للمرة الثانية خلال العام الحالي، وعلى رغم الأزمات التي تحاصر الاقتصاد المصري، أبقت وكالة "ستاندرد أند بورز" للتصنيف الائتماني، على التصنيف الائتماني لمصر بالعملتين المحلية والأجنبية من دون تعديل عند مستوى (B) مع الإبقاء على نظرة مستقبلية مستقرة للاقتصاد المصري.
وقال وزير المالية المصري محمد معيط، إن قرار الوكالة يعكس استمرار ثقة المؤسسات الدولية خصوصاً مؤسسات التصنيف الائتماني في ثبات الاقتصاد المصري وصلابته وقدرته على التعامل الإيجابي مع التداعيات الخارجية الصعبة، وأهمها تبعات الحرب في أوروبا وما تلاها من آثار اقتصادية سلبية عالمياً أبرزها ارتفاع أسعار المواد الأساسية. واعتبر معيط أن هذا القرار يعد شهادة ثقة إضافية بشأن مرونة الاقتصاد المصرى وصلابته وسلامة السياسات الاقتصادية المتبعة.
وكشف عن أن مؤسسة "ستاندرد أند بورز" أرجعت قرارها بالإبقاء على النظرة المستقبلية المستقرة للاقتصاد المصرى إلى توقعها استمرار التزام السلطات المصرية بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية التي من شأنها أن تدفع بالنمو الاقتصادي المدعوم بزيادة دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادى، إضافة إلى توقع المحللين في المؤسسة تحقيق الاقتصاد المصرى معدلات نمو قوية على المدى المتوسط بسبب اتخاذ سياسات وإصلاحات تشجيعية لبيئة الاستثمار والأعمال، مما يدعم نمواً اقتصادياً مستداماً قادراً على التعامل مع التحديات العالمية المركبة يعكس توازن السياسات المالية والاقتصادية المتبعة.
تحسن ملحوظ في مؤشرات الميزان الجاري
ومنذ مارس (آذار) الماضي، تجري الحكومة المصرية مفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن الحصول على تمويل جديد. وقبل أيام، أعلنت الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي في بيان مشترك عن تقدم في المفاوضات، خصوصاً مع التزام الحكومة المصرية تنفيذ التعليمات الخاصة بالمرحلة الثانية في برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأ في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016.
وأشار معيط إلى أن "ستاندرد أند بورز" ألقت الضوء في تقريرها على الجهود التي تبذلها وزارة المالية في إدارة الموازنة ورفع كفاءة التحصيل والإنفاق لضمان استمرار تحقيق الانضباط المالي الذي ظهر بشكل كبير خلال نتائج العام المالي 2021- 2022، إذ انخفض العجز الكلي إلى 6.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بنسبة 6.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي 2020- 2021.
واستمرت وزارة المالية في تحقيق فائض أولي للعام الخامس على التوالي، بلغت نسبته 1.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالى الماضي. وتعتبر مصر من الاقتصادات المحدودة التي استطاعت أن تحافظ على فائض أولي على رغم التحديات والضغوط الصعبة التي يمر بها الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن في ظل الصدمات الخارجية المركبة التي يشهدها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير تقرير "ستاندرد أند بورز" إلى تحسن ملحوظ في مؤشرات الميزان الجاري للعام المالي الماضي، إذ حققت حصيلة الصادرات غير البترولية ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة 29 في المئة سنوياً في ضوء زيادة الصادرات من الأسمدة والأدوية والملابس الجاهزة. وسُجل فائض كبير على جانب الميزان البترولي بقيمة 4.4 مليار دولار، في ضوء التوسع في صادرات الغاز الطبيعي التي وصلت إلى 600 مليون دولار شهرياً خلال الفترة الماضية.
وحققت قناة السويس حصيلة تعتبر الأعلى تاريخياً، وصلت إلى سبعة مليارات دولار. وفي السياق، شهدت تحويلات المصريين العاملين في الخارج ارتفاعاً لتسجل نحو 32 مليار دولار خلال عام 2021. وارتفعت إيرادات قطاع السياحة بشكل ملحوظ خلال عام 2021 في ضوء تعافي القطاع الذي حقق حصيلة بلغت نحو 10.7 مليار دولار مع تنوع مصادر السياحة لتشهد تدفقات من أسواق جديدة.
