على رغم مرور أكثر من 150 عاماً على تحرير "العبيد" في الولايات المتحدة، فإن العبودية ما زالت موضع نقاش في الأوساط الأكاديمية والسياسية، خصوصاً وسط الزخم الشعبي ضد العنصرية وآثارها التي يرى نشطاء أنها متجذرة في القانون والمؤسسات الأميركية، وتتمظهر في أشكال مختلفة من بينها التفاوت في الخدمات التعليمية والصحية والقضائية المقدمة للأقليات.
وعلى رغم أن الكونغرس الأميركي وضع في عام 1865 ما اعتبر حينها المسمار الأخير في نعش العبودية بعد الموافقة على التعديل الـ13 في الدستور، فإن الولايات المتحدة ما زالت تواجه الآثار اللاحقة للاستثناء الذي تضمنه هذا التعديل الذي قنن شكلاً من أشكال العبودية استهدف نزلاء السجون من خلال العمل القسري.
وينص التعديل الـ13 في الدستور الأميركي وفقاً لنص مقدم من الخارجية الأميركية كالتالي "تحرم العبودية والخدمة الإكراهية إلا كعقاب على جرم حكم على مقترفه بذلك بحسب الأصول في الولايات المتحدة وفي أي مكان خاضع لسلطاتها".
وفيما يجبر السجناء على أداء بعض المهام داخل السجن مجاناً أو لقاء مقابل ضئيل، يعاقب أولئك الذين يرفضون العمل من خلال منعهم من إجراء المكالمات الهاتفية أو رؤية عائلاتهم، وقد يصل العقاب إلى الحبس الانفرادي، أو منعهم من الحصول على الإفراج المشروط، وفق "أسوشييتد برس".
خمس ولايات نحو التغيير
ودفع الاستثناء الوارد في التعديل الـ13 الذي يجيز العمل القسري في السجون خمس ولايات هي ألاباما ولويزيانا وفيرمونت وأوريغون وتينيسي إلى التفكير بتعديل دساتيرها الخاصة، إذ يملك الناخبون في تلك الولايات الفرصة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل لإلغاء تلك العقوبة عبر إقرار تعديل يمنع العبودية بجميع أشكالها.
وسيصوت الناخبون في ألاباما على تعديل المادة في دستور الولاية التي تنص على تحريم العبودية والخدمة الإكراهية أو السخرة إلا كعقاب على المجرمين المدانين، وسيكون النص الجديد في حال اعتماده كالتالي "تحرم العبودية في هذه الولاية، وتحرم الخدمة الإكراهية".
وفي ولاية فيرمونت التي تتباهى بأنها أول ولاية أميركية تحظر العبودية في عام 1777، سيصوت الناخبون على حذف الاستثناء. وسينص التعديل في حال الموافقة عليه بأن "جميع الأشخاص يولدون متساوين وأحراراً ومستقلين وينتفعون بمجموعة من الحقوق الطبيعية والمتأصلة وغير القابلة للتصرف، من بينها التمتع بالحياة والدفاع عنها، والحرية، والحق في الملكية وحمايتها، والسعي للسعادة والأمان، ولذلك تحظر العبودية والخدمة الإكراهية بجميع أشكالها".
وفيما لقيت هذه الخطوة ترحيباً من حاكم الولاية الجمهوري فيل سكوت، إلا أن العضو الديمقراطي في مجلس الولاية ديك ماكورماك، وهو صاحب التصويت الوحيد ضد مقترح تعديل الدستور، رفضها واعتبرها "رداً مخيباً للآمال على مطالب السود المشروعة". ودافع ماكورماك عن موقفه مشيراً إلى أن المقترح يجمل الدستور، من دون تغيير ملموس، كونه لا ينهي العمل القسري في السجون.
وتحتوي دساتير نحو 20 ولاية أميركية عبارات تجيز استخدام العبودية والعمل القسري كعقوبات جنائية. وأصبحت كولورادو في عام 2018 أول ولاية تزيل هذا البند القانوني عن طريق صناديق الاقتراع، وتلتها ولايتا نبراسكا ويوتا في 2020.
