لا يزال الإجهاض من بين المواضيع المثيرة للجدل خاصة في المجتمعات المبنية على التنوّع والاختلاف الديني، إذ دائماً ما نجد انقساماً حول مسألة تشريع تخلص الأم من جنينها أو تحريم ذلك.
وفي حين بدأت الحكومة الفرنسية مناقشات لإتاحة الإجهاض كحق دستوري، تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن بوضع قانون يكرس حقوق الإجهاض في جميع أنحاء الولايات المتحدة على رأس أولوياته، في حال انتصر الديمقراطيون في معركتهم الشاقة للسيطرة على الكونغرس في انتخابات التجديد النصفي الوشيكة.
أما في لبنان، فيحظر القانون الإجهاض ولا يسمح بـ"الإجهاض العلاجي" إلا وفق شروط محددة كما يتعرّض الأطباء إلى الملاحقة والمعاقبة.
المفهوم العلمي
في هذا السياق، توضح الدكتورة المتخصصة في طب النساء والتوليد، الدكتورة فدى قطّان أن "الإجهاض بمفهومه العلمي هو إسقاط الحمل خلال الأسابيع الـ20 الأولى، فإذا حصل أي توقف للنبض أو النمو أو أي نزيف خلال تلك الأسابيع، فهذا يعرف بالإجهاض، أما بعد الـ 40 أسبوعاً، فيعد ذلك ولادة مبكرة وليس إجهاضاً، كل حمل في بدايته مهدد بالإجهاض بمعدل 15 في المئة، من بعد الأسبوع الثامن أي عندما يظهر النبض، تنخفض النسبة إلى حوالى ثلاثة في المئة من نسبة معدل الحمل العام".
أنواع الإجهاض
وتتعدد أنواع الإجهاض بحسب قطان، إذ تشير إلى أن "النوع الأول هو الإجهاض التلقائي أي عندما يتوقف الحمل عن النمو أي يصبح هناك نوع من النزيف ليخرج الجنين من جسد المرأة بشكل طبيعي، وفي هذه الحالة يمكن أن يكون إجهاضاً كاملاً أو غير كامل، أي إن هناك أجزاء من المكونات عالقة في الرحم وعندما لا يتم التنظيف بشكل صحيح يمكن اللجوء إلى الدواء أو إلى عملية الكورتاج لتنظيف هذا الجزء، وهناك نوع آخر من الإجهاض التلقائي بحيث يتوقف الحمل، ولكن المريضة لا تشعر بأي عوامل ولا ترى الدماء، أما النوع الآخر فهو الإجهاض المهدِد، وفي هذه الحالة تنزف المرأة ويكون هناك احتمال أن يحصل الإجهاض أو لا يحصل، وهناك الإجهاض الذي لا يمكن تجنبه وهو عندما يكون عنق الرحم موسعاً، بالتالي لا بد من الإجهاض، نوع إضافي هو الإجهاض المتكرر أي عندما يتكرر مرات عدة وهناك خطورة على المرأة من الالتهابات وخطر على الجنين إذا أرادت أن تحمل، وهناك أيضاً الإجهاض العلاجي أي عندما يكون هناك خطر على حياة الأم التي تعاني من أمراض مزمنة كأمراض القلب، بالتالي يبرر هذا النوع من الإجهاض لأن صحة الأم وحياتها تتقدمان على حياة الجنين، أما الأكثر خطورة فيبقى الإجهاض المتعمد أي عندما يصبح هناك حمل ولا تكون هناك رغبة بذلك، فيتم اللجوء إلى تلك الوسيلة، الأمر الذي يثير كثيراً من علامات الاستفهام".
أما بالنسبة إلى التدخل الطبي أي في حال حصل الإجهاض تلقائياً "نضطر لأن نعطي الأدوية أولاً لكي لا نلجأ إلى العملية الجراحية، ولكن لا نتدخل جراحياً إلا في حالة النزيف، بالتالي يصبح تنظيف الرحم أو الكورتاج إجبارياً وهذا يحتاج إلى بنج عام واستخدام أجهزة طبية معينة داخل المستشفى".
التداعيات الصحية
وعن التداعيات الصحية، تقول الطبيبة قطان إن "الإجهاض بحد ذاته يشكل نوعاً من الأزمة النفسية عند المرأة أي إن كثيراً من النساء يعانين نفسياً من هذا الموضوع، وهنا نشرح لهن بأن ذلك يحصل بنسب كبيرة أي نسبة 15 في المئة ومعظم الحالات يكون سببها خلل تكويني، لذا لا يستمر الحمل ولا يكتمل، بالتالي هذا أهم سبب للإجهاض، أما في حال كان النزيف قوياً، فيجب أن تلجأ فوراً إلى المستشفى ولا يجب أن تهمل نفسها ولا تتأخر".
