خلف ريشي سوناك ليز تراس بوصفه أحدث رئيس وزراء للمملكة المتحدة، فدخل مقر رئاسة الوزراء الثلثاء بتنبيه خطير إلى أن بريطانيا في خضم "أزمة اقتصادية عميقة".
وفي معرض حديثه أمام المقر، قال إن هناك "قرارات صعبة مقبلة"، في إشارة واضحة إلى أن زيادات في الضرائب وتخفيضات في إنفاق القطاع العام ستُعلَن في الخطة المتوسطة الأجل الخاصة بالمالية العامة التي يضعها جيريمي هانت، والمقرر الآن تقديمها الخميس في 17 نوفمبر (تشرين الثاني).
ذلك أن السيد هانت، الذي جاءت به السيدة تراس في 14 أكتوبر (تشرين الأول) ليحل محل كواسي كوارتنغ الذي أقيل على عجل، يجب عليه العثور على مبلغ يصل إلى 40 مليار جنيه استرليني (46.5 مليار دولار) لملء ثقب أسود عملاق في الموارد المالية الوطنية نتج من جائحة "كوفيد-19"، وإلى حد ما عن "الميزانية المصغرة" التي كُشِف عنها خلال عهد التحالف القصير الأجل في شكل مضحك بين تراس وكوارتنغ وأثارت ذعر الأسواق العالمية وتسببت بفوضى خلال الشهر الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح السيد سوناك في خطابه أنه مستعد لفرض تدابير تقشفية لموازنة الحسابات، معلناً ما يلي: "لن تترك الحكومة التي أتولى قيادتها الجيل المقبل، جيل أولادكم وأحفادكم، يتحمل ديناً يجب تسديده وكنا نحن أضعف من أن نسدده بأنفسنا".
ووعد باحترام تعهدات المحافظين بتحقيق "هيئة أقوى لخدمات الصحة الوطنية، ومدارس أفضل، وشوارع أكثر أمناً، وسيطرة على حدودنا"، وبأداء دور نشط في "حماية بيئتنا، ودعم قواتنا المسلحة، وتحقيق المساواة، وبناء اقتصاد يحتضن الفرص المترتبة على بريكست، حيث تستثمر الشركات وتبتكر، وتولّد فرص عمل".
وإذ أقر بالشكوك الوطنية في شأن ارتفاع تكاليف المعيشة، قال السيد سوناك: "أقدر تماماً مدى صعوبة الأمور. وأفهم أيضاً أن علي العمل على استعادة الثقة بعد ما حدث كله. ما أستطيع قوله كله هو أنني لست خائفاً".
واستجابت الأسواق بحرارة حتى الآن لتنصيب السيد سوناك رئيساً جديداً لوزراء بريطانيا، لكن لا يزال علينا أن نرى ما إذا كانت عامة الناس ستثق به في إصلاح اقتصاد كان هو ذاته مسؤولاً عنه لمدة سنتين ونصف السنة بوصفه وزير المالية في عهد بوريس جونسون – خلال ظروف الإغلاق التي يجب الاعتراف بأنها كانت استثنائية ومليئة في شكل استثنائي بالتحديات.
وثمة سؤال حاد سيكون مضطراً إلى الإجابة عليه، على رغم تعهده بتطبيق حوكمة "متعاطفة"، ويتلخص السؤال في ما إذا كان هو، المؤيد الغني جداً لبريكست والمصرفي السابق الذي تلقى تعليمه الجامعي في مقابل أقساط باهظة، سيتمكن فعلاً من فهم مشكلات الناس الفقراء المضطرين إلى الاختيار بين تدفئة منازلهم وتناول الطعام هذا الشتاء.
من الواضح أن تصحيح الاقتصاد يجب أن يكون على رأس أولويات السيد سوناك خلال رئاسته للوزراء، إذ يخشى كثير العودة إلى برنامج التقشف الفاقد للصدقية الذي يعود إلى عهد جورج أوزبورن.
مثلاً، أعلنت الوزيرة الاسكتلندية الأولى نيكولا ستيرجن بالفعل أن ما تخشاه هو "عرض مرعب" من التخفيضات التي تُفرَض على بلادها من قبل زعيم محافظ آخر في لندن من دون تفويض من الناخبين.
وعلى نحو مماثل، نبه توني دانكر، المدير العام لاتحاد الصناعة البريطاني، السيد سوناك إلى ضرورة تجنب "الحلقة المفرغة" المؤلفة من زيادات ضريبية وتخفيضات تقشفية في إنفاق القطاع العام.
والثلاثاء قال لبرنامج "توداي" الذي يبثه "راديو 4" التابع لـ"هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي): "فلنتذكر أن العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين بدأ ببعض التقشف وتلاه نمو ضعيف جداً، أليس كذلك؟ لم تكن تلك الاستراتيجية ناجحة في ما يخص النمو".
وعن بيان السيد هانت المرتقب في الخريف، أضاف السيد دانكر: "إذا حصلت زيادات في الضرائب وتخفيضات في الإنفاق ولم يحصل شيء لمصلحة النمو، قد تنتهي الحال بالبلاد إلى حلقة مفرغة مماثلة حيث يتعين كل عام البحث عن مزيد من الزيادات الضريبية ومزيد من التخفيضات الإنفاقية لأن أي نمو لم يتحقق".
