في أعقاب التقارير المتواترة عن أزمة الغذاء العالمية التي حذرت من وقوعها منظمات عالمية متخصصة كثيرة، تعد القارة الأفريقية بعض الاحتياطات بغية معالجة الأزمة والتخفيف من آثارها... فهل ترقى الخطوات التي يقودها الاتحاد الأفريقي إلى جانب الاهتمام الإقليمي، إلى معالجات تخفف من وقع الكارثة؟ وما هو الدور الذي يفترض بدول العالم الاضطلاع به لتجنب الأخطار المحدقة؟
حشد الدعم
تحت شعار "حشد الدعم من أجل الأمن الغذائي والتغذية" أعلن الاتحاد الأفريقي استضافة مؤتمر "رفيع المستوى" مختص بالأمن الغذائي والتغذية في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي في مقره بأديس أبابا يهدف إلى تسريع تنفيذ الالتزامات العالمية والإقليمية بما في ذلك تنفيذ الأطر الاستراتيجية والبرنامج الشامل لتنمية الزراعة في أفريقيا المعروف بـ"الكاداب".
وكان عدد من المنظمات العالمية المعنية بتأمين الغذاء أعلن أن الجوع أصبح يندرج ضمن الأخطار المهددة لحياة البشر، إلى جانب الحروب والتأثيرات المترتبة على التغيّر المناخي. وفي أثناء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 77 في نيويورك خلال سبتمبر (أيلول) الماضي استغلت 200 منظمة من المنظمات الدولية المعنية بقضية الغذاء المناسبة لتنبيه قادة الدول من الأخطار المحدقة بنقص الغذاء العالمي على المدى المنظور وأكدت أن ما يقدر بـ50 مليون إنسان على وشك أن يعانوا المجاعة، وفق تقديرات تشير إلى أن شخصاً يموت كل أربع ثوان بسبب الجوع، كما أن هناك دلائل على أن أكثر من 250 مليون شخص يعانون الجوع معظمهم في القارۃ الأفريقية التي لا تزال تواجه مشكلات عدة.
ومثلت الحرب الروسية - الأوكرانية بداية منبهة للعالم بالنسبة إلى قضية نقص الغذاء، حينما تأثرت دول أفريقية عدة وغيرها من دول العالم في تدفقات القمح والحبوب الغذائية الواردة من روسيا وأوكرانيا بسبب الحرب.
ووفق الإحصاءات تستحوذ واردات القمح على 90 في المئة من التجارة بين أفريقيا وروسيا وتنتج روسيا وأوكرانيا ربع صادرات القمح العالمية وتمثل واردات القمح من روسيا وأوكرانيا للقارة الأفريقية ما يقدر بـ30 في المئة من إجمالي القمح الذي تستهلكه.
تفادي أزمة الغذاء
وكانت الأمم المتحدة حذرت من ارتفاع كلف الغذاء نحو 22 في المئة في ظل التداعيات السلبية لتطورات الحرب وما يتبعها من آثار.
من جهته شرع بنك التنمية الأفريقي في جمع تمويل بهدف تفادي أزمة العجز الغذائي الناجم عن الحرب على أوكرانيا وبدأ منذ مارس (آذار) الماضي بوضع خطة تبلغ قيمتها مليار دولار لتسريع تعزيزات إنتاج القمح في أفريقيا وتفادي أزمات العجز الغذائي المحتملة، ووفقاً لرئيس البنك أكينومي أديسينا "البنك يجمع تمويلاً لمساعدة 40 مليون مزارع أفريقي في الاستفادة من التقنيات المقاومة للتغيرات المناخية وزيادة محصولهم من تشكيلات الحبوب الغذائية التي تتحمل درجات الحرارة العالية، إلى جانب المحاصيل الأخرى".
وينظم المؤتمر من قبل مفوضية الاتحاد الأفريقي وبمشاركة وزارات الزراعة والتنمية الريفية في الدول الأفريقية والبيئة المستدامة والاقتصاد الأزرق والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر ومنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، إلى جانب بنك التنمية الأفريقي والممثلين الدائمين لدى الاتحاد الأفريقي، ويشارك أيضاً شركاء التنمية ووكالات الأمم المتحدة والمجموعات الاقتصادية الإقليمية والمنظمات المختصة بالمجتمع المدني.
ويستعرض المؤتمر خطط الاستجابة التي وضعتها المؤسسات المختلفة للتخفيف من تأثير أزمة الغذاء العالمية، فضلاً عن تقييم الوسائل المتبعة واتخاذ تدابير إضافية أخرى في مواجهة الأزمة.