وتشرح قطان أن "إجراء عملية الكورتاج مثل أي عملية، لها مضاعفاتها، ولكن أيضاً مثل أي جراحة هناك ضرورة لإجرائها، إلا أن إجراء الجراحة بشكل متكرر يؤذي الرحم فأحياناً يتسبب بجرح الطبقة الداخلية أو إلى ظهور الالتصاقات، مما يعرض الجنين المقبل للخطر كما يعرض المرأة لحدوث التهابات بخاصة إذا أجرت عملية الإجهاض في عيادات خاصة لأن أغلبها مخالف للقانون وهي ممنوعة في معظم المستشفيات".
وزادت "نحن نوضح للمرضى أنه لا يجب التهاون بأساليب منع الحمل"، لافتةً إلى أنه "لا يجب اللجوء إلى الأدوية المتعارف عليها إلا وفق تقرير طبي يعطى فقط للحالات التي يكون فيها الحمل متوقفاً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الإطار القانوني
في لبنان، يحظر القانون الإجهاض ولا يسمح بـ"الإجهاض العلاجي" إلا وفق شروط، ويعاقب القانون الدعوة إلى الإجهاض (المادتان 539 و209 من قانون العقوبات)، أما المرأة التي تطرح نفسها بوسائل تستعملها هي أو يستعملها غيرها برضاها، فتعاقَب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات (المادة 541 من قانون العقوبات)، كما يتعرض الأطباء بحسب القانون إلى الملاحقة والعقاب، فقد نصت المادة 542 من قانون العقوبات على أنه "مَن أقدم بأي وسيلة كانت على تطريح امرأة أو محاولة تطريحها برضاها، عوقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات".
من جهة أخرى، ترى إحدى الناشطات في لبنان أنه "أولاً، علينا أن ننظر إلى الأسباب التي أدت إلى إقدام المرأة على اتخاذ قرار الإجهاض، فإما الحمل يهدد حياتها الصحية أو الاجتماعية (كقضية الشرف) أو لأسباب تحديد النسل"، لافتةً إلى أن "قوانين الإجهاض في الدول العربية تعد الأقسى، إذ لا يوجد لدينا إجهاض علاجي ينظر إلى وضع المرأة الصحي على الأقل".
وتلفت إلى أن "هناك عدة مقاربات للموضوع، فمن منظار حقوق الإنسان للمرأة الحرية المطلقة بتحديد مصير جسدها، أما في الأديان، فالدين المسيحي يحرم الإجهاض نهائياً، أما في الدين الإسلامي فكانت هناك نافذة في العهد العثماني، إذ سمح بالإجهاض خلال مدة الأربعة أشهر قبل أن تنفخ الروح إلا أنه سرعان ما قامت الدولة العثمانية بتعديله، إذ اتبعت التشريع الفرنسي أي بغض النظر عن عمر الجنين يمنع الإجهاض منعاً باتاً".
حق أساس أم قتل روح؟
وتؤكد المتحدثة ذاتها أنه "من الضروري ألا يكون الإجهاض معاقَباً، بل مقنَناً ويسمح بالاختيار منعاً لتعريض الحياة للخطر، بالتالي يجب حماية وتنظيم هذا الموضوع بطريقة تحمي المعنيين من الاستغلال، إذ غالباً ما تتم المتاجرة بالأجنة إضافة إلى استخدام مبدأ العار والشرف لتبرير الجرائم في حال كان الحمل يهدد حياة الأم". وترى الناشطة النسوية أنه "يجب النظر إلى منظومة الأخلاق من منظار عالمي، ويجب وضع سياسات تكون مبنية على التوعية الجنسية والصحية الآمنة.
وفي المقابل، لدى المرأة الحق بتقرير مصيرها على أن يكون ذلك ضمن الأطر الأخلاقية، إذ لا يجب أن تقدم على الإجهاض من دون أن يكون هناك سبب مقنع صحي وطبي بالدرجة الأولى، كما لا يجب ربط هذا الموضوع بالشرف أو النظر إلى المرأة بطريقة دونية، بالتالي فإن التوعية بالحقوق الجنسية ليست دعوة إلى الفجور إنما هي دعوة للحماية الصحية والمجتمعية".