وسط توتر سياسي ملحوظ في ليبيا على خلفية الاتفاقية الموقعة قبل أيام بين حكومة الوحدة في طرابلس والحكومة التركية وتواتر أنباء عن نية بعض الأطراف في الجنوب وقف ضخ النفط من جديد، اعتراضاً على هذه الاتفاقية، فوجئ الليبيون بإعلان بعض النواب في البرلمان مناقشتهم مع مجلس الدولة العودة إلى الدستور الملكي مع انسداد مفاوضات الطرفين للاتفاق على قاعدة دستورية للانتخابات.
وتزامن هذا الاجتماع مع إعلان مفاجئ آخر عن مغادرة وفد مصري رفيع بقيادة رئيس المخابرات اللواء عباس كامل بنغازي بعد زيارة اتسمت بالسرية في كل تفاصيلها، وربطتها مصادر كثيرة بالاتفاقية الموقعة بين طرابلس وأنقرة، التي رفضت الاعتراف بها القاهرة وبنغازي.
اجتماع لافت
وعقد عدد من أعضاء مجلسي النواب والدولة اجتماعاً غير رسمي في مدينة البيضاء، شرق بنغازي، قالت مصادر برلمانية متطابقة، إنه ناقش عدة ملفات أبرزها العودة إلى الدستور الليبي القديم، الذي كان معتمداً في زمن المملكة بداية من عام 1951.
وبرزت قضية العودة إلى الدستور الملكي على الساحة السياسية منذ أن تقدم 30 نائباً، الشهر الماضي، بطلب إلى رئاسة المجلس لعرض دستور عام 1951 غير المعدل على النواب للتداول بخصوص العودة إلى النظام الاتحادي.
وبحسب نص الطلب الموقع من قبل 30 نائباً عن إقليم برقة، طالب الأعضاء "بتعديل دستور 1951 غير المعدل، مع ضرورة تداول الأمر داخل جلسة خاصة ومنقولة على الهواء مباشرة للنظر في العودة إلى النظام الاتحادي وفقاً للأقاليم التاريخية الثلاثة".
لقاء تمهيدي
وكشف عضو مجلس النواب بدر النحيب عن طبيعة الاجتماع بين أعضاء من مجلسي الدولة والنواب عن برقة، الذي انعقد في مدينة البيضاء قائلاً إنه "لقاء تمهيدي ستتبعه عدة اجتماعات أخرى، تطرق إلى عدة نقاط على رأسها المطالبة بالعودة إلى دستور ليبيا سنة 1951 وتقاسم المناصب السيادية وعودة المهجرين وملف المصالحة".
وقالت عضو مجلس النواب عائشة الطبلقي "ناقش ممثلو برقة في مجلسي النواب والدولة في مدينة البيضاء تأسيس مجلس تشريعي من المجلسين على مستوى إقليم برقة". وأضافت أن "الاجتماع حضره 40 عضواً من مجلس النواب والدولة عن برقة، ناقشوا فيه أهمية توحيد الرؤية بشأن موضوع النظام الاتحادي والأساس الدستوري لدستور سنة 1951".
وأشارت إلى أن "الأعضاء ناقشوا كذلك مشروع المصالحة الوطنية، وأكدوا ضرورة إنجازه قبل أي مسار آخر، وضرورة توحيد المؤسسات التنفيذية على مستوى الدولة، واتفقوا على عمل جدول أعمال لجلسات مقبلة أخرى، لمناقشة أهم القضايا وعلى رأسها المناصب السيادية والمصالحة الوطنية ومشروع توزيع الثروة على الأقاليم وموضوع المقاعد الانتخابية".
بينما كشف عضو مجلس النواب عبدالمنعم العرفي أن "وفد مجلس الدولة شارك في اجتماع البيضاء برئاسة النائب الثاني عمر أبوشاح، وأن الاجتماع هو الأول من نوعه الذي يجري بين المجلسين داخل المنطقة الشرقية".
وأشار إلى أن "الاجتماع بحث دعوة النواب عن برقة للعودة إلى دستور 1951 غير المعدل". وأضاف العرفي "الطرفان سيبحثان ملف المصالحة الوطنية في عموم البلاد وعودة النازحين إلى مدنهم، في الجلسات المقبلة".
