جدل محتدم بين "المجلس الانتقالي الجنوبي"، المطالِب بفصل جنوب اليمن عن شماله، والحكومة اليمنية، بُعيد إعلان الأخيرة عقد أعمال مجلس النواب في العاصمة المؤقتة للبلاد، عدن، وصل أخيرا إلى درجة التهديد باستخدام القوة، كما صرّح بذلك عدد من قادة "الانتقالي".
مخاوف تجدد الصراع
وبات الشارع اليمني يتساءل حول النتائج المترتبة والأحداث المنتظرة في حال أصرّ الطرفان على موقفهما، مع قلق واضح يبديه الشارع العدني من تكرار حدوث مواجهات مسلحة بين الطرفين، كالتي شهدتها المدينة في يناير (كانون الأول) 2018، وراح ضحيتها العشرات، قبل أن تتوقف بوساطة سعودية.
سيئون بدلاً عن العاصمة
وكان البرلمان اليمني قد عقد منتصف شهر أبريل (نيسان) الماضي في مدينة سيئون، عاصمة مديريات وادي حضرموت جنوب شرقي اليمن، بعد أن أصدر الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، قراراً قضى بدعوة مجلس النواب إلى عقد دورة استثنائية في محافظة حضرموت، بدلاً عن عدن تجنباً لمصير مواجهات مسلحة مع "الانتقالي"، ممثلاً بقوات الحزام الأمني والنخبة.
وبدأ مجلس النواب أعمال جلسته الافتتاحية، التي شهدت إجراءات أمنية مشددة، بانتخاب هيئة الرئاسة الجديدة بحضور هادي، وعدد من سفراء الدول الخليجية والعربية والأجنبية، وانتخب بالإجماع، سلطان البركاني رئيسا للمجلس، إضافة إلى ثلاثة نواب له، هم: محسن باصرة، ومحمد علي الشدادي، وعبد العزيز جباري، فيما لا يزال رئيس المجلس الموالي للحوثيين، يحيى الراعي، يعقد عدداً من الجلسات، للأعضاء الذين ما زالوا في العاصمة صنعاء، الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي منذ سبتمبر (أيلول) 2014.
ويعد مجلس النواب اليمني الأطول عمراً، حيث انتُخب أعضاؤه البالغ عددهم 301 في العام 2003، وباتفاق عرف باسم "اتفاق فبراير"، وتمددت فترة المجلس لمدة عامين، وبقيام ثورة الشباب اليمنية، لم تُجرَ الانتخابات، وبحسب المبادرة الخليجية نهاية العام 2011 تمددت لمدة عامين آخرين.
تصعيد "انتقالي"
وما أن حزمت الحكومة اليمنية حقائبها نحو "سيئون" لاستئناف عقد جلسات البرلمان، حتى شرع عدد من قادة الانتقالي ومناصريه، في كيل التهديدات للحكومة ولأعضاء البرلمان في حال عاود عقد جلساته مجدداً في عدن، إذ قال نائب رئيس المجلس الانتقالي، هاني بن بريك، في تغريدة له على تويتر إن "متظاهرين جنوبيين سلميين في سيئون سيخرجون في تظاهرة منددة بانعقاد مجلس النواب في الجنوب"، مضيفاً "أن أي اعتداء على المتظاهرين ستكون عواقبه وخيمة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع متوعداً "قوات المقاومة الجنوبية ستتوجه إلى سيئون بكل ثقلها من كل حدب وصوب في حال الاعتداء على المتظاهرين".
ويفرض "الانتقالي الجنوبي"، الذي يُنصِّب نفسه ممثلاً عن المواطنين في جنوب اليمن، سيطرته العسكرية على أغلب المناطق في مدينة عدن التي تتخذها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، عاصمة مؤقتة للبلاد، من خلال قوات "الحزام الأمني" و"النخبة الشبوانية والحضرمية"، التي أنشئت في العام 2016 بتمويل وإشراف إماراتي، وتضم في صفوفها تنويعاً من العسكريين اليمنيين ونشطاء الحراك الجنوبي وبعض المحسوبين على "التيار السلفي"، ولا يقرّ بسلطة حكومة الرئيس هادي، وتذهب قيادته إلى القول إن مساندتها لقوات التحالف بقيادة السعودية تندرج في إطار مساعيها لتحقيق "مشروع استعادة دولة الجنوب العربي"، على حدّ تعبيرها.
العودة لـ"أبو ظبي"
مراقبون يرون أن الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء معين عبد الملك إلى الامارات، منتصف الشهر الحالي، تركزت حول هذا الملف في محاولة للدفع من أجل السماح للحكومة بعقد البرلمان في مدينة عدن، إلا أن بوادر من هذا القبيل لم تظهر حتى الآن.
تحكم خارجي
يقول الباحث السياسي اليمني، ثابت الأحمدي، إن "انتقالي عدن لا يملك من أمره شيئاً، باعتباره كيانا وظيفيا يعمل خارج إطار الدولة والشرعية".
ويضيف لـ"اندبندنت عربية" إن "مسألة ردّة فعله على انعقاد المجلس، في حال تمت، مرتبطة بتوجيهات ضابط الإيقاع الخارجي، ففي حال وجّه بمنع ذلك فأرجح أن لدى الانتقالي ورقة المسلحين التي يستطيع التلويح بها لإحداث العنف، ولن تستطيع الشرعية مواجهته بكل تأكيد".
ويتابع "أما في حال حصلت تفاهمات بين الشرعية وضابط الإيقاع الخارجي، فليس ببعيد أن ينزل الانتقالي بجماهيره لتنظيف مخلفات الشوارع بعد مسؤولي الشرعية".
"المكلا" الأرجح
بدوره، أكد عضو مجلس النواب، عبد السلام الدهبلي، أن الأسابيع المقبلة ستشهد عودة عقد أعمال المجلس من الداخل اليمني.
وأوضح البرلماني اليمني عن حزب المؤتمر أن "من المرجح أن تعقد أعمال البرلمان في مدينة المكلا" (المركز الإداري لمحافظة حضرموت)، مضيفاً أن "الحكومة وأمانة المجلس يعدون العدّة لعودة البرلمان بشكل دائم من اليمن".
وعن المخاوف الأمنية، قال الدهبلي "لدينا تواصل بالتحالف العربي بهدف التنسيق والتشاور للترتيب اللازم الذي يكفل عودة أعمال البرلمان من الداخل اليمني بأسرع وقت ممكن".
رفض "مؤسسة الغزو"
من جانبه، قال عيدروس النقيب، عضو مجلس النواب الذي يشغل اليوم منصب رئيس الدائرة الخارجية لـ"المجلس الانتقالي"، إن "ما يعني المواطن الجنوبي هو أن هذا المجلس يعبّر في مجمله عن القوى السياسية التي شنت عدوان 1994 على الجنوب". (في إشارة إلى الحرب الأهلية بين قوات الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، والقوات الموالية لشريكه في إعادة توحيد اليمن، نائبه حينها، علي سالم البيض، عام 1994 وانتهت باجتياح قوات صالح للجنوب).
وعن ردة فعلهم في حال عقدت الحكومة جلسات البرلمان في عدن، قال "الانتقالي لا يرحب ولا يهدّد، إنما يقف موقف الشعب الجنوبي الرافض لعودة غزاة 94م من نافذة البرلمان، بعد أن دحرهم من أرضه من باب المقاومة والمواجهة المسلحة".