وسط القلق الدولي المتنامي من محاولة الصين الاستحواذ على تايوان بالقوة، من المتوقع أن تجري الهند والولايات المتحدة مناورات واسعة على ارتفاع شاهق في جبال الهيمالايا هذا الشهر وهي النقطة الأقرب إلى الحدود الصينية، في خطوة استدعت اعتراضات قوية من بكين.
يخشى بعض المحللون رداً مفرطاً من قبل الصين على تلك المناورات التي لا تزال في حال من الانتظام العسكري الشديد في أقسام من حدودها في الهيمالايا مع الهند منذ أن تحولت التوترات إلى مواجهات عنيفة ومميتة قبل عامين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فمع زيارة وفد من الكونغرس الأميركي إلى تايوان بقيادة رئيسة البرلمان نانسي بيلوسي في أغسطس (آب) الفائت، ترقب العالم بحذر بالغ الرد الصيني الذي غلب عليه الطابع الدرامي، بحيث قامت الصين بإطلاق صواريخ باليستية على الجزيرة كجزء من تدريبها العسكري الأكبر في المنطقة في تجربة واضحة لغزو واسع النطاق.
وعلى رغم علاقاتها الجافة مع بكين، رفضت الهند الانضمام إلى جوقة التنديد الدولي القوية التي رافقت مناورات تايوان وانتظرت أكثر من أسبوع للدعوة إلى "ضبط النفس" في ما يتعلق بالأزمة.
ولكن اليوم، يتخذ قرار نيودلهي بالمضي قدماً في النسخة الـ18 من التدريبات الأميركية- الهندية التي تعرف باسم "يود أبياس" (تمارين الحرب) على بعد حوالى 95 كلم من حدودها المتنازع عليها مع الصين، بعداً أكبر في سياق موقف بكين العدائي بشكل متزايد تجاه جيرانها.
ومن المتوقع أن تجري المناورات على ارتفاع 10 آلاف قدم في منطقة أولي في ولاية أوتاراخند على أن تستمر أسبوعين. ما من تفاصيل كثيرة رشحت عن هذا الموضوع، مع أن الجانبين تحدثا عن أهمية التدريبات الحربية ونطاقها التي سوف تتضمن مشاركة الخبرات والتكنولوجيا المرتبطة بالحرب في المرتفعات. كما أشارت مصادر دفاعية هندية لوكالة "بي تي أي" (PTI) الإخبارية إلى أن "التدريبات الضخمة" ستشمل عدداً من "المناورات المتشعبة".
وتأتي تلك المناورات في وقت تزدحم الأحداث في الداخل الصيني إذ يستعد الرئيس شي جينبينغ لإحكام قبضته على البلاد وتعزيز حكمه ليصبح أقوى زعيم منذ ماو تسي تونغ من خلال تأمين ولاية ثالثة غير مسبوقة تمتد على مدى خمسة أعوام كزعيم للحزب الشيوعي في المؤتمر الـ20 للحزب.
واليوم يرى بعض المحللين أن على الهند صقل علاقات وثيقة مع تايوان حتى على حساب موقعها التي حافظت عليه لفترة طويلة كطرف غير منحاز بين أكبر قوتين في العالم، وإلا فإنها ستخاطر برؤية أراضيها تحت تهديد جارتها القوية في المستقبل القريب.
وفي هذا السياق، قالت سنا هاشمي، وهي زميلة في مؤسسة التبادل بين تايوان وآسيا والمستشارة السابقة في وزارة الشؤون الخارجية الهندية لـ"اندبندنت" إن الهند وتايوان تتعاملان مع تهديدات وتحديات متشابهة مصدرها الصين نظراً إلى قيام بكين بتصعيد التوترات في منطقة الهيمالايا وعبر مضيق تايوان في الوقت ذاته.
وقالت الدكتورة هاشمي في إشارة إلى بيان صادر عن وزارة الخارجية الهندية بعد 10 أيام من بدء مناورات الصين الحربية في تايوان: "شكل ذلك أحد أسباب التغير في سياسة الهند تجاه تايوان وكذلك قيام الهند وللمرة الأولى بالتعبير عن مخاوفها بشأن التحركات الصينية الأحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن والعسكرة في مضيق تايوان".
وبرأي هاشمي فإن بكين ستشعر بالقلق من المناورات الحدودية التي تجري على المرتفعات إذ بوسعها أن تكون إشارة إلى أن دولاً كالهند تبتعد من إيلاء أي اهتمام "بالخطوط الحمراء" والحساسيات في سياسة الصين الخارجية.
ونظراً إلى أن توقيت المناورات يتزامن مع افتتاح مؤتمر الحزب الـ20، تضيف هاشمي أننا "ربما نرى أن الصين قد تصبح أكثر عدوانية على الخطوط الحدودية مع الهند" وأن بكين قد تستخدم بسهولة تلك التدريبات كعذر إضافي لتأخير فض الاشتباك على الحدود والانسحاب أو البدء بغزو آخر.
