في محاولة لإنهاء الأزمة السياسية في فلسطين وانتهاء العزلة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، رأت جميع الفصائل بما فيها حركتا "حماس" و"فتح" أن تشكيل حكومة انتقالية جديدة يكون لها نفوذ حقيقي وسيطرة فعلية على جميع المؤسسات الرسمية في غزة كما باقي المناطق، يعد أفضل حل لتحقيق المصالحة الوطنية.
وقدمت الحركتان رؤيتهما الخاصة لإنهاء الانقسام السياسي في اللقاءات التي تجري حالياً بالجزائر، وكانت فكرة تشكيل حكومة جديدة إحدى النقاط التي اشتركت فيها ملفات الفصيلين في ورقتهما لتحقيق المصالحة الفلسطينية، وهي الفكرة نفسها التي وردت أيضاً في جميع المبادرات الأخرى التي قدمتها باقي الفصائل الفلسطينية.
أول اتفاق من نوعه
وعلى رغم أن هذه المرة الأولى التي تتفق فيها جميع الفصائل وعلى رأسها حركتي "فتح" و"حماس" في مبادرات إنهاء الانقسام الفلسطيني على نقطة تشكيل حكومة جديدة، فإن هذه النقطة لا تزال محل اختلاف حول مدى اعتراف الحكومة بقرارات "الرباعية" والشرعية الدولية.
بالنسبة إلى "حماس" يقول المتحدث باسمها حازم قاسم إن رؤية حركته لإنجاز مصالحة حقيقية تستند إلى البدء بتشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على بناء نظام سياسي فلسطيني حقيقي، وكذلك يقول المتحدث باسم حركة "فتح" منذر الحايك إنهم يعملون على خطة واضحة تبدأ بتشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على توحيد مؤسسات السلطة وفق برنامج سياسي فلسطيني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويوضح متحدث "حماس" أن لدى حركته إرادة حقيقية لإنجاز وحدة وطنية حقيقية وبناء نظام سياسي جديد في حكومة وفاق وطني، ولتنفيذ ذلك جرى التخلي عن الجهاز التنفيذي (السلطة والحكومة)، لأن إنهاء الانقسام يعزز الموقف الفلسطيني دولياً ويقوي موقف السلطة إن أرادت أن تذهب في صراع حقيقي مع إسرائيل سواء سياسي أو دبلوماسي أو حتى إعلامي.
ويشير قاسم إلى أن "حماس" ستعمل "بشكل جاد هذه المرة للوصول إلى مقاربات على المستوى السياسي، ونعتقد أننا قادرون على ذلك وفعلنا هذه الأمر سابقاً في أكثر من محطة، واستطعنا أن نوقع اتفاقات لها إطارها السياسي، وحتى اتفاقات عدة متعلقة بتفاصيل إدارية، ونستطيع أن نصل إلى مثل هذا الأمر مرة جديدة".
أما متحدث "فتح" منذر الحايك فيشير إلى أن "الحكومة الجديدة تهدف للخروج إلى العالم بشكل موحد لتقول إن الفلسطينيين بات لديهم قيادة وجغرافية موحدة ولهم حق لإقامة دولة"، لافتاً إلى أن على "حماس" التقاط ذلك لئلا تكون عقبة أمام المشروع الوطني.
وبحسب الحايك فإن الخطوة الأولى تبدأ عند "حماس" كونها هي التي تسيطر على غزة ومؤسسات السلطة وبيدها زمام الأمور، لذلك عليهم التعاطي مع حكومة وحدة وطنية تخرج الجميع من حقبة الانقسام وتحل ملفات القطاع ومشكلاته.
ويضيف، "علينا أن نتحمل جميعاً المسؤولية، لا حماس ولا فتح تستطيعان ذلك كل على حدة، لنتحمل جميعاً المسؤولية حتى نخرج الشعب من هذه الأزمة".
ضغوط دولية وترحيب فلسطيني
وجاء التوافق على تشكيل حكومة جديدة بين جميع الفصائل بعد ضغوط دولية وعربية كبيرة تمارس على أكبر حزبين من شأنهما الخروج من المأزق السياسي الحالي، وتضغط الأمم المتحدة وأميركا ومصر والجزائر ودول أخرى على المكونات الفلسطينية لإنهاء الانقسام وتمهيد الطريق للحوار مع إسرائيل.
وبعد توافق "حماس" و"فتح" على ضرورة تشكيل حكومة جديدة، قال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إنه اتخذ قراراً مركزياً بالتجاوب مع الجهود العربية لإنجاح المصالحة المستندة إلى القرارات الصادرة عن "الرباعية" والشرعية الدولية والإقرار بأن "منظمة التحرير" هي الممثل الشرعي والوحيد.
بدورها استعدت الحكومة الفلسطينية الحالية التي يترأسها محمد أشتية لتقديم جميع التنازلات التي من شأنها توحيد غزة والضفة الغربية.
وقال رئيس الوزراء إنهم جاهزون لأية خطوة تدعم جهود المصالحة وإنهاء الانقسام، كما أبدت الأمم المتحدة دعمها لجميع مساعي المصالحة الفلسطينية المبنية على أسس ديمقراطية وفق برنامج "منظمة التحرير" وقرارات الشرعية الدولية.
مصر تتابع التنفيذ
والحقيقة أن فكرة تشكيل حكومة جديدة ليست بالأمر الطارئ، إذ سبق أن جرى تشكيل حكومة وحدة وطنية عام 2017، لكن لم يكتب لها النجاح على رغم أنها عملت في غزة وتسلمت كثيراً من المهمات المناطة بها في حينه، لكنها فشلت لأسباب سياسية.
كما أن مطلب تشكيل حكومة وحدة وطنية يعد مقترحاً جرى تكراره العام الماضي ثلاث مرات، إذ عرض رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على حركة "حماس" بعد تأجيل الانتخابات في مايو (أيار) 2021 تشكيل حكومة وحدة وطنية بدل عملية الاقتراع.
أما المرة الثانية فجاءت أثناء الحوار الموسع للفصائل في يونيو (حزيران) 2021 في القاهرة، أما الثالثة فعندما طلب نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الفلسطينية - الإسرائيلية هادي عمرو من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 العمل على تشكيل حكومة تكنوقراط تشارك فيها "حماس" لدفع المسار السياسي.
وبخصوص هذه المرة فإن من غير الواضح كيف يمكن تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة، لكن المعلومات الواردة تشير إلى أن مصر ستتولى الإشراف على تنفيذ هذا الملف حال اتفقت حركتا "فتح" و"حماس" على ضرورة الذهاب إلى هذا الأمر.
ويشير إلى ذلك عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" صلاح البردويل الذي أكد أن "المصريين على علم بكل هذه الجهود، ويعملون مع الجهود العربية في لم الشمل الفلسطيني".