تعد أفريقيا من أكثر القارات التي تتعرض لآثار سلبية، بل لمخاطر وجودية، بسبب ظاهرة الاحترار العالمي أو التغير المناخي، ففي الوقت الذي يشكل فيه ذوبان الجليد عند خطي القطب الشمالي فتح فرص هائلة أمام الاستثمار الزراعي لدول الشمال، فإنه ينتج ظاهرتي الجفاف والفيضانات وتقلبات في معدلات تساقط الأمطار، وهي الظاهرة المنتشرة في إقليمي حوض النيل وشرق أفريقيا على وجه الخصوص.
في هذا السياق جرى التعامل مع ظاهرة التغير المناخي مهدداً أمنياً للبشرية من جانب الأمم المتحدة منذ أكثر من عقد، حيث تنعقد مؤتمرات المناخ برعاية أممية واهتمام بكل تداعياتها على جميع الصعد، بينما يتصاعد الإدراك الإقليمي والعالمي في شأن التداعيات الأمنية لظاهرة التغير المناخي، من حيث مساهمتها في نشوء الصراعات المسلحة أو في توسيعها، خصوصاً في البؤر الهشة، مثل الساحة الأفريقية.
في هذا السياق ربما يكون من المناسب طرح طبيعة التداعيات المرتقبة على أفريقيا، بسبب تغير المناخ، وكذلك الكشف عن طبيعة الجهود الأفريقية لمواجهتها، وهو الأمر الذي سيكون محل اهتمام كبير في مؤتمر المناخ المقبل، الذي سيعقد بمصر.
المناخ والصراعات المسلحة
لم تنتبه مجمل الدراسات والتقديرات الصادرة في شأن أزمة دارفور السودانية للمعطى المناخي في هذا الصراع الكبير الذي تسبب في تشريد مليوني للبشر وفقدان مئات الآلاف لحيواتهم، ذلك أن تصنيف الصراع جاء في مطلع تسعينيات القرن الماضي على أن عمليات نهب مسلح بين القبائل أو عمل تقوم به تشكيلات عصابية، بينما كانت وقائع الصراع تقول إنه بسبب ظاهرة التصحر قامت قبائل الرعاة التي ينتمي غالبيتها إلى العنصر العربي في السودان بالبحث عن الكلأ والماء، وهو كان ما تحوزه قبائل المزارعين من العنصر الزنجي في زراعات مستقرة.
وقد جرى توظيف هذه الحالة الصراعية في دارفور مع مطلع الألفية في حالة الصراع السياسي بين البشير والترابي اعتمد على الانقسام العرقي بين الفريقين، ومن ثم جرى اندلاع صراع مسلح ضخم تناوله مجلس الأمن الدولي بعشرات القرارات تحت ولاية البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، كما وجدت القوات الأممية على الأراضي السودانية في واحدة من أضخم بعثاتها لمدة تزيد على عقد، وبكلفة مالية كبيرة، حيث ما زالت آثار هذا الصراع منعكسة على الدولة السودانية، كما أنه لم يتم حله على نحو نهائي بعد.
حالة الصراع المسلح الناتجة عن التغير المناخي ظاهرة بدأت ملاحظاتها في كل من نيجيريا والنيجر ومالي خلال السنوات الخمس الأخيرة عند مناطق تراجع حزام السافانا أيضاً، وهو مما يعني إضافة أعباء أمنية إضافية على هذه الدول وغيرها التي تعاني أصلاً انتشار الظاهرة الإرهابية على أراضيها، خصوصاً أن بعض التنظيمات الإرهابية، مثل تنظيم الشباب في الصومال، باتت تحرص على حيازة مناطق توفر المصادر المائية، وتضع ذلك هدفاً لها للتأثير في حياة السكان من ناحية، وإضعاف الحكومة من ناحية أخرى.
ويمكن القول بارتياح إن ظاهرة تغير المناخ مسؤولة جزئياً عن ظاهرة النزوح الداخلي في أفريقيا التي يتجاوز حجمها 23 مليون نسمة، حيث يهجر السكان مناطقهم المحلية بحثاً عن الماء، وهرباً من ارتفاع معدلات الرمال حول بيوتهم، ولعل الهجرة من شواطئ بحيرتي السنغال تشاد، وكذلك بحيرة فيكتوريا بما عكسته من تأثير بجفاف أجزاء ضئيلة من نهر النيل، يعد تجسيداً لما يطلق عليه الهجرة البيئية.
على المستوى الصحي فإن لظاهرة الاحترار تداعيات على انتشار بعض الأمراض، منها الملاريا التي توسع انتشارها في كينيا أخيراً من ثلاث بؤر إلى 13 بؤرة، وهناك تحذيرات من منظمة الصحة العالمية بتأثر كل من تنزانيا وروندا بهذه الظاهرة بسبب انتقال العدوى.
وطبقاً لأدبيات الدراسات البيئية فإن هذه الظواهر سيكون لها عدد من التداعيات، منها مثلاً أنه في الوقت الذي يتعزز فيه الأمن الغذائي لدول الشمال للكرة الأرضية، فإن المجاعات ونقص الغذاء سيكون من نصيب دول الجنوب، ولعل ذلك قد انعكس في أفريقيا التي يعاني فيها 17 مليون شخص المجاعة، خصوصاً في مناطق شرق أفريقيا وبين دول الساحل.
الاتحاد الأفريقي والتغير المناخي
في هذا السياق فإن الاتحاد الأفريقي يعد ظاهرة التغير المناخي من أهم التحديات التي يواجهها كمؤسسة قارية تسعى إلى استقرار دولها، وهو ما يجعل الظاهرة ترقى إلى مستوى تهديدات الفقر والحروب.