كذلك، زادت حصيلة الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 71 في المئة لتحقق نحو 9.1 مليار دولار مقارنة بنحو 5.2 مليار دولار خلال العام المالي 2020- 2021، إضافة إلى تنوع مصادر الاستثمارات الأجنبية المتدفقة لعديد من القطاعات، وأهمها الصناعات التحويلية والتشييد والبناء والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
خفض العجز الكلي للموازنة مع تراجع الدين العام
وتسبب الهجوم الروسي على أوكرانيا بزيادات حادة في أسعار السلع الأساسية وتشديد الأوضاع النقدية العالمية. ما أدى إلى خروج رؤوس أموال بشكل كبير من الأسواق الناشئة بشكل عام ومنها السوق المصرية. ورجحت "ستاندرد أند بورز" عدم حدوث مزيد من التدفقات الرأسمالية الخارجة من السوق المصرية، نظراً لتحسن ظروف الاقتصاد الكلي، إضافة إلى زيادة تدفقات دول مجلس التعاون الخليجي إلى مصر واعتزام الحكومة المصرية جذب حصيلة تقدر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً على مدى نحو أربع سنوات كاستثمارات أجنبية مباشرة.
ولفت نائب وزير المالية للسياسات المالية والتطوير المؤسسي أحمد كجوك في بيان، إلى أن مؤسسة "ستاندرد أند بورز" أشادت في تقريرها وتحليلها بجهود الدولة المستمرة في تحسين بيئة تشغيل الأعمال التي تدعم النمو القوي والمستدام في المدى المتوسط بمصر، متوقفاً عند إشادة المؤسسة بخطة الدولة في استهداف زيادة دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي وزيادة مساهمته في جملة الاستثمارات.
وأشارت الوكالة إلى قرب إصدار وثيقة "سياسة ملكية الدولة" في شكلها النهائي بما يسهم في التأكيد على رغبة الدولة المصرية ومؤسساتها في تشجيع وجذب القطاع الخاص لزيادة استثماراته ووجوده القوى في السوق المصرية وزيادة مساهمته في النمو الاقتصادي بصورة قوية خلال الفترة المقبلة، إضافة إلى العمل على تعزيز بيئة المنافسة العادلة في السوق المصرية وخفض إجراءات التجارة والاستثمار وتبسيطها بما يسهم في جذب مزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية.
وأوضح كجوك أن وثيقة "سياسة ملكية الدولة" والإصلاحات المصاحبة لها تمثل خريطة طريق لزيادة دور ومساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي. وأشار إلى إمكانية أن تقوم المؤسسة بتحسين التصنيف الائتماني لمصر خلال الفترة المقبلة إذا ما كان التوسع الاقتصادي في مصر مرتفعاً وقوياً، وإذا ما كان برنامج الإصلاح المطبق خلال الفترة المقبلة قادراً على جذب مزيد من التدفقات الخارجية إلى البلاد وتحقيق انخفاض ملحوظ في مستويات الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي وضمان الحصول على تمويل خارجي مستدام في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
وتشير البيانات الرسمية إلى استمرار انضباط أوضاع المالية العامة في المدى المتوسط من خلال استهداف خفض العجز الكلي للموازنة العامة من دون مستوى أربع في المئة من الناتج المحلي بنهاية العام المالي 2026- 2027، مع الاستمرار في تحقيق فائض أولي يصل إلى 2 في المئة من الناتج المحلي مدعوماً باستكمال الإصلاحات الهيكلية على جانب المالية العامة وأهمها: استمرار جهود وزارة المالية في إجراءات المكننة وتوسيع القاعدة الضريبية، وتحسين الإدارة والسياسة الضريبية، بما يسهم في وضع الدين العام على مسار نزولي مجدداً ليصل إلى 75 في المئة من الناتج في نهاية يونيو (حزيران) 2027، وذلك من خلال إطالة عمر الدين إلى خمس سنوات في نهاية العام المالي 2026- 2027 ارتفاعاً من 1.3 في المئة في يونيو الماضي.