في خطابه الذي ألقاه يوم الأحد الفائت في قاعة الشعب الكبرى في ميدان تيان أنمين في بكين، لم يتطرق الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى مسألة تايوان سوى بشكل سطحي وعابر لكنه ضاعف تحذيره للقوى "الخارجية" و"الانفصالية" ضد أي نوع من التدخل كما وعد "بإنجاز توحيد كامل لتايوان مع البر الصيني الرئيس" مما استوجب تصفيقاً حاراً ومطولاً من الحضور المتمثل في 2300 ممثل عن الحزب الشيوعي.
وعلى غرار بلدان عدة، لا ترتبط الهند بعلاقات دبلوماسية رسمية مع تايوان ولكنها ترسي علاقات تجارية ثنائية قوية مع الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي وقد زادت نسبة هذا النشاط التجاري بنسبة 185 في المئة من 2 مليار دولار (1.7 مليار جنيه استرليني) عام 2006 إلى 5.7 مليار دولار (5.04 مليار جنيه استرليني) عام 2020.
كما أن الهند أرست سابقة في مقاومة الضغط الصيني في قضية تايوان ورفضت التأكيد علناً على "سياسة الصين الواحدة" في موقف يعود إلى أكثر من 12 عاماً اعتراضاً على الطريقة التي تتعامل من خلالها الصين في منح تأشيرات للمواطنين الهنود من المناطق الحدودية المتنازع عليها بين الدولتين.
أما آخر مطالبات الصين للهند بدعم مبدأ "الصين الواحدة" فجاء في أوائل الشهر الحالي وذلك على خلفية تقارير إعلامية هندية كانت نقلت عن ممثل تايوان في الهند بوشوان جير قوله إنه يتوجب على تايوان والهند توحيد القوى "لصد توسع النظام الشمولي". وقال لوكالة "بي تي أي": "تتعرض الهند وتايوان لتهديد الحكم السلطوي الأوتوقراطي، بالتالي فإن التعاون بين الجانبين ليس أمراً مرغوباً فيه فحسب بل ضرورياً أيضاً".
وسبق لوانغ تشاو جين، المتحدث باسم السفارة الصينية في دلهي أن اعتبر أن هذه التقارير تروج "لاستقلال تايوان" ودعا الحكومة الهندية إلى "التزام مبدأ الصين الواحدة ووقف أي نوع من التبادل الرسمي مع تايوان".
وفي سياق متصل، يقول هارش بانت، بروفيسور العلاقات الدولية في معهد الهند في كينغز كوليدج لندن، إن الوقت قد حان بالنسبة إلى الهند لكي تعيد تقييم سياساتها تجاه تايوان ورؤية ما الذي كسبته من التزام سياسة الصين الواحدة التي قيدت تطوير علاقات وثيقة مع تايوان. وتابع: "لم تكسب الهند أي شيء باتباعها مقاربة خاصة تجاه تايوان تميزت بالحذر والدفاع نتيجة تعرضها للضغط من الجيش الصيني (جيش التحرير الشعبي الصيني PLA)، كما أن الصين لم تبادلها فكرة وجود الهند الواحدة التي تتضمن أروناتشال براديش وكشمير ولاداخ.
في وقت تبرز الفوائد واضحة من توثيق العلاقات مع تايوان، إلا أن الهند تملك أيضاً نقطة مشتركة مع الحكومة في تايبيه: إذ تزعم بكين أن جزءاً من أراضيها في الأقل يعود إلى الصين. وإضافة إلى المزاعم التي تطالب بأجزاء من وادي كشمير (بجانب باكستان) ومساحات أخرى من خط السيطرة الفعلي المتنازع عليه في الهيمالايا، تعتبر الصين أن أراضيها يجب أن تضم كامل ولاية أروناتشال براديش الواقعة شمال شرقي الهند وهي منطقة تبلغ مساحتها ثلاث مرات حجم تايوان والتي تشير إليها الخرائط الصينية باسم "زانغنان".
وتقول الدكتورة هاشمي إن هذه المزاعم وحدها يجب أن تكون كافية لتجعل أي غزو صيني لتايوان احتمالاً مقلقاً للهند. وتشرح: "كما تم تسليط الضوء على ذلك من قبل وزير الخارجية التايواني في وقت سابق، لن ينتهي العدوان الصيني مع تايوان فحسب. فمتى قامت قيادة الحزب الشيوعي الصيني بتسوية المسألة التايوانية، سيمنحها هذا الأمر مزيداً من الزخم لتعزيز طموحاتها الاستعمارية وربما نشهد مزيداً من المواجهات التي ستكون أكثر خطورة في الحدة والنطاق".
