في حين تواصل الحكومة المصرية، تحركاتها لاحتواء موجة التضخم التي تشهدها البلاد منذ بداية العام الحالي، كشفت بيانات رسمية حديثة، أن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية سجل أعلى مستوياته في نحو أربعة أعوام. كما سجل معدل التضـخم السنوي لإجمالي الجمهورية مستوى 15.3 في المئة، مقارنة بنحو 8 في المئة للشهر نفسه من العام السابق.
ووفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، فقد ارتفع التضخم لأسعار المستهلكين إلى 15 في المئة خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، مقابل نحو 14.6 في المئة خلال أغسطس (آب). وهذا أعلى معدل للتضخم السنوي لأسعار المستهلكين في مدن مصر منذ نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2018 عندما سجل التضخم مستوى 15.7 في المئة. وبلغ الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين لإجمالي الجمهورية مستوى 133.8 نقطة خلال سبتمبر 2022، مسجلاً بذلك ارتفاعاً قدره 1.6 في المئة عن أغسطس 2022.
وأرجع جهاز الإحصاء هذه الزيادة إلى ارتفاع أسعار مجموعة اللحوم والدواجن بنسبة 1.8 في المئة، وارتفاع مجموعة الألبان والجبن والبيض بنسبة 4.4 في المئة، إضافة إلى ارتفاع مجموعة الخضروات بنسبة 6.2 في المئة، ومجموعة الدخان بنسبة 3.5 في المئة، ومجموعة السلع والخدمات المستخدمة في صيانة المنزل بنسبة 3.7 في المئة.
كما صعدت أسعار مجموعة المنتجات والأجهزة والمعدات الطبية بنسبة 1.3 في المئة. وارتفعت مجموعة خدمات المستشفيات بنسبة 4.5 في المئة. وزادت أسعار مجموعة الوجبات الجاهزة بنسبة 4.5 في المئة. كما ارتفعت أسعار مجموعة العناية الشخصية بنسبة 3.4 في المئة. لكن في المقابل، انخفضت أسعار مجموعة الرحلات السياحية المنظمة بنسبة 12.8 في المئة.
لماذا يواصل التضخم ارتفاعه؟
وعلى رغم مواصلة معدل التضخم في الارتفاع، لكن لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي، قررت خلال اجتماعها الأخير في 22 سبتمبر الماضي، الإبقاء على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند مستوى 11.25 في المئة، و 12.25 في المئة، و 11.75 في المئة على الترتيب، كما تم الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند مستوى 11.75 في المئة.
وكشفت بنوك استثمار، أنه على رغم حقيقة أن معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية سجل 15.3 في المئة خلال أغسطس الماضي، وسجلت المواد الغذائية والمشروبات تضخماً سنوياً بنسبة 24.3 في المئة، إلا أنه على أساس شهري، ارتفع معدل التضخم لإجمالي الجمهورية بنسبة 0.5 في المئة خلال أغسطس 2022 مقارنة بشهر يوليو (تموز) 2022 بينما سجلت مواد الأغذية والمشروبات تضخماً صفرياً في أغسطس 2022 مقارنة بيوليو 2022.
ويرجع الارتفاع في معدلات التضخم إلى 3 عوامل، أبرزها ارتفاع الأسعار العالمية للسلع الغذائية، وبخاصة تلك التي تستوردها مصر مثل القمح وزيوت الطعام، وارتفاع الأسعار العالمية للمواد الخام وبخاصة الطاقة، وزيادة المعروض النقدي أو السيولة النقدية، والعاملان الأول والثاني خارجان عن نطاق السياسة النقدية للبنك المركزي، حيث يعود العاملان إلى أسباب عالمية أثرت في العالم ككل مثل اضطراب سلاسل التوريد، والمخاطر الجيوسياسية المرتقبة مثل الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وتغير المناخ، وانخفاض نمو الإنتاجية، والتغيرات الديمغرافية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فيما تتبني الإدارة الجديدة للبنك المركزي المصري سياسة نقدية تتماشى مع الاتجاهات الجديدة في الاقتصاد العالمي، وتهدف إلى جذب العملات الأجنبية من مجموعة واسعة من المصادر، وتحفيز مناخ الاستثمار في مصر، إضافة إلى أن هناك توافقاً على نطاق واسع بين المسؤولين الماليين والنقديين في البلاد، وهي الالتزام بسعر صرف مرن حر.
وكشفت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري، محدودية التأثير في محفظة الأوراق المالية، حيث لا يزال المستثمر الأجنبي متحفظاً في ما يتعلق بدخول الأسواق الناشئة بوجه عام، ويستحوذ سعر الصرف في مصر على الجزء الأعظم من القرار الاستثماري، فهو لا ينتظر تحريكاً للفائدة بقدر ما ينتظر وضوحاً في ما يخص سعر الصرف، بالتالي رفع سعر الفائدة لن يجذب المستثمرين الأجانب لشراء الجنيه المصري ولن يدعم الاحتياطي النقدي؛ لأن عائد السندات الدولارية مختلفة الآجال حالياً عند 15 في المئة، وهو ما سيمثل حائلاً أمام الاستثمار في سندات الخزينة بالجنيه المصري بعائد يقترب من 12 في المئة.
ضغوط صعبة مع ارتفاع الأسعار
وكان البنك المركزي المصري، قد أعلن في أول أغسطس الماضي، أن معدل التضخم السنوي للرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين سجل 16.7 في المئة خلال أغسطس 2022، مقابل 15.6 في المئة في يوليو 2022. وأوضح، أن معدل الضخم شهرياً بلغ 0.6 في المئة بنهاية أغسطس 2022 مقابل معدل سالب بلغ 0.3 في المئة في ذات الشهر من العام السابق، ومعدل شهري بلغ 1.5 في المئة في يوليو 2022.
فيما سجل الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين للخضر، الذي أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، معدلاً شهرياً بلغ 0.9 في المئة خلال أغسطس 2022 مقابل معدل بلغ 0.1 في المئة في ذات الشهر من العام السابق، ومعدل شهري بلغ 1.3 في المئة في يوليو 2022. بالتالي سجل المعدل السنوي للتضخم العام مستوى 14.6 في المئة خلال أغسطس 2022، مقابل 13.6 في المئة خلال يوليو 2022.
كانت إدارة البحوث بشركة "أتش سي للأوراق المالية والاستثمار"، قد توقعت في مذكرة بحثية حديثة، أن يرفع البنك المركزي المصري سعر الفائدة 100 نقطة أساس في اجتماع لجنة السياسة النقدية الأخير، و100 نقطة أساس أخرى في الاجتماع التالي له في 3 نوفمبر المقبل.
ووفق البيانات المتاحة، فقد رفع البنك المركزي المصري، أسعار الفائدة هذا العام بنسبة 3 في المئة، منها 1 في المئة خلال اجتماع طارئ للجنة في 21 مارس (آذار) الماضي، و2 في المئة خلال اجتماع 19 مايو (أيار) الماضي. وكشفت "أتش سي"، أن نسبة التضخم السنوي في أغسطس تعد الأعلى منذ مايو 2019، متأثرة بتسعير السلع الأساسية المستوردة عند سعر صرف أعلى، بالإضافة إلى اختناقات العرض الأمر الذي أسهم في ارتفاع التضخم، والذي يعد أعلى من مستهدف التضخم لدى البنك المركزي المعلن مسبقاً عند 7 في المئة (+/ - 2 في المئة للربع الرابع من عام 2022).