عندما تنقطع السبل أمام ولوج العاشقين إلى القفص الذهبي، وتنعدم الحلول بسبب رفض الأهل للقران، يقرر الشاب والفتاة المضي قدماً وينتصران للحب باتفاقهما على الزواج والعيش معاً من دون مباركة ذويهما، إذ تغادر الفتاة منزل العائلة تحت جنح الليل رافضة الإذعان لرغبتهم وقد اختارت الزواج بمن تريد.
إن "زواج الخطيفة"، كما اصطلح على تسميته اجتماعياً، قد يتحول إلى كارثة تصل إلى قطع الأرحام، كما قد ينتهي نهاية مأساوية ملطخة بالدماء، لكن الأمر مختلف عند الشركس حيث إن لهذا النوع من الزواج تقليداً اجتماعياً منضبطاً ومشوقاً ينال مباركة المجتمع بأسره.
غرام الشراكسة
يروي أصلان، وهو رجل في العقد الخامس من أصول شركسية، قصة حضوره زواجاً لصديق له اتبع أسلوب الخطيفة، حيث تنتظر الفتاة التي تضم أمتعتها بصرة قماشية أو حقيبة صغيرة، وتستقبل صديقاتها وأصدقاء العريس لترافقهم إلى مكان آمن عند أحد أقرباء العريس أو أهله، وعندها يذهب أحدهم إلى والد العريس ويطرق بابه ليخبره بالأمر.
ويتابع أصلان أنه "قد يدخل الوالد إلى المنزل ويعود حاملاً سلاحه مطلقاً ثلاث طلقات في الهواء على سبيل الإعلان بأن الفتاة قد خطفت وتتهيأ للزواج".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يعد الشركس في سوريا أقلية عرقية تعود أصولها إلى منطقة القوقاز وأغلبهم من المسلمين، وتتوزع خريطة انتشارهم الجغرافي في القنيطرة بالجولان جنوب البلاد، بينما يتوزعون شمالاً في محافظة حلب بمناطق عدة منها منبج وخناصر، وفي دمشق بالمهاجرين ومرج السلطان، ويشتهرون بالمحافظة على تراثهم وإرثهم الحضاري لا سيما رقصاتهم الفلكلورية، ويعيشون بسلام في مناطقهم وقد أسسوا جمعيات ثقافية ترعى أنشطتهم الفنية والاجتماعية.
يقول الباحث التاريخي في شؤون الشركس عدنان قبرطاي لـ"اندبندنت عربية" إن "مفهوم الخطيفة لدى الشركس المسلمين المتمسكين بعقيدتهم ودينهم الإسلامي القويم ليس هو نفسه لدى بعض الشعوب والمجتمعات الأخرى عندما يأخذ الشاب فتاته ويغيبا عن الأنظار مدة تطول أو تقصر لا يعلم بهما أحد، وبذا يضعان عائلتيهما أمام الأمر الواقع".
ويردف "هذه الطريقة تسبب آلاماً اجتماعية ونفسية ومشكلات تصل إلى قتل العروس من قبل أهلها، وأحياناً قتل العريس، إضافة إلى تحريم هذه الطريقة بالشرائع الدينية السماوية لحدوث الخلوة المنهي عنها شرعاً، وهي في النهاية منافية للأخلاق الفضيلة والعفة، أما الخطيفة لدى الشراكسة فتختلف اختلافاً كلياً عن ذلك الأسلوب".صلا
يتابع قبرطاي "هذا التقليد القديم يترجم إلى العربية خطأ بكلمة (الخطيفة)، وحقيقة الأمر أن الترجمة الصحيحة والدقيقة لكلمة (قاسا) هي (التسلل) أي تسلل الفتاة من بيت أهلها ضمن بروتوكولات خاصة تحددها العادات والتقاليد الشركسية، وفي حدود الأدب والعفة".
الرعاية الكريمة
هذه الطريقة للزواج لدى الشركس لا تعني بالضرورة أن كل زيجات هذه الطائفة تتم بالخطف، فالرئيس السابق للجمعية الخيرية الشركسية بسام تروكز يتحدث عن زواج الخطيفة كتقليد اجتماعي مشوق، "لكن الشركس يتبعون أيضاً الزواج التقليدي، وما يميز زواج الخطيفة أنه يحصل باتفاق كل الأطراف وفي أجواء وطقوس احتفالية، ولدى العريس في نهاية المطاف مكانة في قلب العروس وأهلها".
وعلى رغم أن الخطيفة طريقة انعدمت تقريباً في فترة النزوح خلال الحرب عام 2011 وإلى يومنا هذا، لكنها ما زالت تمارس في حدود ضيقة ووفق عادات وتعاليم صارمة وبعلم أهل العروس تحاشياً لكلفة الزواج التي ترهق الزوج.
يقول قبرطاي "للأنثى احترامها لدى الرجال الشراكسة، ولديها مجالسها منذ القدم، وآراؤها محترمة وتستشار في أمور كثيرة". ويضرب مثالاً بإحدى العادات القديمة حين تلقي المرأة الشركسية غطاء رأسها بين متقاتلين شركسيين فيتوقف كلاهما عن القتال وفق الأعراف المتبعة.
دفاعاً عن الحب
وبالعودة لطريقة الخطيفة وما يحدث قبل حفل الزفاف، يؤكد قبرطاي أنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن ينفرد العريس بعروسه لأنها تكون بصحبة مجموعة من أصدقائها وأهل العريس، أو يمكن إيصالها إلى بيت وجيه معروف بالورع والتقوى وقريب من العريس بشكل ما ومشهود بتمسكه بالعادات الشركسية والشريعة الإسلامية هو وأهل بيته.
ويتابع "في الحالين يعود العريس مع أصدقائه من البنات والشباب الذين اختطفوا الفتاة فور الاطمئنان على أنها بأمان وتحت رعاية كريمة من الأهل والصديقات، ومنذ هذه اللحظة يلتزم العريس بيت أحد أصدقائه ولا يمكنه مغادرته إلى أي مكان توجد فيه العروس إلا بعد عقد قرانهما وفق الشريعة الإسلامية، فمن مفاخر الشراكسة صيانة العرض والمحافظة على الشرف والعفة".
هذه الطائفة من الناس لديها شعار خالد هو "الأرواح رخيصة في سبيل الكرامة"، ولعلهم استبدلوا مفهوم الزواج بالخطف، الكريه كما هو معروف، إلى أسلوب متحضر وطريقة مشوقة قوامها تقدير الحب واحترام الحياة الزوجية وصيانة كرامة الأنثى وحفظ النفس والمجتمع.