بعد ستة أسابيع فقط على توليها رئاسة الحكومة، أعلنت ليز تراس استقالتها الخميس، 20 أكتوبر (تشرين الأول)، وإجراء انتخابات الأسبوع المقبل لاختيار خلف لها إثر مواجهتها النكسة تلو الأخرى وصولاً إلى استقالة وزيرة الداخلية والجلسة الصاخبة الأخيرة في البرلمان.
وقالت تراس أمام مقر رئاسة الحكومة في لندن "في ظل الوضع الحالي لا يمكنني إتمام المهمة التي انتخبني حزب المحافظين للقيام بها".
وأضافت "لذلك تحدثت إلى جلالة الملك تشارلز الثالث لإبلاغه باستقالتي من رئاسة حزب المحافظين"، موضحة أن عملية اختيار النواب خلف لها "ستستكمل خلال الأسبوع المقبل".
وفور استقالتها دعا زعيم المعارضة البريطانية العمالي كير ستارمر إلى إجراء انتخابات عامة الآن. وقال "لقد أظهر حزب المحافظين أنه لم يعد لديه تفويض للحكم".
وأضاف "بعد 12 عاماً من فشل حزب المحافظين، يستحق الشعب البريطاني أفضل بكثير من باب الفوضى الدوار هذا. في السنوات القليلة الماضية، وضع المحافظون ضرائب قياسية، ودمروا مؤسساتنا وخلقوا أزمة تكلفة المعيشة. الآن، لقد حطموا الاقتصاد بشدة لدرجة أن الناس يدفعون 500 جنيه إسترليني شهرياً إضافياً على قروضهم العقارية. سيستغرق إصلاح الضرر الذي أحدثوه سنوات".
وتابع "لا يمكن للمحافظين الرد على الفوضى الأخيرة عن طريق النقر مرة أخرى ببساطة على أصابعهم وتغيير المسؤولين في القمة من دون موافقة الشعب البريطاني. ليس لديهم تفويض لوضع البلاد في تجربة أخرى. بريطانيا ليست إقطاعاً شخصياً لإدارتها كيف يحلو لهم".
ويمكن لثلاثة نواب محافظين كحد أقصى خوض سباق رئاسة حزب المحافظين لاختيار خلف لتراس، قبل أن يتخذ النواب وربما أعضاء الحزب قرارهم، بموجب القواعد التي قدّمها حزب المحافظين الخميس.
وصرّح مسؤول الأغلبية غراهام برادي للصحافة، بأن "المرشحين سيحتاجون إلى دعم ما لا يقل عن 100 عضو (من 357 نائباً محافظاً)".
ويتعين جمع الأصوات الداعمة بحلول الاثنين الساعة 14,00 بالتوقيت المحلي (13,00 ت غ). بعد ذلك، يتعين على النواب إما الاتفاق على اسمين يجب على أعضاء الحزب البالغ عددهم 170 ألفاً اتخاذ قرار بشأنهما عن طريق التصويت عبر الإنترنت بحلول الجمعة 28 أكتوبر (تشرين الأول)، أو على اسم واحد يتولى بأثر فوري منصب رئيس الوزراء.
وهذه العملية أكثر انتقائية بكثير من تلك التي أعقبت استقالة بوريس جونسون في يوليو (تموز)، فقد تمكّن حينها ثمانية مرشحين من تقديم أنفسهم إلى النواب الذين رفضوا ستة منهم، ومُنح أعضاء الحزب ستة أسابيع للتصويت والاختيار بين الاثنين المتأهلين للاقتراع النهائي.
وأوضح غراهام برادي، "لقد شدّدنا المعايير، لكن يمكن أن يحققها أي مرشح جاد".
ولم يتقدم أي مرشح رسمياً حتى الآن. ومن بين الشخصيات التي يتوقع ترشحها وزير المالية السابق ريتشي سوناك، والوزيرة بيني موردونت، ووزيرة الداخلية السابقة سويلا برافرمان التي استقالت من الحكومة الأربعاء، وبوريس جونسون الذي يفكر، وفق صحيفة "تايمز"، في الترشح بدافع خدمة "المصلحة الوطنية".
الأولويات قبل السياسة
وكانت تراس اعترفت بأنها واجهت يوماً صعباً الأربعاء، لكنها شددت على وجوب أن تركز الحكومة جهودها على أولوياتها، وقال المتحدث باسمها إنها تريد من الحكومة التركيز بنسبة أكبر على "إنجاز الأولويات وبنسبة أقل على السياسة".
