تأتي إثيوبيا في مقدمة الدول الأفريقية المرشحة للاستفادة من تجربتها للتغلب على أزمة القمح العالمية، حينما أصبح التوسع في إنتاجه أحد هموم الحكومة، ونجاح عديد من أقاليم البلاد في خلق بيئات متوائمة مع المحصول لتشهد السنة الماضية اكتفاءً ذاتياً من السلعة.
فهل يعد التوجه الإثيوبي مفيداً على حساب اعتماد البلاد التاريخي على غلتها الخاصة (التيف)؟ وهل يتحقق لها نجاح متصل لإنتاجها مما يؤهلها للتصدير إلى دول الجوار الأفريقي؟
خطوات جادة
تأثر العالم بالحرب الأوكرانية ظهر جلياً في سلعة القمح الاستراتيجية، ما جعل عديداً من الدول، خصوصاً في القارة الأفريقية، تعمل بخطوات جادة للاعتماد على النفس.
فحينما لاحت كارثة الجوع لعديد من الدول بعد توقف إمدادات القمح الروسية والأوكرانية، حيث كشفت جهات المنظمات العالمية العاملة في الغذاء حجم الخطر، نشطت بعض الدول للبحث عن إمكاناتها في توفير الغذاء لنفسها مستغنية عن سياسات سابقة في الاعتماد على الغير، سواء وفق تعاملات الاستيراد التجاري أو التلقي السهل عبر الإعانات الخارجية.
إثيوبيا اتجهت لإنتاج القمح منذ أكثر من عام بدافعين، الاكتفاء الذاتي الذي أصبح يشكل لها غذاء رئيساً لا يمكن الاستغناء عنه لبلد يقرب تعداد سكانه من الـ 120 مليون نسمة، إلى جانب استغلال إمكاناتها لإنتاج تجاري تدخل به الأسواق الإقليمية والعالمية كمنتج للقمح، حيث تتوفر لها الأرض الزراعية وتنوع المناخ ووفرة المياه.
النشاط الإنتاجي
تلخصت رؤية إثيوبيا في مبادرة رئيس وزرائها آبيي أحمد لتكثيف زراعة القمح، واستغلال الإمكانات التي تتمتع بها البلاد وإعطاء أولوية لإنتاج محصوله بهدف توطينه، خصوصاً في ظل الظرف العالمي.
كان آبيي أحمد قال في مارس (آذار) الماضي "طالما كانت الزراعة الأساس الاقتصادي للبلاد، ومع تأثر إمدادات القمح بالأحداث العالمية أصبح من الضروري للغاية تسريع إنتاجيتنا لتحقيق الاكتفاء الذاتي".
ووفقاً لما أعلنته الحكومة الإثيوبية، فمن المقرر أن يتم مستقبلاً تطوير 1.3 مليون هكتار من الأراضي الصالحة لزراعة القمح الصيفي خلال العام الإثيوبي الحالي 2015، الذي يعادل عام 2022، مع توقع حصاد ما لا يقل عن 52 مليون قنطار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعلنت الحكومة أنها من وراء نشاطها الذي بذلته خلال السنة المالية الإثيوبية المنتهية 2014، لم تستورد القمح بعد تمكنها من حصاد 25 مليون قنطار من القمح الصيفي.
وكان وزير الزراعة الإثيوبي عمر حسين أكد أن الحكومة تبذل جهوداً كبيرة لوقف استيراد القمح تماماً ليتحقق ذلك في غضون ما بين ثلاث إلى خمس سنوات، قائلاً إن "استبدال القمح المستورد من خلال الترويج للزراعة بالري يوفر العملة الأجنبية ويخلق حافزاً كبيراً لدى المزارعين والرعاة".
جدير بالذكر أن إثيوبيا لديها ما بين خمسة إلى 10 ملايين هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة، يستغل منها ما يقل عن 1.2 مليون هكتار، وفق الجهات الرسمية.