نفي مجلس الدولة
في المقابل، نفى المكتب الإعلامي لمجلس الدولة مطالبة وفد المجلس الذي يضم أعضاء المنطقة الشرقية بتفعيل الدستور الملكي، خلال لقائهم في مدينة البيضاء بأعضاء من مجلس النواب. وأكد المكتب في بيان له أن "المجلس لا يزال على موقفه الثابت في شأن إنهاء المراحل الانتقالية عبر قاعدة دستورية توافقية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بينما أكد رئيس اللجنة السياسية بمجلس الدولة موسى فرج أن "مجلس الدولة لم يناقش أي مبادرة جديدة لتقديمها للمبعوث الأممي الجديد لحل الأزمة السياسية في ليبيا". وقال "نحن مع قاعدة دستورية تراعي المعايير الدولية في الانتخابات، ولا تفصل على مقاس شخص أو لإرضاء جهة معينة".
وعبر فرج عن رأيه في الحراك الداعي لتفعيل دستور المملكة القديم، بقوله "دستور 1951 تجاوزته الأحداث ولا يمكن فرضه على الليبيين اليوم، وسأنتظر نتائج لقاء أعضاء من النواب والدولة بخصوصه ولكن كان من الأجدر أن يشارك الجميع في هذا الملف".
وأضاف "هذا الدستور لا يمكن تعديله لأن الأمر يتعلق بنظام الحكم وصلاحيات الملك والأنظمة السياسية والإدارية"، وطالب بـ"إشراك جميع المكونات في أي مسار يتعلق بالدستور وعدم الاستفراد بالأمر من أشخاص أو مؤسسات معينة، فلا أحد يمكنه مصادرة حق الليبيين في اختيار دستور يمثلهم ويجمعهم".
تصعيد تركي - أوروبي
في سياق آخر، يبدو أن الأزمة في طريقها للتفاقم بين تركيا والاتحاد الأوروبي على خلفية الاتفاقية التي وقعتها أنقرة مع حكومة عبدالحميد الدبيبة في طرابلس قبل أيام، التي تمنح امتيازات ضخمة جديدة لها في قطاع الطاقة الليبي من بينها حق التنقيب في المياه المشتركة في البحر المتوسط عن النفط والغاز.
واعترض الاتحاد الأوروبي على الاتفاقية الجديدة الموقعة بين الحكومتين الليبية والتركية، كما يعترض منذ سنوات على سياسات أنقرة وتدخلها في الملف الليبي، خصوصاً منذ توقيع الاتفاقية المثيرة لها مع حكومة فايز السراج عام 2019 بشقيها الأمني والاقتصادي.
وفي تصعيد جديد بين الطرفين أكدت وزارة الخارجية التركية أن أنقرة تصر على التمسك برفض تفتيش أي سفينة تابعة لها من قبل عملية "إيريني" البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي، المكلفة بمراقبة حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، في البحر المتوسط.
وقال المتحدث باسم الخارجية التركية تانجو بيلجيتش في تصريح للصحافيين "من حيث المبدأ نرفض جميع طلبات تفتيش سفننا من قبل إيريني، وذلك بعد الصعود غير القانوني على متن سفينة تجارية كانت ترفع العلم التركي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 من دون موافقتنا".
من جانبها كشفت قيادة "إيريني" عن رفض السلطات التركية طلب تفتيش سفينة تابعة لها قبل دخولها إلى السواحل الليبية، الإثنين، معربة عن "استيائها من الرفض التركي لطلب تفتيش السفينة".
ووصفت الرفض التركي بـ"انتهاك واضح لمراقبة حظر الأسلحة على ليبيا"، وذكرت قيادة العملية، في بيان، بـ"دعوة مجلس الأمن جميع أعضاء الأمم المتحدة إلى التعاون مع عمليات التفتيش التي تقودها في البحر المتوسط".
وأعلنت "إيريني" عن رصد ومراقبة 38 رحلة مشبوهة في سبتمبر (أيلول) الماضي والاستمرار في مراقبة 25 مطاراً و16 ميناء ومحطات نفطية والتحقق من 156 سفينة تجارية عن طريق الاتصال اللاسلكي وإجراء 18 زيارة للسفن بموافقة القادة.
وانطلقت العملية البحرية الأوروبية في 31 مارس (آذار) 2020، عقب مؤتمر برلين الأول حول ليبيا. وعلى مدى عامين ونصف العام حققت في أكثر من 7298 سفينة، وأجرت في إطار المساعي الودية وبموافقة القادة نحو 385 زيارة إلى السفن التجارية و24 عملية تفتيش في حين بلغ عدد الرحلات المشبوهة التي تمت مراقبتها 1010 رحلات.
وأوضحت أن تركيا رفضت صعود وتفتيش السفن المشبوهة في 8 مناسبات، وقالت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية نبيلة مصرالي، إن تركيا "عرقلت مجدداً مراقبة الاتحاد الأوروبي لحظر الأسلحة، المفروض من الأمم المتحدة على ليبيا".