Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفضاء بــ"تليسكوب السينما"... ذلك الفضول الشاسع

رغم إنتاج ما يزيد على 100 فيلم حتى الآن عن هذا المجال فإنه لا يزال يتمتع بمكانة بارزة في صناعة تملأنا بالإثارة

منذ ظهورها عرفت السينما بتناولها المواضيع التي تشغل بال الإنسان وليس الفضاء واستكشافه استثناء (مواقع التواصل)

تحتفي الأوساط العلمية في أكثر من تسعين دولة، والجماهير المهتمة أيضاً، هذه الفترة بين الرابع والـ10 من أكتوبر (تشرين الأول) بالأسبوع العالمي للفضاء الذي أقر عام 1999.

السبب في اختيار الأمم المتحدة لهذين التاريخين هو أن الاتحاد السوفياتي أطلق في الرابع من أكتوبر عام 1957 أول قمر اصطناعي في تاريخ البشرية يحمل اسم "سبوتنيك 1" ليطوف حول مدار الأرض المنخفض، وبعد ذلك بعشر سنوات أقرت بتاريخ 10 أكتوبر معاهدة "ماغنا كارتا الفضاء" أو الميثاق الأعظم الذي يعتبر الصك الأساس للقانون الدولي للفضاء.

الهدف من الأسبوع هو الاحتفال بمساهمات علوم وتكنولوجيا الفضاء في تحسين وضع الإنسان، وتجرى فعالياته هذه السنة تحت شعار "الفضاء والاستدامة".

طالما أثار الفضاء، ذلك المجال الشاسع المحيط بكوكبنا، فضول كثير من البشر على مر التاريخ، بداية من الإنسان البدائي الذي كان يحدق في السماء محاولاً فهم ما يحدث فيها من ظواهر ووصولاً إلى العلماء المتخصصين العارفين بوجود مجال خارج الأرض والراغبين في استكشافه.

منذ ظهورها، عرفت السينما بتناولها المواضيع التي تشغل بال الإنسان والأمور التي تهمه، وليس الفضاء واستكشافه استثناء. لذلك، فبمجرد أن بدأت محاولات البشر الوصول إلى ما هو أبعد من الكوكب الأزرق، جهز صناع السينما كاميراتهم ليستخدموها كتلسكوبات يظهرون لنا بها رؤيتهم لما وراء الغلاف الجوي. ثم راحوا يحكون لنا قصصاً حقيقية عن رحلات ومغامرات وتحديات حدثت فعلاً، وأخرى من صناعة خيالهم الخصب.

كثيرة هي الإنتاجات السينمائية المتعلقة بالفضاء، وقد بدأت عام 1902 مع الفيلم الفرنسي الصامت بتقنية الأبيض والأسود "رحلة إلى القمر" (Le voyage dans la lune) الذي ألفه وأخرجه جورج ميلييس.

هناك تفضيلات فردية لبعض الأعمال على غيرها، لكن هناك شبه إجماع على بعض العناوين التي أحدثت فارقاً في نوع أفلام الخيال العملي بشكل عام وسينما الفضاء بشكل خاص، سأختار عشرة منها هنا بترتيب غير محدد، لكن قبل البدء أود التنويه إلى أن القائمة لن تتضمن أسماء مثل "حرب النجوم" (Star Wars) أو "ستار تريك" (Star Trek) أو "حراس المجرة" (Guardians of Galaxy)، لأنها ليست أعمالاً عن تجربة الإنسان مع الفضاء، بل تحكي قصصاً تجري أحداثها في عوالم متخيلة خارج كوكبنا.

1- "أوديسا الفضاء" 2001: Space Odyssey

هناك نوع من الإجماع على أن هذا الفيلم هو أحد أكثر الإنتاجات السينمائية تأثيراً على ما سيليه من الأعمال ذات طابع الخيال العلمي المستقبلي، ومن بين أفضل الأفلام الفضائية على الإطلاق.

يمكن توصيف عمل المخرج ستانلي كوبريك هذا الصادر عام 1968 والمستند إلى رواية بالعنوان نفسه - كان كوبريك يحضّرها بالتعاون مع الكاتب آرثر كلارك لكنها صدرت باسم الأخير وحده - بأنه محاولة لاستكشاف المجهول من مفهوم وجود الإنسان وصولاً إلى تطوره وليس فقط العوالم البعيدة عنا.