وصدر تقييم صارخ لما قد ينتج من ذلك عن الخبير الاقتصادي في القلب التجاري للندن توماس بو العامل لدى "آر أس أم"، فهو حذر الاثنين من أن تعهد رئيس الوزراء الجديد بالمسؤولية المالية العامة لن يعني سوى مزيد من التقشف، الذي يهدد، مقترناً بأزمة تكاليف المعيشة، بالتسبب في ركود أطول مما كان متوقعاً بالفعل، حتى إذا نجح في خفض معدل التضخم من أعلى مستوى له منذ 40 سنة المسجل الآن وحد من الحاجة إلى مزيد من الإجراءات من جانب بنك إنجلترا في شأن معدلات الفائدة.
وقال السيد بو: "في الوقت الحالي، ستراقب الأسواق المالية رئيس الوزراء الجديد عن كثب وسترغب في رؤية الأدلة التي تؤكد اعتزامه التمسك برسالة الانضباط المالي العام التي طرحها في حملته السابقة لتولي رئاسة الوزراء.
"فأي علامات تشير إلى الانحراف عن مسار الانضباط المالي من المرجح أن تؤدي إلى إصابة الأسواق المالية بالذعر مرة أخرى وإلى انخفاض آخر في قيمة الجنيه وارتفاع في عوائد السندات".
من السابق لأوانه أن نجزم على وجه التحديد بالخطوات التي سيتخذها السيد سوناك رئيساً للوزراء في ما يتصل بأمور مثل التأمين الوطني أو مستقبل تجميد سقف أسعار الطاقة.
لكن حتى بعدما أبطل السيد هانت مبادرات خفض الضرائب الواردة في ميزانية تراس -كوارتنغ المصغرة كلها تقريباً، لا تزال تلك الثغرة المشؤومة الواقعة في قلب الموارد المالية البريطانية تلوح في الأفق.
ومن المرجح أن يكون خفض الإنفاق الحكومي تأكيداً رئيسياً مبكراً، إلا أنه يجازف بإطلاق شرارة معارك محتملة مع نواب محافظين لا يرغبون في مواجهة مزيد من التخفيضات في الميزانيات في دوائرهم.
وقد يكون الإنفاق الدفاعي من مستهدفات الخفض، إذ بدا وزير المالية السابق ميالاً إلى الإبقاء عليه عند اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي حتى عام 2030 خلال حملته لتولي القيادة، بدلاً من رفعه إلى ثلاثة في المئة كما اعتزمت السيدة تراس أن تفعل، وهي خطوة من شأنها أن توفر مبلغاً يُقدَّر بحوالى 157 مليار جنيه في الفترة الانتقالية الفاصلة عن عام 2030.
لكن هذا من شأنه أن يخلف في نهاية المطاف أثراً سلبياً في التزام بريطانيا المستمر بدعم أوكرانيا الذي يحظى بشعبية لكن ذي التكاليف العالية.
وقد يميل السيد سوناك أيضاً إلى تقليص المشاريع الكبرى في مجال البنية التحتية، على رغم أن مخالفة الوعود المقطوعة بتطوير قطاع الاستشفاء وخطوط السكك الحديد – مع معاناة هيئة الخدمات الصحية الوطنية من ضغط والتلويح المستمر لعاملي القطارات بالإضراب – ليس من المرجح أن تسفر عن حكومة شعبية ومستقرة.
وكما أشار السيد دانكر، لن يكون كبح الإنفاق وحده كافياً لإعادة بريطانيا إلى الصحة الاقتصادية الواضحة، لذلك سيكون مطلوباً من السيد سوناك أيضاً أن يردد صدى دعوة السيدة تراس إلى "النمو، النمو، النمو" حتى ولو شجع على النمو بطريقة مختلفة تماماً (وهذا ما يُنصَح بفعله حقاً).
وقد يتخذ ذلك شكل دعم سياسات مثيرة للجدال أبدى السيد سوناك في وقت سابق فتوراً إزاءها، مثل التصديع المائي (الذي يحظى بشعبية في يمين حزبه)، أو تقليص الإصلاحات البيئية، أو تخفيف قواعد التخطيط، بصرف النظر عن العواقب البعيدة الأجل المترتبة على ذلك.
وأياً كان ما قد يحدث بعد ذلك، من المؤكد أن شون أوغرايدي، الكاتب في "اندبندنت"، كان محقاً حين حذر من أن رئيس الوزراء الجديد لا يمثل حقاً انفصالاً عن الماضي أو بداية جديدة ذات مغزى.
فالكاتب يجادل قائلاً: "لم تكن التخفيضات التي سيفرضها قريباً سوناك وجيريمي هانت على الأمة ناجمة عن اتجاهات عالمية فحسب، بل وأيضاً عن الضرر الذي أنزلته بريطانيا بنفسها نتيجة لبريكست.
"وهي مستمدة أيضاً من الأخطاء التي ارتكبتها حكومات المحافظين لأكثر من عقد: من خفض أوزبورن الإنفاق على البنية التحتية، إلى الهدر والاحتيال أثناء كوفيد (تحت ناظري سوناك)، إلى ميزانية تراس المصغرة الكارثية".
© The Independent