تدحرجت حملة الكراهية التي تشهدها ملاعب كرة القدم الأردنية إلى أسوأ سيناريو يخشاه الأردنيون بعد مقتل طفل كان يحتفل بفوز فريقه على يد آخر من مناصري الفريق الخصم عبر إلقاء صخرة كبيرة عليه في أبشع تداعيات ما يعرف أردنياً بثنائية "الفيصلي والوحدات".
القصة بدأت فصولها بتراشق لفظي واتهامات عنصرية متبادلة بين بعض أنصار الفريقين على وسائل التواصل الاجتماعي، الأسبوع الماضي، مما دفع السلطات الأردنية إلى اعتقال 10 أشخاص من أنصار فريقي الفيصلي والوحدات الغريمين التقليديين وأكبر ناديين أردنيين وأكثرهما شعبية.
لاحقاً، قررت السلطات الأمنية إقامة المباراة الأخيرة بين الفريقين من دون جمهور كنوع من العقاب، وسط ودعوات على منصات التواصل الاجتماعي لاتخاذ إجراءات أكثر قسوة لمنع "الفتنة" التي تشعلها مدرجات كرة القدم في الأردن.
ثنائية كروية مقلقة
وكانت الأجهزة الأمنية الأردنية ألقت القبض على مشتبه فيه بالتسبب في وفاة الطفل، وقال الناطق باسم المديرية، عامر السرطاوي، إن "بلاغاً ورد إلى المديرية بتعرض طفل يبلغ 12 عاماً للإصابة بصخرة سقطت عليه من إحدى البنايات أثناء وجوده بالشارع العام برفقة مجموعة من الأشخاص بغرض الاحتفال بفوز، وما لبث أن فارق الحياة". وأكد السرطاوي تحديد هوية المشتبه فيه ويبلغ 16 عاماً، حيث اعترف بفعلته بدافع غضبه من نتيجة المباراة، وأشار السرطاوي أنه ستتم إحالة المشتبه فيه إلى القضاء.
في موازاة ذلك تصدرت مطالبات على مواقع التواصل الاجتماعي بإلغاء دوري كرة القدم وإغلاق أكبر ناديين في البلاد، وهما الوحدات والفيصلي، أو دمجهما معاً، في حين طالب آخرون بإلغاء الدوري الأردني بشكل كامل.
تاريخياً، وعلى رغم بعض الاستثناءات، يمثل فريق الوحدات الذي يحمل اسم أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين، الجمهور الأردني من أصل فلسطيني، بينما يمثل فريق الفيصلي معظم الشرق أردنيين وأبناء العشائر.
ولسنوات تسببت هذه الثنائية في صداع مرير للحكومات الأردنية وللمجتمع على حد سواء، بسبب تصاعد الهتافات العنصرية وتغذيتها على مدرجات الملاعب، بخاصة في اللقاءات التي تجمع هذين الفريقين، وامتد شرر هذه الهتافات في بعض الأحيان ليطاول الملكة رانيا زوجة العاهل الأردني بسبب أصولها الفلسطينية.
ظاهرة فردية أم مشكلة؟
يؤكد مراقبون أن مشكلة العنصرية في الأردن محصورة فقط بمدرجات الملاعب، ولدى قلة قليلة من جمهوري الفريقين، فيما تتبادل الحكومة وإدارة الفرق الرياضية إلقاء المسؤولية عن هذه المشكلة التي بلغت ذروتها أخيراً.
وتحاول الحكومة التقليل من أهمية هذه القضية، لكن المراقبين يرون أنه ثمة خطوات يجب القيام بها لمنع تفاقم الظاهرة التي يلقى فيها اللوم دائماً على شماعة "التصرفات الفردية"، ويبررها آخرون بأنه أمر يحدث في كل دول العالم حتى المتحضرة منها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتمثل "كراهية الملاعب" مدعاة لقلق عام يسري في أجواء البلاد، بعدما انخرط عديد من المشجعين في سلوك عنصري تجاه اللاعبين والمشجعين الآخرين على نحو متزايد. وعلى رغم اتخاذ اتحاد كرة القدم الأردني عقوبات متعددة تجاه المخالفين، فإن ذلك لم يشكل فرقاً، وهو ما دفع البعض إلى المطالبة باتخاذ تدابير تشريعية ومؤسسية، إضافة إلى حملات توعية تستهدف المواطنين الأردنيين ومشجعي كرة القدم.
