هل تنبأت سيلفيا بلاث بكل ما سيحدث؟ هذا ما نود اعتقاده. حين نقرأ أعمالها، نبحث دائماً عن نبوءات متعلقة بحياتها. حينما أقول حياتها، أعني موتها على الأرجح. في قصيدتها "السيدة لازاروس" تخيلت جثتها محاطة بمشهد وضيع. "الحشود التي تمضغ الفول السوداني/ تندفع كي ترى/ تباعد يدي المكتوفتين وقدمي المضمومتين/ فيتمزق الشريط الكبير". بقدر ما تبدو القصيدة متشائمة، إلا أنها في الحقيقة نص عن الولادة من جديد موشاة بالسخرية. مع ذلك، ما زلنا نركز على انتحارها في سن الثلاثين في عام 1963، وما زال البحث عن دلالات كلماتها مستمراً. كتبت هيذر كلارك في سيرتها الذاتية المعنونة "المذنب الأحمر" أن بلاث "رمز متناقض لقوة المرأة وعجزها. عالقة في مكان محير بين الأيقونة والكليشيهة".
لكن كيف نصحح هذا الوضع؟ ربما تكون البداية هذا الأسبوع حيث تصادف الذكرى التسعين لولادتها. وبالاسترجاع، من المؤثر التفكير في قوة إبداعية آتية إلى العالم، متوهجة بشدة لدرجة أننا ما زلنا نشعر بحرارتها الحارقة، أكثر بكثير من كونها قد تركت تلك الحياة قبل الأوان، مع معاناة ألم مروع. لم تسمح بلاث لنفسها بالتفكير بتكاسل، بالتالي، لا ينبغي لنا فعل ذلك. لماذا لا نستطيع تحدي أنفسنا للتعامل ما صنعته حينما كانت على قيد الحياة، بدلاً من الحديث بلا كلل عن موتها؟ ككاتبة، ابتكرت طرقاً جديدة لوصف التجربة الإنسانية، لكننا نريد إبقاءها حبيسة حدث واحد [انتحارها] إلى الأبد.
اقرأ المزيد
- الشاعرة النمساوية إنغبورغ باخمان لا تؤجل زمنها
- الشاعرة الأميركية لويز غليك تفتن القارئ بقصائدها الحيوية
- "الشاعر القتيل" لغيّوم أبولينير... الجماهير تقتل شعراءها
- شاعرات وروائيات إيرانيات هاجرن هربا من الخمينية
- الكاتبة الفرنسية مارغريت دوراس تمارس التدمير ... روائيا
- رواية "الوصايا" لمارغريت أتوود تلخص وضع الحركة النسوية المعاصرة
- الياباني ياسوناري كاواباتا توج جائزة نوبل... بالانتحار
حينما نفكر بإرثها بأسلوب مختلف، سنجد علامات على الخطر على طول الطريق. توجد مشكلة جوهرية في كيفية قراءة أعمال الفنانين الذين ماتوا منتحرين. تقف بلاث في طابور طويل من المبدعين الذين انتحروا، من فرجينيا وولف إلى كيرت كوبين وسارة كين، الذين ينظر إلى إنتاجهم الآن على أنه مجرد مقدمة لموتهم. من نواح عدة، يشكل ذلك رد فعل بشري بشكل أساسي. الانتحار أمر مؤلم وصادم للغاية. كيف لنا ألا نشعر بإلحاح البحث عن علاماته؟ لكن في كثير من الأحيان، يجري التعامل مع طريقة الموت تلك بهوس يصعب تبريره. لقد فعل ذلك بمارلين مونرو فيلم "شقراء" Blonde للمخرج أندرو دومينيك، إذ صور حياتها على أنها مأساة وحيدة مقدرة. في المشهد الأخير، كانت قدماها الميتتان تتدليان من السرير كأنهما قدما دمية. [تجري هيذر كلارك مقارنة ملحوظة، مشيرة إلى "الصورة الشعبية المبتذلة عن بلاث بصفتها مارلين مونرو الأدب"]. وتعمل رواية "نشوة" Euphoria للكاتبة السويدية إلين كالهيد التي نشرت في المملكة المتحدة هذا الشهر، على تخيل السنة التي سبقت وفاة بلاث، وتفتتح مع فصل بعنوان "7 أسباب لعدم الموت".