ويرى خبراء أن الخطط الأفريقية تجاه الاكتفاء الذاتي من القمح والغذاء تحتاج إلى أعوام حتى تتمكن القارة السمراء من توليف بذور إضافية متوائمة مع البيئات الأفريقية وخلق بدائل غذائية أخرى تغنيها عن اعتمادها على مصادر الحبوب الواردۃ سواء من روسيا أو أوروبا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان التحالف من أجل ثورة خضراء في أفريقيا المعروف بـ "أغرا" (منظمة تتعامل مع المنتجات الزراعية في أفريقيا ويتم تمويلها من قبل مؤسسة بيل وميليندا غيتس ومؤسسة روكفلر)، أعلن في سبتمبر الماضي عن صندوق تحفيزي بقيمة 550 مليون دولار للأعوام الخمسة المقبلة لتعزيز وضع الأمن الغذائي في القارة الأفريقية.
وقال رئيس التحالف هايلي مريام ديسالين (رئيس الوزراء الإثيوبي السابق) إن السياسة الجديدة للمنظمة الأفريقية "أغرا" تستهدف 28 مليون مزارع في 15 دولة لتعزيز الإنتاجية الزراعية والدخل، وأشار إلى أن التركيز للأعوام الخمسة المقبلة من (2023 إلى 2027) ينصب على تحسين أنظمة البذور والمشاركة الحكومية وسلاسل التوريد الزراعية وأن يكون المزارعون قادرين على الحصول على البذور المناسبة والاحتفاظ بها بالسعر والوقت المناسبين، إلى جانب التخفيف من آثار تغير المناخ.
خلق البدائل البذرية
وعن خلق البدائل البذرية يقول الخبير الزراعي محمد مصدق شريف الإمام "من فوائد الكوارث التي حلت بالعالم سواء الحرب الروسية - الأوكرانية أو غيرها من مهددات المناخ تنبيه العالم إلى عمل احتياطات في جملة مرافق من أهمها مرفق الغذاء الذي يشكل أهمية حيوية في حياة الناس"، ويضيف "خلق البدائل البذرية الموائمة مع البيئات سواء في القارة الأفريقية أو غيرها أصبح من الضرورات العلمية في ظل تغيرات المناخ".
وتطرق "إلى تأكيد الخبراء الزراعيين أن التنوع الجيني في التشكيلات النباتية والبذرية هو الضمان الذي يتيح إيجاد نباتات تتكيف مع الظروف المناخية ويستطيع المزارعون عبره خلق البدائل في الغذاء والحفاظ على إنتاجيتهم من المحاصيل"، ويتابع "إلى جانب خلق البدائل ينبغي أن تكون مرافق الغذاء بعيدة من أنانية وأطماع الإنسان في ما يخص مدخلات الزراعة من البذور والأسمدة والمعينات الزراعية"، موضحاً "الآن تتحكم شركات ضخمة في أكثر من 50 في المئة من بذور العالم وهي شركات "باير" الألمانية و"كورتيفا" الأميركية و"شيم شاينا" الصينية و"ليماغرين" الفرنسية، مما يجعل مرفق الغذاء وإمداداته عرضة للمتاجرة وينعكس سلباً على كثير من الدول والشعوب في إنتاجية الغذاء".
أما الباحث في الشؤون الدولية عادل عبدالعزيز حامد، فيقول "المشكلة الأساسية في أزمة الغذاء بأفريقيا أن الدول الأفريقية تركت المحاصيل الأساسية المحلية التي كانت تعتمد عليها في الماضي وتوجهت نحو استهلاك القمح بدلاً من الاعتماد على مصادرها المحلية"، موضحاً "من الأمثلة هناك دول كانت تعتمد في الماضي على الذرة والدخن ولم تكن لديها مشكلة في زراعة هذه المحاصيل التي تعتبر غذاء أفريقيا الأساسي، لكن تحولها إلى القمح ترك آثاراً سيئة على اقتصادها وتغذية شعوبها"، ويؤكد "إذا عادت أفريقيا إلى زرع واستهلاك محاصيلها الأساسية الخاصة بها لانتهت المشكلة تماماً. أفضل مثال على ذلك دولة الكونغو التي نجحت في الاعتماد على نفسها في إنتاج غذائها".
ويشرح حامد أن "المشكلة الأخرى هي سوء التخطيط الاقتصادي والاهتمام بالمحاصيل النقدية وترك المحاصيل الغذائية"، وعن إمكانات أفريقيا الزراعية يقول "القارة الأفريقية بما تزخر به من ثروات لجهة خصوبة التربة ووفرة المياه، قادرة على خلق تنوع غذائي تحتاج إليه القارة السمراء بقدر ما يحتاج إليه العالم أجمع في ظروف التقلبات بفعل الطبيعة والبشر. ويتطلب هذا الأمر استثمار إمكانات الدول الأفريقية من خلال تقديم الدول الغنية المساعدة للدول الفقيرة، سواء بالوسائل العلمية أو المعدات والآليات لاستثمار بيئات غنية بإمكاناتها، مما يحقق للإنسان الأفريقي أمنه الغذائي ويجعله مستفيداً من منتجات بيئته ويمكنه من الاستغناء عن الاعتماد على الدول الأخرى في طلب الغذاء".