لكن هذه الحركة التي يقودها نشطاء على مستوى الولايات لإزالة آثار العبودية تباطأت في ولايات مثل كاليفورنيا، حيث رفض المجلس التشريعي الذي يقوده الديمقراطيون تعديلاً يلغي عقوبة السخرة، بعد مخاوف أبدتها إدارة حاكم الولاية غافين نيوسوم بأن التغيير قد يجبرها على صرف مليارات الدولارات للسجناء، وفقاً للحد الأدنى للأجور.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تعديل الدستور الأميركي
ويعد تحديث التعديل الدستوري الـ13 مهمة شاقة ومعقدة، كونها تتطلب موافقة من ثلثي الكونغرس، وثلاثة أرباع المجالس التشريعية للولايات، لكن المدافعين عن حقوق الإنسان يأملون في أن تولد جهودهم الأخيرة على مستوى الولايات زخماً كافياً لإحداث تغيير على المستوى الفيدرالي.
وطرح أعضاء ديمقراطيون في الكونغرس خلال السنوات الماضية مقترحاً لإزالة جملة الاستثناء من التعديل الـ13، كان آخرها العام الماضي، لكن جهودهم باءت بالفشل.
وقال السيناتور عن ولاية أوريغون جيف ميركلي الذي أعاد تقديم المقترح العام الماضي أمام الكونغرس "إن الثغرة في حظر دستورنا للعبودية لم تسمح فقط باستمرارها، ولكنها دشنت عهداً من التمييز والسجن الجماعي القائم ليومنا هذا". وأضاف "علينا إلغاء بند العبودية من دستورنا للوفاء بوعد أمتنا بتحقيق العدالة الجماعية".
لا تغيير ملموساً
ولن تؤدي قرارات الولايات بتعديل قوانينها إلى أي تغييرات فورية في صالح السجناء، لكنها قد تضع إدارات السجون أمام تحديات قانونية أثناء تطبيقها العمل القسري الذي بات علامة بارزة على رسوخ آثار العبودية في الدستور الأميركي.
ويطالب نشطاء بحذف الاستثناء الوارد في التعديل الـ13، كونه سمح باستغلال السجناء للعمل بالمجان، أو مقابل أجر ضئيل، ومهد لنظام عمل السجون المزدهر في الولايات المتحدة التي يوجد فيها أكبر عدد سجناء في العالم، حيث بلغ عددهم في عام 2020، نحو 2.3 مليون سجين.
وفي حال تصويت الناخبين ضد هذا الاستثناء الذي ربطه البعض بالعبودية، فإن ذلك لن يضع حداً للعمل القسري في السجون، ولكن يرى نشطاء أن هذه خطوة نحو تعزيز الدعم الفيدرالي وإحداث تغيير أشمل على المستوى الوطني.
معاناة مع العنصرية
إلى جانب موقف دستورها المتراخي من العبودية وآثارها تعاني الولايات المتحدة مما يتعارف عليه أكاديميون ونشطاء بـ"العنصرية المنهجية" التي يقصد بها تمييز القانون ومؤسسات الدولة ضد جماعات وأقليات معينة.
واعتبرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تعزيز المساواة العرقية ودعم الأقليات أحد أولوياتها، لتحقيق ما تعده "وعد أميركا الأساسي"، أي تكافؤ الفرص. وتقول الإدارة الأميركية إن العنصرية المنهجية في الاقتصاد والقوانين والمؤسسات أعاقت الأقليات من الحصول على فرص عادلة.
ودعا الرئيس بايدن في أعقاب عمليات إطلاق نار استهدفت أميركيين من أصول آسيوية العام الماضي إلى تغيير "القوانين التي تسمح بالتمييز" في بلاده، وهاجم ما وصفه بـ "السموم البشعة للعنصرية المنهجية وتفوق الجنس الأبيض" التي رأى أن الولايات المتحدة ابتليت بها منذ فترة طويلة.
وكان الرئيس الأميركي وقع العام الماضي على قانون ينص على اعتبار يوم 19 يونيو (حزيران) عطلة فيدرالية للاحتفال بذكرى نهاية العبودية في الولايات المتحدة عام 1865.