يتجدد النقاش في المغرب حول إلغاء عقوبة الإعدام في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) من كل سنة، بين من يرى ضرورة الإبقاء على هذه العقوبة الزجرية في جرائم خطيرة تمس حياة الإنسان، وبين من يرى وجوب إلغائها كونها عقوبة قاتلة و"لا إنسانية".
الجديد هذه السنة في خضم هذا النقاش هو إطلاق المجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة رسمية)، مبادرة تحت شعار "ترقب للموت وأمل في الحياة"، لنشر شهادات عدد من المحكومين بعقوبة الإعدام.
وتروم هذه الشهادات، وفق المجلس، لـ"إطلاع الرأي العام على أوضاع هذه الفئة وملامسة بعض القضايا والإشكالات التي تطرحها العقوبة القاتلة من الناحية الحقوقية والإنسانية، عبر إعطاء الكلمة للذين يترقبون الموت على أمل أن يتم الحفاظ على حياتهم".
مؤيدو الإعدام
هذا النقاش يقسم المغاربة إلى فصيلين رئيسين، الأول يؤيد سن هذه العقوبة لردع مجرمين آخرين، وأيضاً لكونها الحكم الذي يتلاءم مع طبيعة بعض الجرائم البشعة مثل القتل العمد والتمثيل بالجثث أو اغتصاب الأطفال وغيرها من الجرائم "الثقيلة".
أما الفصيل الثاني فيرفض سن عقوبة الإعدام ويطالب بإلغائها بشكل كامل، لأنها "عقوبة لا تفيد المجتمع المغربي في شيء، كما أنها لا إنسانية" وفق هيئات ومؤسسات حقوقية عدة.
وينص القانون الجنائي المغربي على النطق بعقوبة الإعدام رمياً بالرصاص في حالات الجرائم الخطيرة، ومن بينها القتل، والقتل بعد التعذيب، والسطو المسلح، والإحراق المفضي إلى الوفاة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتجلب جرائم بشعة عدة في المجتمع المغربي تأييد حقوقيين ونشطاء لحكم الإعدام ضد الجناة من قبيل ما حصل للطفل عدنان الذي اغتصبه مجرم وقتله ودفنه في حديقة قرب منزل والديه، فنطقت المحكمة بالإعدام في حقه.
وأثار ذلك الحكم حينها تأييد عدد من الوجوه الحقوقية من قبيل رئيس "منتدى الطفولة" عبدالعالي الرامي الذي اعتبره حكماً منصفاً لروح وعائلة الطفل عدنان، وعقوبة مناسبة ضد من ارتكب جريمة متكاملة الأركان، وأيضاً رئيس "المنتدى المغربي لحقوق الإنسان" حسن جيدى الذي شدد على ضرورة تطبيق الإعدام.
ونفذ حكم الإعدام في المغرب 54 مرة في الفترة الزمنية بين عامي 1961 و1993، وفي 1993 كان آخر تنفيذ لحكم الإعدام رمياً بالرصاص ضد مسؤول أمني كبير كان يدعى إبان حياته "الحاج ثابت" بتهم أخلاقية عدة، وبعدها قضت محاكم مغربية بهذه العقوبة لكنها لم تنفذ.
ووفق آخر الأرقام الرسمية التي كشف عنها أخيراً رئيس النيابة العامة مولاي الحسن الداكي، فإن عدد المحكومين بالإعدام تقلص من 197 شخصاً عام 1993 إلى 79 في ديسمبر (كانون الأول) 2021 .
المطالبون بإلغاء العقوبة
يستند المطالبون بالإلغاء الكامل لعقوبة الإعدام إلى منطوق المادة 20 من الدستور المغربي لعام 2011 التي ورد فيها أن "الحق في الحياة أسمى حقوق الإنسان"، كما يرون أن أي خطأ في النطق بهذه العقوبة من طرف القاضي غير قابل للإصلاح أو الاستدراك.
وتترافع هيئات ومؤسسات حقوقية مغربية، من قبيل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والائتلاف المغربي ضد عقوبة الإعدام، والمرصد المغربي للسجون، وشبكات البرلمانيين والمحامين والصحافيين والأساتذة ضد عقوبة الإعدام، من أجل إلغاء هذه العقوبة ودعوة الحكومة إلى التصويت لفائدة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعي إلى إيقاف تطبيقها.
في هذا الصدد ترى رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان أمينة بوعياش أن "إلغاء عقوبة الإعدام قضية ذات حمولة رمزية كبيرة، إذ تحتل حيزاً واسع النطاق في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان".
