اسمها الحركي مهسا أمیني، هو اسمها الحقيقي، ولدت في 22 يوليو (تموز) من أول قرن من الألفية ثالثة، وبعد 22 سنة قتلت في 16 سبتمبر (أيلول) 2022. لم تحلم باستثناء حلم شابة في عمرها القصير وبالتأكيد لم يخطر في بالها أنها ابنة لعصر آخر هو عصر النون. لقد أسهمت بموتها في تغيير عالم ظن كثيرون أنه لا يتغير، وبخاصة الملالي ومن مثلهم من يظنون أنهم آلهة خالدون، على الرغم من أنهم منذ عقود أربعة ونيف كانوا بشراً مثل مهسا أمیني التي لم تملك أسناناً نووية كبوتين حتى يتسنى لها أن تهدد بتغيير العالم. ولأنها كذلك فهي قد أسهمت كضحية في أن تفعل ما ليس بمستطاع أمثال بوتين فعله أن تكون برداً وسلاماً. فمهسا منذ أكثر من شهر تقود نساء العالم من ساحات إيران، حيث طهران ساحة نساء العالم، وهذه الحقيقة الماكرة إعادة صياغة لمقولة فيلسوف التصوف ابن عربي إن "العالم الذي لا يؤنث لا يعول عليه". ومهسا قالت بموتها كلمتها، ولذا فإن شعار نساء إيران "الموت للديكتاتور"، وهن بذلك يردن عالماً يعول عليه.
هذا الكلام قد يكون شعراً لأنه حقيقي كالشمس عند بزوغها، فشاشات الميديا في أقطاب الدنيا لا تكذب خبراً، عند نقلها لبنات هذه الألفية مجاليات مهسا، وهن يتظاهرن زرافات زرافات دون كلل ولا ملل، من إرادتهن توكد حقيقة دامغة أنه منذ مطلع هذه الألفية، العصر عصر النساء، وذلك بغض النظر عما سيحدث في إيران، لأنه إذا كان يجب الذي يجب، فإن ما حدث قد حدث، فالمرأة تقود المرحلة وتتلقى رصاصها في شوارعها وبصدرها وهذه المرأة تفعل ذلك في بلاد الملالي، وليس في استكهولم مثلاً. وكذلك برز منهن من قبل قائدات في بلدان الأمية والعوز في الهند وبنغلاديش، حيث كانت المرأة رئيسة الحكومة في مقابل امرأة أخرى رئيسة المعارضة، هذا الدرس لم يولِه أحد الاهتمام المستحق إنه عصر المرأة على الأرض، وفي الواقع بزغ من حيث تبزغ الشمس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نعم إن عصر النساء بات أمراً مستحقاً، فالمرأة اليوم تسهم بشكل موسع في قيادة العالم غرباً وشرقاً وقد حدث هذا في الشرق على المستوى العملي، حين جرى التمهيد له في الغرب كأطروحة نقدية، ككتاب سيمون دي بوفوار "الجنس الآخر" في عام 1949. وكان رجال التنوير أسهموا في ذلك، قبل وبعد، لكن امرأة الشرق تبوأت زعامة عصر النساء على المستوى العملي، وما فعلنه رفيقات مهسا أمیني تأكيد مطرد لذلك أو كما جاء في بيان تضامن "الجمعية النسوية العربية" مع الاحتجاجات الإيرانية التي تقودها النساء نحو الحرية "لست مرشدي، أنا البوصلة. الإيرانيات قلن كلمتهن، سرحن حريتهن، وأطلقن العنان للثورة على الرغم من رائحة الموت. قصصن الجدائل غضباً، رفعن راية الشعر الحر في زمن اللحى الخانعة، إنهن المرشدات، وأكثر".
إذا لم تعد مسألة تحرير المرأة مسألة نظرية، فالمرأة اليوم غيرها أمس وما كان مسألة سياسية يستخدمها الرجال في صراعهم حول السلطة ولو بقناع ديني شب عن الطوق، وأخذت النساء زمام نفسهن، فبتنا جميعاً نشاهد على شاشات الأرض نساء في كل المجالات، قائدات بارزات في تلك المجالات، وهن أيضاً يقدن أنفسهن في تظاهراتهن في الشوارع، ليس من أجل تحرير المرأة بل لأجل حرية بلادهن. وذاك المتغير الأبرز مع الألفية الثالثة وفي العصر السيبراني الذي فيه الخطر جامح من حروب كحرب قيصر روسيا، لكن المرأة الإيرانية تلوي الأعناق نحوها كجرس في رقبة القط، إن المستقبل ليس عند بوتين بل عندهن. قد يتبرم كثيرون من هذا الدفق المتفائل والآمال العظام في هذه المقالة، لكن من يثق بالحياة وأن النساء يعول عليهن سيجد المقالة، تعبيراً عما يحدث بالفعل والقوة. وتوكد على ذلك الفرنسية آني إرنو، الحائزة جائزة نوبل للآداب لعام 2022، التي وصفت بأنها بائسة وشعبوية، إذ تقول "تمثل لي السترات الصفراء عائلتي وشبابي"، وعليه انحازت إلى جانب السترات الصفراء ضد ماكرون، وفعلت ذلك من قبل بانحيازها مثلاً إلى القضية الفلسطينية. وتوضح كيف فعلت ذلك، "كتاب الجنس الآخر لسيمون دي بوفوار، كان كشفاً آخر، أي كيف أنظر إلى حياتي كامرأة؟ فكنت أقف مع سيمون، وكتابتها الجريئة الرائعة غير المهادنة لعالم من صنع الرجال ولأجلهم".
ومثلما لم تكن آني أرنو غير مهادنة، فنالت غصباً جائزة نوبل، فإن مهسا أمیني لم تكن مهادنة، فنالت جائزة الموت من أجل الحياة في عصر النساء، الذي فيه أثبتت آخر الأبحاث في الغرب، أن نساء ما يعرف بـ"جيل الألفية"، أي اللاتي تتراوح أعمارهن بين 18 و35 عاماً، أصبحن يكسبن معاشاً مطابقاً، إن لم يكن أعلى من أزواجهن، حتى إنهن أصبحن من يأخذ القرارات المالية الكبيرة في المنزل، بينما الرجال هم من يبقى في المنزل للاعتناء بالأطفال. وهذا الدرس الثاني الذي لم يوله أحد الاهتمام المستحق.