وصباح الخميس، التقت تراس رئيس "لجنة 1922" في الحزب المحافظ المكلفة التنظيم الداخلي.
وتجرى انتخابات لاختيار خلف لرئيسة الحكومة البريطانية المستقيلة ليز تراس على رأس حزب المحافظين، بحلول 28 أكتوبر، حسبما أعلن مسؤول اليوم الخميس.
وقال غراهام برادي، رئيس لجنة 1922 المؤثرة التي تضم عدداً من نواب مجلس العموم البارزين "سيكون من الممكن إجراء اقتراع واستكمال انتخابات القيادة بحلول يوم الجمعة 28 أكتوبر. لذا سيكون لدينا زعيم جديد في المنصب قبل البيان المالي في الحادي والثلاثين من الشهر الحالي.
وبعد ستة أسابيع فقط على توليها رئاسة الحكومة، واجهت تراس ضغوطاً للاستقالة بعد أن اضطرت إلى إلغاء خطة خفض الضرائب الكارثية التي تسببت بإضراب في الأسواق خلال أزمة غلاء معيشة حادة.
وبعيد إعلان استقالة تراس، عبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن أمله في أن تستعيد بريطانيا استقرارها بسرعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي موسكو رأت وزارة الخارجية الروسية أن بريطانيا "لم تشهد مثل هذا العار من رئيس وزراء".
وقال كبير موظفي البيت الأبيض رون كلاين إن الولايات المتحدة ستكون على علاقة وثيقة مع من سيحل محل رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس.
وأضاف كلاين في مقابلة مع قناة (إم إس إني بي سي) أن الرئيس الأمريكي جو بايدن سيصدر بياناً في وقت لاحق اليوم الخميس.
وكانت عناوين الصحف الصادرة صباح الخميس أجمعت على وصف الأوضاع بأنها فوضى، غداة جلسة كارثية في وستمنستر تحولت إلى سوق مزايدات.
واعتبرت صحيفة "ذا صن" أن ليز تراس باتت "محطمة وسلطتها مهشمة بعد يوم سادته الفوضى العارمة"، مشيرة إلى "حكومة بصدد الانهيار أمام أعيننا".
من جهتها، اعتبرت صحيفة "ذا تايمز" اليمينية أن "رئيسة الوزراء تتمسك بالسلطة"، ونقلت عن مؤيد لتراس في الحكومة قوله إنه "قرار نهائي".
وقال عضو حزب المحافظين إد فايزي إن "السبيل الوحيد للخروج من هذه الفوضى هو تنحي ليز تراس وتعيين النواب المحافظين رئيساً جديداً للوزراء".
ويمكن للحزب تجنب تنافس مطول على زعامته بالتوافق على شخصية ما، لكن تراس لا تبدي أية نية للتنحي.
ماذا بعد الاستقالة؟
ومن شأن استقالتها أن تفتح المجال أمام تنافس داخل حزب المحافظين يمكن اختصاره في حال توافق نواب الحزب على بديل لها، وإلا فإن النواب يمكنهم أن يرصوا الصفوف لطرح الثقة بها.
وجاءت الدعوات الجديدة إلى التنحي بعد أن استقالت وزيرة الداخلية سويلا برايفرمان، وكان وزير المالية كواسي كوارتينغ المقرب من تراس قد أقيل على خلفية خطة خفض الضرائب واستبدل بجيريمي هانت الذي سارع إلى إلغاء الخطة بشكل شبه كامل.
وأوردت صحيفة "ديلي تلغراف" أن برايفرمان استقالت بعد "سجال مباشر محتدم مع تراس وهانت على خلفية مطالبتهما إياها بتليين موقفها في ملف الهجرة".
وعينت تراس غرانت شابس خلفاً لبرايفرمان، علماً بأنها سبق أن أقالته من منصب سكرتير النقل لدى توليها رئاسة الحكومة، وكان شابس داعماً لخصمها في الانتخابات التمهيدية للحزب ريشي سوناك.
وقالت برايفرمان المتشددة في ملف الهجرة إنها استقالت بسبب "مخالفة تقنية" لأنظمة الحكومة.
وجاء في كتاب استقالتها "ارتكبت خطأ وأتحمل المسؤولية، أنا أستقيل"، معربة من جهة ثانية عن مخاوف جدية حيال سياسة الحكومة التي تتخلى بحسب رأيها عن وعودها، لا سيما في ملف الهجرة.
وواجهت تراس انتقادات لعدم تنحيها بعد أن حملت كوارتينغ مسؤولية خطة الموازنة الملغاة التي تسببت باضطراب في الأسواق.