منصات التواصل متهمة
وفقاً لمصادر في إدارة نادي الوحدات ونادي الفيصلي، لا تملك الأندية كثيراً من القوة للضغط على الجماهير التي تطاول هتافاتها السلبية في كثير من الأحيان إدارات ولاعبي الأندية التي يناصرونها بسبب تراجع أدائهم أو عدم إحرازهم البطولات، وترجع المصادر تفاقم الأمور إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي تمتلئ بصفحات المناصرين للفريقين وتوصف بأنها "غير منضبطة".
ويطالب نادي الوحدات ونادي الفيصلي أعضاءهما ومشجعيهما بالتحلي بالمسؤولية الوطنية، ويؤكدان أن ما جرى لا يمت بأي شكل من الأشكال بصلة لأخلاق المجتمع الأردني وقيمه الراسخة، وأن بعض التصرفات هي مظاهر طارئة على المجتمع الأردني، وأن الوحدة الوطنية في الأردن خط أحمر.
ومن بين الحلول التي يطرحها ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي منع المشجعين من حضور المباريات والاكتفاء ببث المباريات مباشرة، إلا أن كثيراً من المهتمين يعارضون هذا الحل، لأنهم يعتقدون أنه لن يؤدي إلا إلى زيادة تأجيج الموقف، في حين يقترح آخرون التشهير بالعنصريين ونشر أسمائهم لردعهم للحفاظ على سمعة كرة القدم الأردنية محلياً وعالمياً، بخاصة أن تداعيات هذه الظاهرة لم تعد محلية فقط، بل طاولت كثيراً من الفرق العربية التي لعبت في الأردن كالفريق الكويتي الذي فوجئ قبل سنوات بالجماهير الأردنية وهي تهتف للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في مشهد أثار الاستياء.
تفتيت الجهوية ومحاربتها
ولا تزال أعمال الشغب في الملاعب الأردنية محدودة ونادرة، لكن الهتافات المسيئة والشعارات العنصرية تشكل خطورة أشد وقعاً على تماسك المجتمع.
وعلى رغم توقيع الأندية الأردنية البالغ عددها 290 نادياً على ميثاق شرف لمكافحة الكراهية على المدرجات، فإن الحل الحقيقي في نظر ناشطين ومراقبين يكمن في العمل على عدم ترسيخ واستمرار هيمنة مجموعة عرقية على هذه الأندية ومحاولة تفكيك أي خطاب فئوي أو جهوي فيها.
ويستحضر الأردنيون تجربة فريق "الضفتين" عام 1986 كأحد الحلول لمعالجة أزمة هتافات الملاعب في الأردن، والهدف كسر القطبية الثنائية عبر دمج فريقي الوحدات والفيصلي أو خلق منافس قوي للفريقين ينهي احتكارهما الملاعب.
إحباط وفقر وأجندات
ويعتقد متخصصون من بينهم الأخصائية النفسية سهام قعوار أن "عنصرية الملاعب مردها الإحباط والفقر والبعد عن الدين والقيم وغياب ثقافة تقبل الرأي والرأي الآخر". وتطالب قعوار الدولة الأردنية بتفعيل دور الشباب وملء أوقات فراغهم بما يفيدهم ويفيد مجتمعهم ومحاربة التعصب للفرق الكروية.
ويؤكد الكاتب زيد نوايسة أن التعصب الكروي ظاهرة عالمية ومن الظلم إلصاقها فقط بشعوب العالم الثالث، لكن الأسوأ ما جرى الأسبوع الماضي في إندونيسيا عندما قتل مئات الأشخاص إثر التدافع وشغب الملاعب، وما حدث في مباراة الأهلي وبورسعيد عام 2012 عندما قتل 74 شخصاً من مشجعي النادي الأهلي.
يضيف "ظاهرة التشجيع والحماس والدعم من قبل جماهير أي فريق لفريقهم ظاهرة طبيعية وصحية وليست مستنكرة، ولكن المهم أن يتم ضبطها في إطارها الرياضي أولاً وأخيراً وعدم توظيفها من قبل أصحاب الأجندات".
ويتهم نوايسة منصات التواصل الاجتماعي بالتسخين لهذه الأجواء بمنشورات ومقاطع فيديو تسيء للفريق الخصم، ليس بالمعنى الرياضي فقط، بل تمتد لما يمس وحدة المجتمع ونسيجه الوطني، ويطالب بمدونة سلوك تضبط سلوك المدرجات وبتغليظ العقوبات وعدم التهاون فيها.