في عام 2011 أصدرت الجامعة العربية قراراً تاريخياً خاصاً بليبيا، ساند ثورتها الشعبية التي اندلعت في فبراير (شباط) لإسقاط نظام معمر القذافي بعد أربعة عقود من حكمه البلاد، ومهد الإجماع العربي آنذاك للتدخل الدولي وحماية المدنيين في بنغازي من بطش النظام، وكانت تلك المرة الأولى والأخيرة التي يرتكز فيها القرار الدولي على توصيات الجامعة وقراراتها في الملف الليبي.
طوال العقد التالي، وبعد تعقد الملف الليبي ونشوء ما عرف لاحقاً بالأزمة الليبية بتفاصيلها التي ارتبط فيها النزاع المحلي بالتدخلات الخارجية تراجع دور الجامعة العربية تماماً، وفشلت في إحداث أي تأثير ملموس لحل هذه الأزمة، على الرغم من أهميتها وتداعياتها الخطيرة على عدد من أعضائها البارزين، مثل مصر والجزائر وتونس وبشكل أقل السودان.
بداية مؤثرة وتراجع ملحوظ
تمثلت قرارات الجامعة العربية التي كانت بداية العزلة الدولية لنظام معمر القذافي عام 2011 في فتح قنوات اتصال مع المعارضة الليبية ممثلة في المجلس الوطني الانتقالي، وسارعت إلى تجميد عضوية ليبيا في الجامعة للضغط على نظام القذافي، لتبدأ بعدها مرحلة تراجع دورها في ليبيا، تاركة فراغاً كبيراً فتح المجال أمام دول عربية وأجنبية لسد ذلك الفراغ، وبات تأثيرها لا يتعدى بيانات استنكار وتنديد ووعيد من دون فاعلية على الأرض.
بؤرة نزاع دولي
في سياق متصل، يربط أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية جمال الشطشاط، تراجع دور الجامعة العربية بعد عام 2011 في ليبيا بنقطتين أساسيتين "انقسام أعضائها في شأن هذا الملف وتحوله إلى بؤرة نزاع دولي بين قوى كبرى على رأسها الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، هذا النزاع جعل الجامعة العربية عاجزة عن إحداث أي اختراق للأزمة الليبية، واقتصر دورها على إصدار بيانات الدعم للمبادرات الدولية، التي تأكد تماماً أنها لا تسمن ولا تغني من جوع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
محاولة لاستعادة التأثير
ومع وصول الأزمة الليبية إلى أكثر مراحلها خطورة وتعقيداً بين عامي 2015 و2019، سعت الجامعة لاستعادة دورها المفقود في هذا الملف بضغط عدد من الأعضاء المتضررين من تعقد الأوضاع الليبية، فعملت على إثبات وجودها في الملف الليبي من خلال تنسيق وتأطير المبادرات الفردية للدول الأعضاء، بحيث يتم بحث تلك المبادرات وتنفيذها تحت إشراف الجامعة.
معضلة التدخلات الخارجية
أتت نتائج التحرك الجديد للجامعة العربية في ملف أزمة ليبيا بين عامي 2016 و2019 مخيبة للآمال، وكانت محصلة الجهود الدبلوماسية المضنية للجمالي لوقف النزاعات المسلحة والانقسام السياسي، التي كانت على أشدها وقتها، صفرية تماماً، وكان العامل الأبرز في ذلك حدة التدخلات الخارجية التي صعبت كثيراً مهمته الصعبة أصلاً، بحسب تصريحات له قبل أشهر من وفاته.
استسلام للواقع المرير
بعد خمسة أشهر من هذا التصريح، توفي صلاح الدين الجمالي وبدا وكأن موته كان دلالة رمزية على موت الدور العربي لحل الأزمة الليبية، حتى إن الجامعة العربية لم تكلف بعده مبعوثاً جديداً إلى ليبيا، التي أصبح ملفها بالكامل في يد الأمم المتحدة، وتحت رحمة كبارها المتنازعين على تقاسم المصالح فيها.
آمال ضئيلة
ومع اقتراب موعد القمة العربية الجديدة في الجزائر مطلع الشهر المقبل، التي تتزامن مع عودة الانقسام الليبي بين حكومتين في بنغازي وطرابلس، وتعزيز تركيا نفوذها في ليبيا بتوقيع اتفاقية جديدة مع حكومة الوحدة في طرابلس، برئاسة عبدالحميد الدبيبة، الذي وتر من جديد العلاقة المضطربة منذ سنوات بينها وبين القاهرة، يبقى السؤال ماذا يمكن أن تضيف هذه القمة لليبيا أو كيف يمكن أن تقدم لها الدعم لتجاوز أزمتها الطاحنة؟
يرى الصحافي الليبي محمد الكواش، أن "القمة العربية يمكن من الآن توقع ما ستصدره في شأن الملف الليبي، الذي لن يتعدى حث كل الأطراف على الركون إلى التهدئة والالتزام بالقرارات الدولية والاتفاقات الموقعة بينها سابقاً". ويضيف "في العامين الماضيين شهدنا إجماعاً عربياً على دعم المسار التفاوضي الذي ترعاه الأمم المتحدة، الذي لم يعد ممكناً حتى في قمة الجزائر، بعد أن حدث في الاجتماع الأخير الذي انعقد على مستوى وزراء الخارجية بالقاهرة وانسحاب الوفد المصري أثناء إلقاء وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، كلمتها في الجلسة التي ترأستها واعترضت مصر على رئاستها لها".