"يدخل لبنان مرحلة جديدة مختلفة بعد 31 أكتوبر (تشرين الأول)، علينا التهيؤ لها بما تحمله من معطيات جديدة وتحرك خارجي مكثف". بهذه العبارة يلخص أحد نواب "التيار الوطني الحر"، حزب رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي يكون قد انتقل إلى منزله في منطقة الرابية السكنية الفخمة على تلة مشرفة على الساحل والعاصمة شمال شرقي بيروت.
استنفار خارجي بعد الشغور الرئاسي
ويقصد النائب الفاعل إياه المقرب من عون والذي يعتمد مقاربة وسطية ومعتدلة للأزمة السياسية التي يشكل الفراغ الرئاسي بعد هذا التاريخ أحد عناوينها الرئيسة، خلافاً للتشدد الذي يظهره رئيس "التيار الحر" النائب جبران باسيل، أن المرحلة الجديدة بعد الشغور الرئاسي تحتم تحركات من نوع آخر لملء الفراغ سواء على الصعيد المحلي أو على الصعيد الخارجي. وهو يدعو إلى ترقب سلسلة خطوات سيشهدها الأسبوع المقبل، تخرج من إطار لعبة عضّ الأصابع حول تشكيل الحكومة، وتهدف إلى عدم إطالة فترة الشغور الرئاسي. ويتفق المراقبون وبعض الجهات الدبلوماسية الأجنبية مع هذه القراءة من خلال مؤشرات برزت في الأيام العشرة الأخيرة.
أكثر من مصدر دبلوماسي أجنبي اعتبر أن ولوج لبنان حال الشغور في الرئاسة الأولى، والمتوقعة قبل وبعد عقد البرلمان أربع جلسات لانتخاب الرئيس، كان آخرها في 24 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري من دون أن يحصل أي اختراق في انتخاب الرئيس الجديد، سيستنفر القوى الخارجية، سواء من أجل الضغط لملء هذا الفراغ في سرعة، أو كما يتوقع البعض، أن تنزل دول كبرى ومؤثرة بثقلها من أجل للتوصل إلى تسوية على اسم الرئيس المقبل، على رغم أن ممثلي هذه الدول المعنية بلبنان الأجنبية والعربية، تنفي أي نية لديها للدخول في لعبة الأسماء تاركة الأمر لتسوية بين الفرقاء اللبنانيين، تفادياً لحرق أصابعها في مسألة تعود إلى خيارات الكتل النيابية في البرلمان.
البابا فرنسيس وماكرون على خط جهود احتواء التأزم
ويربط الوسط الدبلوماسي والمراقبون السياسيون بين جملة تحركات يمكن أن تؤسس لخطوات ما بعد حصول الفراغ. آخر هذه التحركات هي زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الفاتيكان ولقائه البابا فرنسيس، ثم أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين، ووزير الخارجية الأسقف بول ريتشارد غلاغار. وإذ أفادت المعلومات الرسمية بأن البحث تناول الوضع في لبنان، إضافة إلى قضايا أخرى كالحرب في أوكرانيا ومسائل فرنسية داخلية للكنيسة موقف منها مثل التحضيرات القانونية لقبول السلطات الفرنسية بالموت الرحيم. وينتظر أن تلي هذه الزيارة، زيارة أخرى يقوم بها أمين سر مجلس الكنائس الشرقية في الفاتيكان الكاردينال ليوناردو ساندري، أواخر الأسبوع الجاري، إلى بيروت مستبقاً الفراغ بيومين أو ثلاثة. ولا يرى المتابعون لتحرك الكرسي الرسولي في موقف الفاتيكان، سوى السعي المبكر للضغط من أجل إنهاء الفراغ في سرعة.