انهيارات وتراجعات
وكتبت برايفرمان، "الادعاء بعدم ارتكاب أخطاء والاستمرار وكأن أحداً لا يرى أننا ارتكبناها على أمل أن تستقيم الأمور بسحر ساحر، لا ينم عن جدية في العمل السياسي".
وجاءت استقالة برايفرمان بعد ساعات قليلة على جهود بذلتها تراس لتبديد الشكوك حول مصير ولايتها بتصديها للانتقادات في البرلمان.
ودافعت تراس عن نفسها في مواجهة دعوات إلى الاستقالة من المعارضة بعد أن اضطرت للتراجع عن برنامجها الاقتصادي، وقالت بنبرة تحد "أنا محاربة ولست شخصاً ينسحب".
وتساءل زعيم المعارضة العمالية كير ستارمر "ما فائدة رئيسة وزراء لا تصمد وعودها أسبوعاً؟" معدداً كل الإجراءات التي اضطرت تراس للتراجع عنها بضغط من الأسواق ومعسكرها.
ولاحقاً سادت الفوضى في البرلمان بعد أن طرحت المعارضة مناقشة قرار مثير للجدل اتخذته تراس في شأن استئناف التصديع، أي استخراج الغاز الصخري.
وقال نواب في حزب العمال إن صقور الحزب المحافظ أجبروا نواباً محافظين على التصويت ضد المقترح العمالي، مشيرين إلى عشرات لم يتماش تصويتهم مع التوجهات الحزبية.
ومن المقرر أن يوجه ستارمر الخميس خطاباً خلال المؤتمر السنوي لاتحاد نقابات العمال.
والثلاثاء، أظهر استطلاع أجراه معهد "يوغوف" أن تراس هي الزعيمة الأقل شعبية للحزب على الإطلاق.
وأظهر استطلاع آخر أن معظم أعضاء الحزب يريدون رحيلها.
فوضى سياسية
وكانت حكومة تراس شهدت ثاني استقالة لوزير كبير، هي وزيرة الداخلية سويلا برافرمان، وسط اندلاع خلاف كبير بين نواب حزبها في البرلمان في انهيار درامي للوحدة في صفوف المحافظين.
وبعد ستة أسابيع فقط من توليها المنصب، اضطرت تراس للتخلي عن كل بنود برنامجها تقريباً بعد أن تسبب تطبيقه في هبوط حاد لسوق السندات وانهيار معدلات شعبيتها وكذلك شعبية حزبها.
وفي غضون ستة أيام فقط، فقدت اثنين من أبرز أربعة وزراء في الحكومة وجلست صامتة في البرلمان بينما أعلن وزير ماليتها الجديد إلغاء خططها الاقتصادية كما واجهت صيحات ساخرة وهي تحاول الدفاع عن سياساتها.
وقال نائب من حزب المحافظين لـ"رويترز" في ساعة متأخرة من مساء أمس الأربعاء عن حال الفوضى في البرلمان "لا يمكننا الاستمرار على هذا النحو".
ويبدو أن بريطانيا على موعد جديد مع فوضى سياسية ناتجة عن تشبث رئيس وزراء آخر لا يحظى بشعبية كبيرة بالسلطة، وهو ما يسلط الضوء على مدى تقلب المشهد السياسي في بريطانيا منذ استفتاء عام 2016 لخروج البلاد من الاتحاد الأوروبي، والذي أطلق شرارة معركة حول المسار الذي ينبغي للبلاد سلوكه بعدها.
وأصبحت تراس رابع رئيس وزراء لبريطانيا خلال ست سنوات بعد اختيارها من قبل أعضاء حزب المحافظين، وليس من قبل الناخبين، وبدعم من حوالي ثلث نواب الحزب فقط.
وقال كريسبين بلنت النائب عن حزب المحافظين منذ 25 عاماً لـ"رويترز" إن الوضع بالغ الخطورة لدرجة أنه يعتقد أن على زملائه في الحزب اختيار شخص يتمتع بالخبرة لتولي زمام الأمور.
وأضاف "يجب الآن تنحية الطموح والاعتبارات الشخصية جانباً"، مضيفا أنه سيدعم هانت لتولي قيادة الحزب.
وفي ظل نتائج استطلاعات الرأي التي تظهر أن المحافظين يواجهون خسارة كبيرة في الانتخابات المقبلة، يقول بعض المشرعين إن على تراس الرحيل حتى يتمكنوا من محاولة إعادة بناء صورة الحزب.