وعلى ذلك، فقد بلور الاتحاد موقفه من الظاهرة في الاستراتيجية الأفريقية لمواجهة التغير المناخي، وهي الاستراتيجية التي جرى الإعلان عنها عام 2014 التي إلى جانب دعوتها لهيكلة برامج التنمية في الدول الأفريقية لتحدي التغيرات المناخية فإنها كونت المجموعة الفنية الأفريقية AGN للمشاركة في مؤتمرات، مفاوضات تغير المناخ العالمية، بما يعني في التحليل الأخير بلورة وحدة الموقف الأفريقي إزاء التعامل مع هذه الظاهرة من ناحية، والضغط من أجل حصول أفريقيا على تعويضات تغير المناخ من الدول الصناعية الكبرى التي تسببت أصلاً في حدوث ظاهرة الاحترار العالمي من ناحية أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما على الصعيد التنفيذي فإن هناك حاجة ملحة على الصعيد الأفريقي للتحول نحو الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة كبديل عن الطاقة الأحفورية المعتمدة على النفط والبترول، خصوصاً أن أفريقيا تملك من مصادر الطاقة المتجددة ما يجعلها أقل تضرراً من ظاهرة الاحتباس الحراري، كما يمكنها أيضاً من تصدير بعض من هذه الطاقة.
وربما يكون من المهم في هذا المقام عرض بعض الأنواع من الطاقات المتجددة التي يجب التحول سريعاً لها في أفريقيا، ومن أهم هذه الطاقات الطاقة الشمسية التي تعد في أفريقيا هي الأكثر وفرة، وبشكل خاص، حيث إن معظم البلدان في الشمال الأفريقي، وفي جنوب الصحراء هي ضمن ما يسمى الحزام الذهبي (Golden Belt) الذي يتلقى أكبر كم من الشعاع الشمسي العمودي المباشر الذي يصل إلى سطح الأرض، وتتوزع هذه المنطقة بشكل أساسي على الدول القريبة من خط الاستواء التي تقع بين مداري الجدي والسرطان.
أما النوع الثاني من مصادر الطاقة المتجددة فهو الطاقة الحرارية الأرضية "الجيوسيرمال" (Giothermal)، وهي الطاقة الموجودة في الأخدود الأفريقي العظيم، الذي ينطلق من زامبيا حتى مصر، واستفادت منه كينيا في إنتاج 500 غيغا من الكهرباء سنوياً، بينما لا تستخدمه دولة مثل إثيوبيا أو السودان اللذين يملكان آباراً للطاقة الحرارية المنبعثة من الأرض، بينما لم تستثمر مصر في هذه الطاقة بعد، وهي الموجودة بمنطقة حمام فرعون بسيناء.
وأخيراً، فإن طاقة الكتلة الحيوية من أهم أنواع الطاقات التي يمكن توظيفها في أفريقيا، حيث يشير مصطلح "الكتلة الحيوية" إلى النفايات النباتية والحيوانية التي يمكن تحويلها إلى وقود وطاقة للنقل. ونذكر من مصادر الكتلة الحيوية الصالحة لتوليد الطاقة، على سبيل المثال، محاصيل الطاقة مثل التبن وحطب الذرة (أي السيقان والأوراق)، والنفايات الزراعية المتخلفة عن الحصاد، والروث، وقش القمح والأرز، والقمامة المنزلية، والنفايات النباتية والحضرية حيث يجري تحويلها إلى شكل فيزيائي مختلف ينتج عنه توليد مصدر جديد للطاقة، مثل تحويل المخلفات الزراعية إلى كبسولات (إصبعيات) من السليلوز، يتم عند الحاجة حرقها بحيز محدود من الأوكسجين.
تحديات التحول للطاقة المتجددة في أفريقيا
يقف تدبير الاستثمارات وتوطين التكنولوجيا عقبة كبيرة أمام السياسات العامة الأفريقية التي يسعى صانعوها للتحول لمصادر الطاقة البديلة في مواجهة ظاهرة التغير المناخي، فعلى رغم أن المسؤولية الكبرى عن هذه الظاهرة الضارة تتحمل مسؤوليتها الدول الصناعية الكبرى فإن الدول الأفريقية تجد صعوبات كبيرة في الحصول على نصيبها المقر من الأموال للمساعدة في مواجهة ظاهرة تغير المناخ، بسبب مراوغات الدول المانحة وعدم صدقيتها.
وباستثناء مصر والمغرب وجنوب أفريقيا فإن غالبية الدول الأفريقية تواجه تحديات حقيقية، بسبب نقص التمويل الذي يعد تحدياً كبيراً لاستيراد أو توطين التكنولوجيا والصناعات المرتبطة بالتحول للطاقة المتجددة، وذلك لتأمين الاستثمارات اللازمة لهذا التحول، فدولة مثل كينيا مثلاً تجد صعوبة في تدبير أموال تحديث مراصدها الجوية عبر البلاد، وذلك لحساب التساقط المطري المؤثر على استخراج الطاقة الهيدرومائية، بينما تفتقد الصومال التمويلات اللازمة للاستفادة من إمكاناتها الهائلة في مجال توليد الطاقة من الرياح، وتعد مزارع الرياح فيها نادرة بسبب نقص التمويل، وأيضاً عدم الاستقرار السياسي.
إجمالاً، يبدو أن أمام أفريقيا طريقاً طويلاً للتعافي من ظاهرة تغير المناخ، حيث ستحوز قضايا القارة قسماً من اهتمامات قمة المناخ في شرم الشيخ المصرية.