تتناول القصة سلسلة من اللقاءات بين البشر وأجسام غامضة سوداء يبدو أنها أسهمت في تطورنا. يتم إرسال رحلة استكشافية إلى كوكب المشتري، تحمل رائدين جسدهما كل من الممثلين كير دوليا وغاري لوكوود، لتتبع إشارة منبعثة من إحدى هذه الكتل الغامضة. وتخضع سفينة الفضاء "ديسكفري 1" للسيطرة الكاملة من كمبيوتر يحمل اسم "HAL 9000". وغالباً ما يتبع عنوان الفيلم بتوصيف "الملحمي" بسبب الموضوع الذي يطرحه وزمنه البالغ ساعتين و19 دقيقة.

2- "سولاريس" 1972: Solaris  

يعد هذا الفيلم السوفياتي للمخرج أدريه تاركوفسكي واحداً من أكثر الإنجازات تفرداً في السينما العالمية، بسبب مسعاه الجاهد لفهم الهوية واكتشاف الذات. يروي العمل المستند إلى رواية بالعنوان نفسه لـستانيسواف ليم قصة عالم نفسي (الممثل دوناتاس بانيونيس) يذهب إلى الفضاء لمعرفة ما حدث لطاقم سفينة فضائية يبدو أنها جنحت عن مهمتها الأصلية المتمثلة في الدوران حول كوكب متخيل يحمل اسم سولاريس لدراسته.

ما يميز هذا الفيلم هو محاولته إضفاء بعد عاطفي جديد على أفلام الخيال العلمي التي كان معظمها يركز على الاختراع التكنولوجي. وفاز العمل الذي تشارك في بطولته ناتاليا بوندارتشوك بجائزة لجنة التحكيم الخاصة لمهرجان "كان" وترشح لجائزة "السعفة الذهبية" في دورة عام 1972.

3- "جاذبية" Gravity

هذه ثاني مغامرة فضائية للنجم جورج كلوني بعد فيلم "سولاريس" 2002، وقبل "سماء منتصف الليل" (The Midnight Sky) عام 2021. تشاركه ساندرا بولوك بطولة هذا العمل الذي أخرجه ألفونسو كوارون عام 2013. وتدور أحداثه في الفضاء الخارجي، حيث تقوم الطبيبة راين ستون (بولوك) بأول رحلة فضائية لها مع رائد الفضاء المخضرم مات كاوسكي (كلوني)، لكن الرحلة لا تسير كما كان مخططاً لها، فتجد الطبيبة نفسها في مواجهة خطر الموت بمفردها بعيداً من الأرض، وتبدأ مخاوفها القديمة وماضيها بملاحقتها على بعد آلاف الأميال.

حصل الفيلم على إعجاب النقاد والمشاهدين، بسبب التصوير والمؤثرات البصرية المميزة للغاية، وترشح لـ10 جوائز أوسكار فاز منها بسبع هي: أفضل إخراج، وموسيقى تصويرية، وتصوير، ومؤثرات بصرية، ومونتاج صوتي، ومونتاج بصري، ومزج صوتي.

4- "المريخي" The Martian

فرضية هذا الفيلم مرعبة: ماذا لو وصل الإنسان إلى الفضاء وترك وحيداً؟ كيف يمكنه التصرف للحفاظ على حياته ضمن ظروف غير مناسبة لبقاء البشر؟

 

وضع الفيلم الذي أخرجه ريدلي سكوت عام 2015 الممثل مات ديمن في هذا الاختبار العصيب، حيث تجبر عاصفة فضائية عنيفة مجموعة من علماء وكالة "ناسا" الذين كانوا في رحلة استكشافية إلى المريخ، على ترك أحد أعضاء الفريق وهو مارك (مات ديمن) وحيداً على كوكب يخلو من أية مظاهر للحياة. وبفضل ذكائه وخبرته وإصراره، يظل مارك حياً لأكثر من عام معتمداً على أساليب علمية مجربة.

حقق الفيلم الذي شاركت في بطولته جيسيكا تشاستين أرباحاً هائلة في شباك التذاكر وحصل على جائزتي "غولدن غلوب" ذهبت إحداهما لأداء ديمن. كما تلقى سبعة ترشيحات لجوائز "أوسكار" بما فيها عن فئات أفضل فيلم وتمثيل ونص أصلي.

5- "سولاريس" 2002

لم يطرأ هنا تعديل على قصة الفيلم السوفياتي الأصلية، لكن التطوير كان في آليات التصوير، والميزانية الضخمة البالغة 47 مليون دولار، والمؤثرات البصرية وتقنيات الصور المنشأة حاسوبياً، والتي أسهمت في إعطاء العمل لمسة أكثر واقعية وإقناعاً من العمل الذي أنتج قبل أربعين عاماً.

