لم يكن غياب سوريا عن اجتماعات القمة العربية في الجزائر مفاجئاً بعدما حسمت دمشق قرار عدم المشاركة وسط انقسام عربي حيال عودتها لمقعد جامعة الدول العربية الذي جمد منذ عام 2011 إلى اليوم.
وبينما غابت دمشق عن قائمة المدعوين إلى حضور القمة العربية، يضع البلد المستضيف لمساته الأخيرة تحضيراً لانعقاد الاجتماعات المقررة في الأول والثاني من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) وأبلغ مبعوثو الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون القادة العرب دعوات المشاركة.
من جهته أعلن وزير الخارجية السوري فيصل المقداد حرص بلاده على المساهمة في توحيد الكلمة والصف العربيين في مواجهة التحديات التي تفرضها الأوضاع الراهنة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
جاء ذلك بعد توقعات بمشاركة سوريا في القمة وحديث عن اقتراب تطبيع الدول العربية معها، بخاصة أن الجزائر التي ترأس الدورة العادية الـ31 لمجلس الجامعة عقدت مشاورات ولقاءات على المستوى العربي في شأن المشاركة السورية.
في حين ثمنت الجزائر موقف دمشق وقالت في بيان لوزارة خارجيتها "تعتزم الجزائر مواصلة مساعيها لبلورة مخرجات على نحو توافقي، الأولوية بالنسبة إليها تنصب على تعزيز العلاقات العربية – العربية وتوحيد الصف العربي".
دمشق والحضن العربي
في غضون ذلك يرجح متابعون للشأن السياسي والدبلوماسي عدم اكتمال عوامل البنية السياسية التي تؤدي إلى هذا التقارب السوري – العربي، إذ ما زال الشرخ قائماً على رغم تدني حدة الصراع مع دمشق وكسر طوق العزل الذي فرض على السلطة عبر علاقات رسمية وغير رسمية تحدث بين الفينة والأخرى، من أبرزها زيارات عالية المستوى بين دمشق وأبو ظبي وتطبيع اقتصادي مع دول عربية وأجنبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى الدبلوماسي والوزير المفوض السابق في وزارة الخارجية السورية الدكتور عبدالحميد فجر سلوم في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن السبب الخفي لعدم مشاركة دمشق في اجتماعات القمة بالجزائر "تخوف العرب من الولايات المتحدة التي لم تعط الضوء الأخضر بعد، فالعرب مشتتون بين المحاور الأجنبية الإقليمية إيران وتركيا وإسرائيل وبين المحاور الدولية"، معرباً عن اعتقاده بأن "العرب يعارضون عودة سوريا ويربطون الأمر بتقدم الحل السياسي وهي الأسباب ذاتها التي أدت إلى تعليق العضوية وما زالت معلقة، ولهذا لا ضوء يلوح في الأفق، بخاصة بعد التوتر الروسي الأميركي بسبب الحرب الأوكرانية".
وأردف سلوم "باعتقادي عودة سوريا والتطبيع معها مرهونان بالتأكيد بحل سياسي يشمل الملف النووي الإيراني والحل في اليمن وانفراج في العلاقات السعودية الإيرانية، وهذا بالذات أمر مهم جداً لأنه يؤدي إلى انفراج عام في المنطقة، لكن المحادثات بين الطرفين عبر الوساطة العراقية لم تحقق أية نتائج ملموسة حتى اليوم باعتراف وزير الخارجية السعودي قبل أيام".
القرار العربي مجدداً
في هذه الأثناء يرى مسؤولون بالجامعة العربية أن الوقت لم يحن بعد لهذه العودة وفق تصريح صحافي لمساعد الأمين العام لجامعة الدول العربية حسام زكي إذ قال إن "الأمر يحتاج إلى توافق عربي" بينما هناك عقبات يرجعها مراقبون إلى عدم تلبية السلطة شروطاً منها إيجاد تسوية سياسية وفك الارتباط مع إيران.
ويفسر سلوم عدم اتخاذ قرار عربي كون القمة تأتي في ظروف استثنائية تشهد كثيراً من التشتت العربي، الأمر الذي يضعف حال التضامن المنشودة "لقد كثرت المحاور في الجسم العربي ومن المستغرب والمؤسف أن لكل دول عربية محاورها الخاصة بحسب ما تقتضيه المصلحة"، مضيفاً "تأتي القمة العربية في توقيت صعب تشهد فيه المنطقة العربية كثيراً من الانقسامات، والوضع العربي كارثي وسط عجز عن تشكيل محور واحد، كما أنه من المستحيل فعل ذلك في ظل اختلاف المصالح".
مبادرة الأردن لحل الأزمة
إزاء ذلك يسارع الأردن إلى إيجاد مبادرة لحل الأزمة السياسية في سوريا بعد أن تلقى نصيباً ضخماً من أعداد اللاجئين، علاوة على فلتان أمني على حدوده واستياء من اتساع نطاق عمل شبكات تهريب المخدرات ونشاط غير مسبوق لهذه الشبكات.
وتسعى عمان إلى وضع مبادرتها ضمن جدول أعمال القمة العربية في وقت أعلن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني عن حشد بلاده لدعم دولي وإقليمي باتجاه حل سياسي للأزمة السورية وقال "الأردن يريد حلاً يحفظ وحدة سوريا أرضاً وشعباً ويضمن عودة آمنة للاجئين".
إلى ذلك يمكن أن يبقى مقعد دمشق شاغراً بعد تجميد عضوية البلد العربي الرازح تحت وطأة الحرب والاقتتال الداخلي منذ عام 2011 مع وجود خمسة جيوش أجنبية على أراضيه، فضلاً عن الفصائل والميليشيات التي تتبع أجندات منها دولية وأخرى انفصالية وسط تهديد بانقسام السوريين ووحدة أراضيهم.