إلى جانب الاكتفاء الذاتي، تمتد الخطط الإثيوبية إلى نشاط التصدير بعد تحقيقها نجاحات إنتاجية غطت حاجتها المحلية، وشهدت زيارة الرئيس الكيني ويليام روتو إلى إثيوبيا الخميس السادس من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي اتفاقاً لتصدير القمح الإثيوبي إلى كينيا، خلال مباحثات الرئيسين الإثيوبي والكيني، ووصفت الاتفاقية بأنها تسهم في استقرار أسعار المنتجات الغذائية في كينيا.
توطين القمح
المؤرخ الإثيوبي آدم كامل، يعزو دوافع الاتجاه نحو توطين القمح لعدد من الأسباب، قائلاً "إضافة لما أوجدته الظروف العالمية في تغير المناخ وأزمات الطبيعة من نقص وتأثير في الغذاء كانت أيضاً آثار الحرب الأوكرانية التي كشفت ضعف العالم في إنتاج وتوزيع غذائه".
وأضاف أن "لإثيوبيا أيضاً ظروفاً خاصة حملتها للاهتمام الجاد نحو زراعة القمح، والعامل الاجتماعي الممثل في تحولات المجتمع واحد منها، خصوصاً بعد دخول المرأة مجال العمل العام والخاص، فأصبح الاعتماد على الخبز المصنوع من القمح شيئاً أساساً بعد إحجامها عن دورها في البيت وصنع الخبز الحبشي (الانجيرا)".
وأشار إلى أن "هذا التحول مع انتشار المخابز وسهولة الحصول على الخبز التجاري دفع بعديد من الأسر إلى التخلي عن التقاليد التي ظلت سائدة لمئات السنين، وأخذ يؤثر في استبدال عادات راسخة بعادات وافدة في الخبز، إلى جانب المخبوزات والأطعمة الأخرى التي تصنع من القمح".
وعن التأثيرات السالبة في استبدال إثيوبيا لغلتها المحلية (التيف) بالقمح، أوضح كامل أن "القمح هو السلعة العالمية التي تعارف عليها العالم واعتمدتها معظم الشعوب، وتأثرت أفريقيا بالاعتماد عليها في ظل ظروف كانت تأتيها بالقمح في شكل معونات ومساعدات إلى أن تحكمت في عاداتها تاركة أغذيتها المحلية لتفرض عليها أخيراً كسلعة ضرورية، لكن بالنسبة إلى إثيوبيا وعلى الرغم من ذلك لا يزال الخبز الحبشي المصنوع من (التيف) سائداً بنسبة كبيرة لدى قطاعات مختلفة من المواطنين والأهالي سواء في المدن أو الأقاليم".
وفي ما يتعلق بالإمكانات الزراعية، وما إذا كان بمقدور إثيوبيا التحول إلى دولة مصدرة لسلعة القمح في ظل الفجوة العالمية الحالية، يرى كامل أن "البلاد يتوفر لديها كثير من العوامل المساعدة على إنتاج القمح، أهمها الأرض الخصبة، ووفرة المياه عبر عديد من الأنهار كنهر أواش في الشرق الذي يغذي حتى الإقليم الصومالي، وفي الجنوب هناك كثير من مصادر المياه، وتمثل المنطقة واحدة من الخيارات الناجحة لزراعة القمح المروي، أما مناطق أمهرة منبع النيل الأزرق حققت زراعة القمح المروي نجاحات كبيرة".
وأضاف أن "المزارع الإثيوبي لأول مرة استطاع استغلال إمكاناته في زراعة القمح على ثلاث دورات بما فيها الطلعة الصيفية، مما أدى إلى توقعات إيجابية في النجاح الذي يتطلب من الحكومة مزيداً من الاهتمام ومد المزارعين بالوسائل العلمية التي تساعدهم في استمرارية وتطوير الإنتاج".