الفيلم من إخراج ستيفن سودربرغ وبطولة جورج كلوني وناتاشا ماكليهون. والعنصر الدرامي في العمل واضح جداً ويضفي عليه غموضاً يجعله أكثر تأثيراً في المشاهد.

حصل العمل على تقييمات متخبطة ولم يحقق المردود الذي كان متوقعاً عند إصداره، لكنه مع الوقت حصل على احترام كبير من جمهور ونقاد سينما الخيال العلمي.

6- "أبولو 13" 1995: Apollo 13

من بين الأعمال السينمائية الفضائية القليلة الناجحة المبنية على قصة حقيقة تتناول رحلة سفينة الفضاء سيئة الحظ "أبولو 13" التي انطلقت عام 1970 للدوران حول القمر. وبسبب تحقيق أميركا هدفها بالفعل بالهبوط على سطح القمر قبل عام، هناك اهتمام بسيط بهذه الرحلة الاعتيادية المتعثرة. أخذ المخرج رون هاورد على عاتقه مهمة تعريف العالم بأكمله بهذه القصة وحولها عام 1995 إلى مادة سينمائية هي من بين الأكثر إثارة وتوتراً.

أحداث الفيلم شبيهة بالقصة الحقيقية لكن الأمور تجري بشكل سيء واحتمال عودة رواده سالمين إلى الأرض، ومن بينهم الممثلان توم هانكس وكيفين بيكن، ضئيلة جداً. يحظى الفيلم بتقدير جماهيري ونقدي كبير وترشح لـ"أوسكار" أفضل فيلم.

7- "ما بين النجمي" Interstellar

قد يكون العنصر الذي يجمع كثيرون على وجوده في أفلام المخرج كرستوفر نولان هو الإبهار والتفوق التكنولوجي المذهل، لكن اللقطات الرائعة التي نراها على الشاشة ليست أفضل ما في هذا العمل المنتج عام 2014، فهو يحفز تفكير المشاهد ويثير مشاعره بسبب تناوله مواضيع مثل الثقوب السوداء ونظرية النسبية والبعد الخامس ومفهوم الفراغ والزمن المنسوجة بإحكام ضمن قصة إنسانية لأب يحاول العودة إلى الأرض للقاء بابنته ويواجه في طريقه عقبات يبدو التغلب عليها مستحيلاً.

 

تجري أحداث الفيلم عام 2067، حيث يجد البطل كوبر، وهو طيار سابق في ناسا (الممثل ماثيو ماكونهي)، نفسه مجبراً على العمل كمزارع بعد تعرض الكوكب لمجاعة عالمية نتيجة عبث وكالة الفضاء الأميركية. يتم إقناع كوبر بإرساله في مهمة هدفها المزعوم هو دراسة الجاذبية الأرضية بينما تسعى في واقع الأمر للعثور على كواكب صالحة للعيش ريثما يتم العمل على تطوير نوع من البشر قادر على الهرب من الأرض والعيش في عوالم أخرى، يودع الرجل ابنته الحائرة شديدة الاضطراب ميرفي (الممثلة جيسيكا تشاستين) وينطلق في مهمته العسيرة.

حقق العمل نجاحاً جماهيرياً وإيرادات كبيرة في شباك التذاكر سنة إنتاجه، كما نال إعجاب النقاد بسبب حبكته المركبة والمعقدة والمتغيرة. وترشح لسبع جوائز "أوسكار" في الدورة 87 لسباق أكاديمية فنون وعلوم السينما وظفر بجائزة أفضل مؤثرات بصرية.

8- "الرجال الحقيقيون" The Right Stuff

هذا العمل مثال واضح على التباين الكبير بين آراء الجماهير والنقاد. على الرغم من ترشحه لثماني جوائز "أوسكار" في دورة عام 1984 وفوزه بأربع منها (عن فئات أفضل مونتاج، وصوت، وموسيقى تصويرية، ومؤثرات صوتية) يعتبر فاشلاً من الناحية التجارية، إذ لم يحقق سوى 21.1 مليون دولار مقابل ميزانية قدرها 27 مليوناً.

ربما يكون أبرز عامل لم يشجع الجماهير على مشاهدة هذا العمل من إخراج فيليب كوفمان هو طوله، إذ لم يكن الجميع مستعدين لقضاء ثلاث ساعات و12 دقيقة خارج الكوكب.