ثمة مشكلة أخرى هي أن بلاث ربما وصفت بأنها أيقونة نسوية، لكننا ما زلنا نكافح لفهم الكاتبات بالطرق التي يرغبن بها، خصوصاً اللاتي يكتبن عن الألم. تعلق كلارك على ذلك، "حينما نرى شخصية أنثوية تقرأ رواية (الناقوس الزجاجي) The Bell Jar لبلاث في فيلم ما، نعلم أنها ستثير المتاعب". [نوجه تقديرنا لشخصية كات ستراتفورد في فيلم "10 أشياء أكرهها فيك" 10 Things I Hate About You].
لقد حوصرت رحلتي المبكرة مع قراءة بلاث بأثقال مجتمعية عدة. في البداية، نفرت منها، قبل مشاهدة أشخاص آخرين يفعلون الشيء نفسه. في درس اللغة الإنجليزية بالمدرسة، وجدت أن قصيدتها "بابا" غير مريحة، بمعنى أنها قبيحة للغاية، وبالغة الصعوبة. بصفتي القارئة المراهقة نفسها، رفضت رواية "الناقوس الزجاجي". وجدتها شديدة التذمر! بعد بضع سنوات، قرأت السيرة الذاتية التي كتبها أندرو ويلسون ومنحها عنوان قصيدة بلاث هي "أغنية حب فتاة مجنونة" Mad Girl"s Love Song التي تصور حياة بلاث إلى أن قابلت الشاعر تيد هيوز الذي سيصبح زوجها. لقد أذهلني كم كانت لا تعرف الكلل، وتقاتل من أجل المنح الدراسية، وعادة ما تكون أذكى شخص ضمن الحضور، وتكتب دائماً، وباستمرار. كلما قرأت عنها أكثر، خجلت من نفسي لأنني قللت من شأنها كثيراً.
لأن بلاث وضعت لنفسها معايير عالية جداً، لذلك أعاملها الآن وفق هذه المعايير أيضاً. أتجنب فيلم "سيلفيا" Sylvia الميلودرامي الذي لعبت بطولته غوينيث بالترو عام 2003، ودفع فريدا، ابنة بلاث، إلى كتابة قصيدة تدين الفيلم وتسميه "دمية انتحارية عن سيلفيا". وأتعامل بحذر مع تجسيد رواياتها. بدلاً من ذلك، أتوجه إلى أعمالها، أو أتأمل في الإبداع الذي ألهمته. مثلاً، كتاب "المرأة الصامتة" The Silent Woman لجانيت مالكوم الذي يتخذ صناعة السيرة الذاتية عن بلاث/ هيوز موضوعاً له، ويقدم صوراً تقريبية لهما نتيجة لذلك. ينطبق وصف مماثل على كتاب "ما بعد سيلفيا" After Sylvia وهو مختارات شعرية جديدة وضعها كتاب ألهمتهم بلاث. أيضاً هناك رسومات بلاث التي نشرتها أخيراً "دار فيبر"، التي تكشف عن جانب إبداعي أكثر مرحاً في تلك المرأة [بلاث]، وتعد تكريماً مناسباً لعيد ميلادها التسعين. أو بالطبع، السيرة الذاتية الغنية المرشحة لجائزة بولتزر التي كتبتها هيذر كلارك.
على نحو مماثل، ربما أرجع إلى رواية "الناقوس الزجاجي"، أو أقضي بعض الوقت في قراءة القصائد. هناك دائماً أشياء جديدة يمكن اكتشافها، وهناك عبارات أرغب في قراءتها مراراً وتكراراً. يصلح مثلاً على ذلك خاتمة قصيدتها "الزنبق" التي كتبتها بعد خضوعها لعملية جراحية في المستشفى. في تلك القصيدة، تتحدث فيها عن تقديرها للبساطة اليومية لحسن صحتها، "الماء الذي أتذوقه دافئ ومالح، كالبحر/ آت من مكان بعيد جداً، على غرار الصحة". نبوءات وتوقعات. لا أريد إلا أن أعرف كيف تمكنت من فعل ذلك؟
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 28 أكتوبر 2022
© The Independent