ووفق المجلس الحقوقي الحكومي فإن "من الإيجابي أن يعمل المغرب على الانخراط في خيار الإلغاء، بخاصة بعد اختياره الطوعي، منذ نحو 30 سنة، توقيف تنفيذ العقوبة".
حل وسط بديل
يعلق عبدالإله الخضري مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان، على هذا السجال بالقول في تصريحات لـ"اندبندنت عربية" إن "موضوع عقوبة الإعدام شائك ومعقد إلى أبعد الحدود".
واستطرد الخضري أنه "إذا كان من الطبيعي أن يكون لدى الحقوقيين إرهاص كبير بضرورة إلغاء العقوبة الأقصى في العالم تماشياً مع المطالب الحقوقية العالمية، فإن المجتمع المغربي لا يزال منقسماً حول الإبقاء على أو إلغاء هذه العقوبة، نظراً إلى بشاعة بعض الجرائم المقترفة".
وزاد الحقوقي "إيماناً بكون الحق في الحياة من أقدس الحقوق وأولها، يتعين استحضار حق أولئك الذين أزهقت أرواحهم ظلماً على يد أولئك السفاحين المحكوم عليهم بالإعدام، ما يعني أننا أمام معضلة حقيقية بين موقفين متناقضين، إرادة مجتمعية جارفة ومطلب حقوقي عالمي".
ويقترح المركز المغربي لحقوق الإنسان اقتراحاً بديلاً "مقبولاً إلى حد ما"، وهو السجن المؤبد مع الأعمال الشاقة من دون الحق في العفو، وعدم الاحتفاظ بهم في سجون قريبة ومجهزة بظروف إيواء مريحة، مع التجريد من حق الزيارة".
واستطرد الخضري أن "الأمر يتعلق هنا بفئة تشكل خطراً على المجتمع بكل ما في الكلمة من معنى، ومثال ذلك ما حصل قبل أشهر عندما قتل مجرم بعد الحكم عليه بالإعدام شرطياً وحارس سجن، وكان حينها قيد الاعتقال".
شهادات محكومين
يتمثل جديد هذه السنة في شروع المجلس الوطني لحقوق الإنسان بنشر شهادات أشخاص محكومين بالإعدام بعنوان "ترقب للموت وأمل في الحياة".
واستعرض المجلس أول شهادة لسيدة استفادت أخيراً من العفو الملكي عن عقوبة الإعدام لتتحول إلى السجن المؤبد، إذ حكت من خلالها ظروف الحكم عليها بهذه العقوبة القاتلة.
ووفق شهادة السيدة (66 سنة)، متزوجة وأم لبنت، فإنه تم اعتقالها عام 2015 بتهمة القتل العمد والتمثيل بالجثة وارتكاب عمل من الأعمال الوحشية عليها.
وقالت السيدة في مقطع من شهادتها "ضربت الضحية (كانت على خلاف حاد معها) ضربة واحدة بعمود صلب على رأسها، فانهارت على إثرها وسقطت على الأرض جثة هامدة".
وتردف صاحبة الشهادة "لم يكن بوسعي التفكير إلا في إخفاء جثتها، فقد كنت فاقدة وعيي حينها بسبب هول الموقف، إذ قطعت جثتها بسكين كان في مطبخي ووضعتها في أكياس بلاستيكية وقمت برميها من أعلى قنطرتين مختلفتين".
مشاعر ذوي الضحايا
لكن الخضري يعود ليقول إن "مبادرة تقديم شهادات محكومين بالإعدام تبقى اجتهاداً من لدن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، قد تحظى بالإشادة من فئات مجتمعية معينة، وقد تكون محط انتقاد فئات أخرى".
وتساءل الناشط الحقوقي "ألا يحق لذوي الضحية الإدلاء بشهاداتهم ومواقفهم إزاء الجروح التي لم ولن تندمل بسبب ما فعله هذا المجرم المحكوم بالإعدام في حق قريبهم، وربما تسبب في تشريد أسرة وضياع مصير أشخاص؟".
وتابع "حتى لو كان القانون يعاقب على الجريمة بهدف التصدي لما يشكل خطراً على النظام العام، فإن وراء الجريمة أناساً لهم مشاعر وأحاسيس إزاء من فقدوهم"، مضيفاً أنه "في المغرب ما زلنا نسمع بجرائم تقشعر لها الأبدان ويشيب لها الولدان بالنظر إلى بشاعتها".
وخلص إلى أن "المجتمع المغربي في حاجة إلى حماية نفسه من فئة من المجرمين الذين لا يتورعون في سفك الدماء"، داعياً دعاة إلغاء عقوبة الإعدام إلى "طرح حل بديل يكون عادلاً بين طرفي الجريمة، وحامياً للمجتمع من تنامي جرائم القتل البشعة".