كولونا وبلينكن: تطابق حيال لبنان
ويتحدث المتابعون أنفسهم عن تنسيق فاتيكاني فرنسي أميركي سعودي استناداً إلى جملة وقائع يمكن سردها كالآتي:
الزيارة التي قامت بها وزيرة خارجية فرنسا كاترين كولونا إلى واشنطن، وبحثت مع نظيرها الأميركي أنطوني بلينكن الأزمة اللبنانية إضافة إلى أوكرانيا وأزمة الطاقة ومصير الاتفاق على النووي مع إيران، أي أن محادثات ماكرون في الفاتيكان تستند إلى آخر معطيات المقاربة الأميركية - الفرنسية المشتركة، لأن التقارير الدبلوماسية الواردة حول محادثات واشنطن أفادت بأن تقييم الجانبين متطابق بأن لبنان لا يمكنه أن يتحمل الفراغ الرئاسي مجدداً بفعل تفاقم أزمته المالية الاقتصادية وانعكاساتها المعيشية المقلقة. ومحادثات كولونا في واشنطن في 21 أكتوبر جاءت بعد أسبوع على زيارتها بيروت في 13 و14 أكتوبر من أجل الحض على انتخاب الرئيس قبل انتهاء المهلة الدستورية، ودعت القادة اللبنانيين إلى تحمل مسؤولياتهم أمام الاستحقاق الرئاسي.
وكان الجانب الفرنسي يميل سابقاً إلى الوفاء بالاستحقاق كائناً من كان الرئيس، لكنهم عادوا فعدلوا عن هذه النظرية وباتوا يدعون إلى انتخاب رئيس قادر على محاورة اللبنانيين كافة وعلى تسريع الإصلاحات المطلوبة ولا يكون منحازاً.
زيارة بخاري إلى باريس ومؤتمر على الطائف
وسبقت زيارة ماكرون إلى الفاتيكان أيضاً زيارة للسفير السعودي في لبنان وليد بخاري إلى الخارجية الفرنسية حيث أفادت معطيات دبلوماسية من العاصمة الفرنسية بأنه إضافة إلى البحث في اتفاقات جديدة لتنفيذ مساعدات إنسانية في إطار الصندوق المشترك الفرنسي - السعودي للمساعدات الإنسانية الذي أنشئ قبل أشهر، تناولت اللقاءات الفرنسية مع بخاري موضوع الاستحقاق الرئاسي والخطوات الممكنة من أجل الإسراع في إنهاء الشغور المرتقب. وإذ سبقت المحادثات الفرنسية - السعودية زيارة ماكرون إلى الفاتيكان، فإن زيارة بخاري لباريس تمت بعد أن قام بسلسلة تحركات في بيروت، فاجتمع إلى كل من عون ورئيسي البرلمان نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي في سياق التشديد على انتخاب الرئيس في الموعد الدستوري، ومن أجل تدارك سلبيات الفراغ الرئاسي منعاً لإطالة أمد الفراغ الرئاسي. ويجري السفير بخاري في بيروت سلسلة اتصالات وتحركات للحض على انتخاب رئيس للجمهورية وثم اختيار رئيس لحكومة العهد الجديد يكونان "بعيدَين من الفساد السياسي والمالي" ويعملان على منع تحويل لبنان ساحة تنطلق منها الأعمال العدائية للدول العربية عموماً والخليجية خصوصاً، ويلتزمان تطبيق اتفاق الطائف. ويرعى السفير بخاري في بيروت، في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل مؤتمراً حول اتفاق "الطائف" لمناسبة الذكرى الـ 33 على التوصل إليه في العام 1989 في مدينة "الطائف"، يكون المتحدث الرئيس فيه الوسيط العربي المكلف من الجامعة العربية آنذاك الأخضر الإبراهيمي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتتمسك الرياض في البيانات المشتركة كافة، التي تصدر عنها وعن الجانبين الأميركي والفرنسي، بتنفيذ مندرجات "الطائف" وعدم تعديله أو الانتقاص من بنوده، إزاء محاولات تغيير النظام السياسي اللبناني، لمخاطر ذلك على العيش المشترك. وتخشى الدول الخليجية من توجه إلى تعديل التوازنات التي أرساها "الطائف" عبر بعض القوى السياسية الطامحة إلى تعديلات دستورية تحت ستار إدخال تحسينات عليه، مع أن هذه القوى تزعم أنها تريد الحفاظ على الاتفاق، بينما تسعى إلى رئيس للجمهورية يقبل معها بتعديله.