يستند العمل إلى قصة بالعنوان نفسه للكاتب توم وولف وهو من بطولة تشارلز فرانك وسكوت غلين، وتدور أحداثه عام 1947، حيث يقوم حقل موروك للطيران العسكري في كاليفورنيا باختبار طائرات عالية السرعة، لكن الطيارين يموتون نتيجة لذلك. وبعدها يطلب طيار يدعى سليك غولدن مبلغ 150 ألف دولار (ما يزيد على مليوني دولار في الوقت الحالي) مقابل محاولته الطيران بسرعة تكسر حاجز الصوت. فيحصل بطل الحرب الكابتن تشاك ييغر على الفرصة بالتحليق بطائرة "إكس -1"، ويصبح أول شخص يتمكن من ذلك.

بعد عشر سنوات، يطلق الاتحاد السوفياتي القمر الاصطناعي "سبوتنيك 1"، ما يثير قلق الولايات المتحدة الأميركية التي تلجأ إلى طياريها الشجعان المخضرمين لتجهيز فريق يمثلها في سباق الفضاء مع الروس.

9- "وول إي" Wall E

فيلم الرسوم المتحركة الوحيد الموجود في هذه القائمة، على الرغم من تناول هذا الموضوع في كثير من الأفلام بأسلوب الكرتون مثل "الكوكب 51" (Planet 51)، و"أبولو 10" (Apolo 10)، و"الهروب من كوكب الأرض" (Escape Planet Earth).

يعتبر من أنجح إنتاجات استوديوهات "بيكسار" التي استعانت بالمخرج أندرو ستانتون لإنجازه عام 2008، حيث تولى مهمة الإخراج وأسهم في كتابة النص مع جيم ريدن. وتدور أحداث الفيلم في المستقبل البعيد ويتناول قصة الروبوت "وول إي" المصمم لتنظيف الأرض المهجورة والمغطاة بالنفايات في ذلك الوقت.

 

يغرم "وول إي" بروبوت/ة اسمها "إيف" فيتبعها إلى الفضاء الخارجي في مغامرة تغير مصير جنسه والجنس البشري. وتكمن روعة الفيلم في قدرته على جعل المشاهد يتعاطف مع أجهزة لا يفترض أساساً أنها تمتلك المشاعر، ويقدر ما تظهره من حرية الإرادة والأحاسيس التي تتطور على طول الفيلم.

يتميز العمل بقلة الحوار والشخصيات الصامتة التي تكتفي بلغة الجسد والأصوات الآلية البسيطة للتواصل في ما بينها ومع المتفرج.

حقق الفيلم أرباحاً بلغت 23.2 مليون دولار في يوم عرضه الأول، و63.1 مليون دولار خلال أسبوعه الأول في 3992 صالة سينما. وكان رأي النخب النقدية بالعمل مماثلاً، حيث حاز على جائزة "غولدن غلوب" لأفضل فيلم رسوم متحركة طويل و"أوسكار" أفضل فيلم رسوم متحركة طويل من بين خمس ترشيحات أخرى.

10- "الرجل الأول" First Man

السبب الأول لنجاح الفيلم هو أهمية الشخصية التي يتناولها. يقدم هذا العمل من إخراج ديميان شازيل وبطولة ريان غوسلينغ وكلير فوي قصة رائد الفضاء نيل أرمسترونغ أول إنسان وضع قدمه على سطح القمر.

العمل المنتج عام 2019، أي بعد نصف قرن من وصول بني البشر إلى القمر، لا يركز فقط على استعراض التفاصيل التقنية لهذه الرحلة، بل يهتم بالجوانب الشخصية الحقيقية لـنيل، التي لا يعرفها كثيرون عن هذا الرجل الذي كان يعاني الوحدة على الرغم من أنه محاط بأفراد أسرته كما عانى صدمة فعلية بعد فقدان ابنته الوحيدة بسبب ورم في الدماغ وهي في الثانية من عمرها.

التركيز على الشخصية من جوانبها الإنسانية وليس إنجازها المهني فحسب، كان من عوامل نجاح الفيلم الذي نال إعجاب النقاد، حيث ترشح لأربع جوائز "أوسكار" ظفر منها بأفضل مؤثرات بصرية.

يعتبر الخيال العلمي من أوسع أنواع الإنتاج الإبداعي في الأدب والدراما التلفزيونية والسينما، وعلى الرغم من إنتاج ما يزيد على 100 فيلم حتى الآن عن الفضاء سيبقى هذا المجال يتمتع بمكانة بارزة في صناعة تحاكي فينا عنصري الإثارة والفضول، وهل هناك مكان للبحث عن الإثارة أفضل من الفضاء المظلم والشاسع والمجهول؟

المزيد من سينما