تضخمي يزيد حدة مواطن الضعف الاقتصادية والمالية.
ويؤكد العباسي في هذا المضمار وجوب أن تستعيد مختلف منظومات الإنتاج مثل الحبوب والحليب واللحوم الحمراء والبيضاء، توازناتها التي كانت قبل 2011 لتعمل بطريقة منظمة ومتوازنة، وتسهم بشكل لافت في تزويد السوق بصفة منتظمة مما يجعل نسب التضخم مستقرة.
التحكم في التضخم ممكن
العباسي ومن موقع اطلاعه على حقيقة الأوضاع الاقتصادية والمالية لتونس، أقر بأنه يمكن تطويق نسب التضخم الآخذة في الصعود في غضون السنتين أو الثلاث المقبلة، وبلوغ مستويات ما قبل أزمة كوفيد، لكن هذا التحكم في النسب تحيط به جملة من الشروط الضرورية، أهمها انتهاء الأزمة الروسية - الأوكرانية وانخفاض مستويات الأسعار العالمية للنفط والمواد الأساس، وفي مقدمها الحبوب، باعتبار أن جزءاً كبيراً من مكونات التضخم في تونس تعتبر تخماً مستورداً.
أما الشروط الداخلية فإن أهمها بحسب العباسي تتمثل في استعادة ثقافة العمل ورجوع آلة الإنتاج وتحسين عائدات بيع الفوسفات وعائدات القطاع السياحي، وكذا استعادة منظومات الإنتاج الفلاحي توازناتها.
ويتوقع البنك المركزي أن تنهي تونس عام 2022 بمعدل تضخم بين سبعة وثمانية في المئة، على أن يعطي تعديل سعر الفائدة الرئيس المتخذ أخيراً نتائجه في غضون عام ونصف العام، شرط استقرار الأوضاع العالمية.