"محرك" دولي لإنهاء الفراغ وفرونتسكا في الرياض
الزيارة التي قامت بها المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان وممثلة الأمين العام يوانا فرونتسكا إلى الرياض في 23 أكتوبر، حيث أعلنت أنها "ممتنة للمناقشات البناءة والمعمقة التي أجرتها في السعودية مع وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير ونائب وزير الخارجية المهندس وليد بن عبد الكريم الخريجي". وقالت فرونتسكا "تبادلنا الآراء حول الوضع في لبنان والمنطقة وأكدنا أهمية الحفاظ على سلام لبنان وأمنه واستقراره". وتلعب فرونتسكا دوراً نشطاً في التواصل مع الفرقاء اللبنانيين ومع الدول المعنية بلبنان، وهي تنسق اجتماعات "مجموعة الدعم الدولية للبنان" التي تضم الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن ودولاً أوروبية أخرى والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية.
وعلمت "اندبندنت عربية" أن لقاءات فرونتسكا تتم وفق اتفاق دولي على ضرورة إيجاد "محرك" يتولى السعي إلى إنهاء الفراغ الرئاسي في سرعة. وتتوقع مصادر المعلومات زيارات دولية من أجل الحض على انتخاب رئيس للجمهورية وإنهاء الفراغ الرئاسي بعد حصوله. كما توقع مراقبون للتحرك الخارجي من أجل تدارك الفراغ أن يكون للقمة العربية التي ستنعقد في الجزائر في الثاني من نوفمبر (يرأس وفد لبنان إليها رئيس حكومة تصريف الرئيس ميقاتي إذ يكون الرئيس عون قد غادر الرئاسة)، غداة حصول الفراغ الرئاسي، موقف يشدد على تسريع انتخاب الرئيس الجديد، بحيث تتداخل الضغوط الدولية والعربية في هذا الصدد، لتشكل ما يسميه مصدر دبلوماسي عربي "شبكة أمان" حول لبنان، تحول دون المزيد من التدهور في أوضاعه الاقتصادية المعيشية التي تزداد سوءاً وتدفع الفرقاء فيه إلى تسريع إنهاء الفراغ.
بري وعد باجتماع حواري لملء الفراغ
وتتقاطع هذه الوقائع مع ما تسميه أوساط دبلوماسية أجنبية "الدينامية الجديدة" التي خلقها اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، والذي يتوقع التوقيع عليه من قبل كل من الدولتين في شكل منفرد مع الولايات المتحدة الخميس المقبل في 27 أكتوبر، بعد أن يسلم نصه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين للجانب اللبناني في 26 أكتوبر. فالدينامية الجديدة تقوم على حفظ الاستقرار الإقليمي.
وتشير معطيات الأوساط الدبلوماسية إياها إلى أن لقاءات ممثلي الدول المعنية بتسريع انتخاب رئيس للجمهورية في بيروت، ولا سيما مع رئيس البرلمان نبيه بري انتهت إلى تأكيد الأخير نيته التحرك في اليوم الأول بعد انتهاء عهد الرئيس عون من أجل الدعوة إلى اجتماع حوار وطني بين الفرقاء اللبنانيين الممثلين في المجلس النيابي من أجل التفاهم على المرحلة المقبلة، والسعي إلى الاتفاق على اسم رئيس الجمهورية المقبل، كي ينفذ مجموعة مبادئ وحلول للأزمة اللبنانية من النواحي السياسية التي تستند إلى تنفيذ اتفاق "الطائف"، والاقتصادية والإصلاحية، التي باتت معروفة على أنها شروط لصندوق النقد الدولي وللمجتمع الدولي، من أجل مساعدة لبنان ومده بالسيولة المالية.
وأكد أكثر من مصدر سياسي أن بري، متسلحاً بالضغوط الدولية الداعية لتكوين السلطة مع نهاية عهد الرئيس عون، قطع شوطاً في تحديد أسماء ممثلي القوى السياسية والنيابية التي ستتم دعوتها للاجتماع، على أمل أن يتحدد موعده في فترة زمنية لا تتخطى الأيام بعد 31 أكتوبر. كما أن رئيس البرلمان سيتسلح أيضاً بالضغط الشعبي لأجل تسريع إنهاء الفراغ الرئاسي.