في سياق متصل، يقول جاغاناث باندا، وهو خبير في شؤون المحيطين الهندي والهادىء إن تصعيد التوتر مع الهند إلى مستوى مشابه لما يحصل مع تايوان ليس احتمالاً وارداً بالضرورة نظراً إلى أن مؤتمر الحزب الشيوعي في الصين هو وقت يركز فيه النظام على تعزيز الدعم السياسي للرئيس شي والاهتمام بالشؤون المحلية. "ولكن الصين خبيرة في إحداث المفاجآت، ولهذا، لا أحد يعلم. هناك أمور كثيرة يمكن القيام بها من دون الاعتراف رسمياً بتايوان أو إقامة علاقات رسمية معها"، مضيفاً أنه "يتوجب على الهند أن تكون سباقة في توقع الأمور عندما يتعلق الأمر بتايوان".
ويردف الدكتور باندا أن تايوان برزت كاقتصاد مهم في منطقة المحيطين الهندي والهادىء مع ارتباطات اقتصادية وسياسات إيجابية للغاية تجاه الهند ومنطقة آسيان (رابطة دول جنوب شرق آسيا). ويشير إلى أنه "يتوجب على الهند الاستفادة من ذلك وعليها أن ترسي روابط اقتصادية وتجارية متينة ووثيقة مع تايوان في سلسلة من المسائل الأخرى، خصوصاً في مجالي العلوم والتكنولوجيا وسلسلة التوريد وأشباه الموصلات (semiconductors) والتعليم والتبادلات الثقافية".
ويخضع الموقف الهندي الدبلوماسي في ما يتعلق بالنزاع التايواني- الصيني لمراقبة حثيثة من قبل حلفاء نيودلهي وشركائها بعد أن أدى تردد حكومة مودي في كبح جماح موسكو في الحرب في أوكرانيا إلى إثارة غضب العالم الغربي. ولم تمتنع الهند عن التصويت على عدد من اقتراحات الأمم المتحدة ضد روسيا فحسب، بل زادت من وارداتها من النفط الخام والفحم والأسمدة من البلاد.
ولكن، إن كانت المسؤولية الأساسية للحكومة الهندية متمثلة في حماية "مصالحها الوطنية" وسبل عيش مواطنيها كما قالت لتبرير موقفها من الحرب في أوكرانيا، فإن موقفها في شأن تايوان هو أمر أقل وضوحاً.
ويضيف البروفيسور بانت أن مناوراتها الأخيرة في تايوان تمثل ما هو أكثر جوهرية حول عقلية الصين المتغيرة ورؤيتها للنظام العالمي، وهو أمر يرتب فعلاً تداعيات على الهند. "لا يمكننا الحديث عن منطقة محيط ’هندي-هادئ‘ حرة ومفتوحة فيما تواجه تايوان ذلك النوع من التحديات. حان الوقت لصياغة تعاون أكثر وضوحاً مع تايوان والإقرار صراحة بأن تايوان تشكل ركيزة مهمة في منطقة المحيطين الهندي والهادىء".
وتقول باربارة كيليمن، وهي كبيرة المحللين في الشؤون الآسيوية في مؤسسة "دراغون فلاي إنتيليجانس" Dragonfly Intelligence إن الصين "تتبع استراتيجية ’تقطيع السلامي‘" (Salami-slicing)، (وهي استراتيجية التخلص من الخصم تدريجاً قطعة تلو الأخرى لتغيير الوضع الراهن) في ما يتعلق بالأرض ذات السيطرة الهندية التي تطالب بها في الهيمالايا. وعلى رغم أن الحدود لم تشهد أي أعمال عنف ملحوظة منذ عام 2020، إلا أن "بناء البنى التحتية المستمر وتشييدها في المنطقة هو نشاط لم توقفه الصين فعلاً" على حد قولها.
وتشرح كيليمن أن اجتياحاً صينياً لتايوان سيكون "تحدياً رئيساً" للهند في هذا السياق. "بغض النظر عن الخلل التشغيلي الواضح والتأثير الاقتصادي، فإن الهند لديها هي أيضاً أراضيها المتنازع عليها. ليس واضحاً بعد ما هو الموقف الذي ستتخذه الهند ولكن سيكون هناك سبب للقلق في حال حصل هذا الأمر".
وفي جانب متصل، يقول المحلل السياسي أينار تانجين المقيم في بكين لـ"اندبندنت" إنه مما لا شك فيه أن أثماناً باهظة ستترتب على نيودلهي إذا ما سعت إلى صقل علاقات أقوى مع تايبيه موضحاً أن الصين "سترد على ذلك من دون شك". ويضيف: "عوضاً عن تعزيز موقف الهند التفاوضي مع الصين، سيؤدي ذلك إلى تشدد موقف الجانبين، مما ينتج بالتالي إضاعة للطاقة وهدراً للوقت". واعتبر أن "التأرجح الدبلوماسي" للهند بين الولاء لشركائها الغربيين والدول النامية الشقيقة "لن يعود بأي نتائج اقتصادية إيجابية على الهند. في النهاية، تحتاج الهند إلى تقرير مستقبلها الخاص".
© The Independent