أوقفت الحكومة البريطانية عملاً كانت بدأته قبل أكثر من ثلاثة أعوام ويتعلق بوضع تعريف رسمي لـ "الإسلاموفوبيا" (الخوف الجماعي المرضي من المسلمين)، وسط مخاوف متزايدة من التقاعس وعدم اتخاذ أي إجراء في شأن هذه المسألة.
يشار إلى أن المسلمين هم من أكثر الفئات المستهدفة بجرائم الكراهية الدينية في كل من إنجلترا وويلز، في وقت كشفت فيه سلسلة من الفضائح عن كره موجه إلى المسلمين من داخل حزب "المحافظين" نفسه.
اقرأ المزيد
- " 15 مارس" يوما عالميا لمكافحة الـ "إسلاموفوبيا"
- الأدلة على إسلاموفوبيا المحافظين تشكل جزءا ظاهرا من مشكلة أعمق
- تقرير يرصد الإسلاموفوبيا في حزب المحافظين البريطاني
- يجب ألا يتفاجئ أي أحد بمزاعم نصرت غني حول الإسلاموفوبيا- التحقيق لن يحلّ أي شيء
- "المرشدات" البريطانيات يعتذرن بعد اكتشاف العنصرية والإسلاموفوبيا في أوساطهن
وسيتم استجواب الحكومة البريطانية في ما يتعلق بهذه القضية داخل البرلمان اليوم الثلاثاء، الذي يصادف بدء شهر التوعية بـ "الإسلاموفوبيا".
ومن المقرر أن يثير النائب عن حزب "العمال" المعارض أفضل خان نقطة نظام حول تقاعس جميع رؤساء الوزراء المتعاقبين عن الرد على أي من الرسائل التي كان قد بعث بها إليهم في هذا الشأن على مدى عامين.
وقال خان لـ "اندبندنت" إن "عدم قيامهم بأي إجراء منذ العام 2018، إلى جانب المزاعم الدامغة التي أدلت بها النائبة "المحافظة" نصرت غني [التي قالت في شهر يناير (كانون الثاني) 2020 أنه قد تم إقالتها من منصب وزيرة النقل لأنها مسلمة]، تظهر جميعها أن المسؤولين ببساطة لا يأخذون هذه القضية على محمل الجد".
وأضاف، "عاماً بعد آخر يظل المسلمون البريطانيون ضحايا أعلى نسبة من جرائم الكراهية ذات الدوافع الدينية، ولا يوجد ما يشير إلى تراجع هذا المنحى في ظل حكومة ’المحافظين‘.
إن هذه الفوضى المستمرة تدل على أن رؤساء الوزراء المتعاقبين فشلوا في التعامل مع الـ ’إسلاموفوبيا‘ والوفاء بوعودهم في هذا المجال".
يشار إلى أنه في شهر مايو (أيار) من العام 2019 قال الوزير البريطاني الراحل جيمس بروكنشير، وزير المجتمعات المحلية آنذاك، إن الحكومة ستسعى إلى وضع تعريف عملي لـ "رهاب الإسلام"، ورأى أنه "من أجل احتواء طبيعة هذا التعصب والانقسام، ونحن نجمع على وجوب وضع تعريف رسمي لـ ’الإسلاموفوبيا‘، مما يساعد في تعزيز جهودنا في هذا الإطار".
وكان قد تم تعيين مستشار لهذا الغرض، لكن عمله توقف بعد قدوم بوريس جونسون إلى رئاسة الوزراء، كما أن الوزير الراهن للإسكان والمجتمعات المحلية مايكل غوف يعارض التوصل إلى تعريف محدد.
غوف الذي شارك الشهر الماضي في مناقشة تناولت موضوع التطرف، عندما لم يكن بعد عضواً في الحكومة بعدما أقاله جونسون لعدم ولائه له، أكد أنه يريد مواجهة "الإسلام السياسي" الذي وصفه بأنه "فيروس"، لكنه نفى في المقابل أن يكون معادياً للإسلام، قائلاً إن هناك "مقاومة" في دوائر وايتهول الحكومية [لوضع تعريف محدد للإسلاموفوبيا]، نتيجة "الرغبة في عدم التسبب بإساءات".
ووافق غوف على توصيف عضو آخر في حلقة النقاش لتعريف الـ "إسلاموفوبيا" الذي صاغته "المجموعة البرلمانية المؤلفة من مختلف الأحزاب" All-Party Parliamentary Group (APPG) في شأن المسلمين البريطانيين العام 2018، بأنه "كلام فارغ".
وفيما قبل حزب "العمال" وأحزاب معارضة أخرى في المملكة المتحدة توصيف الـ "إسلاموفوبيا" على أنه "نوع من العنصرية التي تستهدف التعبير عن الهوية المسلمة"، إلا أن حكومة "المحافظين" رفضتها مما أدى إلى إطلاق آلية العمل على التوصيف التي تم الإعلان عنها عام 2019.
وفي كلام غوف خلال الحدث الذي استضافته "مجموعة مكافحة التطرف" Counter Extremism Group في السادس من سبتمبر (أيلول) الفائت، أشار إلى أنه "سيكون من الصعب للغاية التوصل إلى تعريف دقيق"، وقال "أعتقد أن هناك أخطاراً إذا ما قامت جامعة أو منظمة أخرى مثلاً، والتي ينبغي أن تكون مكاناً لنقاش حر، باستخدام تعريف من هذا القبيل لمراقبة ما يمكن أن يقوله الناس ومعاقبتهم على ذلك".
ياسمين قريشي، وزيرة شؤون المرأة والمساواة في حكومة الظل "العمالية"، نبهت إلى أن "آفة رهاب الإسلام آخذة في التزايد مع ارتفاع معدلات جرائم الكراهية التي تستهدف المسلمين سنة بعد أخرى".
وقالت لـ "اندبندنت" إن "حزب ’المحافظين‘ هو الحزب السياسي الوحيد في المملكة المتحدة الذي يرفض تعريف الـ ’إسلاموفوبيا‘ كما صاغته المجموعة البرلمانية المؤلفة من مختلف الأحزاب، والآن ها هو مايكل غوف ينكث بوعد تطوير تعريف بديل".
وأضافت أنه "مع تعاقب رؤساء الوزراء البريطانيين في محاولاتهم لإصلاح الفوضى التي أحدثوها في عجلة الاقتصاد من الواضح أن معالجة الـ ’إسلاموفوبيا‘ تحل في مرتبة ثانوية على أجندتهم".
يشار إلى أن الحكومة البريطانية عينت مستشاراً هو الإمام قاري عاصم لوضع تعريف لـ "الإسلاموفوبيا" قبل يوم واحد من تولي جونسون رئاسة الوزراء في شهر يوليو (تموز) من العام 2019، لكنه قال لـ "اندبندنت" في شهر يناير إنه "لم يبدأ فعلاً بالعمل على ذلك".
وقال الإمام عاصم إنه لم يتم الرد على رسائل عدة كان قد وجهها إلى الحكومة، بما في ذلك رسالة طلب فيها مقابلة غوف. وأضاف أنه لم يتم تخصيص مكتب له أو أي موارد مالية أو موظفين أو مراجع لمساعدته على تحديد المصطلح، وأن "الالتزام الحقيقي من جانب الحكومة كان غائباً".
عاصم تم فصله من دون إنذار مسبق من جانب الوزير غوف في شهر يونيو (حزيران) الفائت، وذلك بعد اتهامه بدعم "حملة للحد من حرية التعبير" بسبب فيلم مثير للجدل يصور حياة ابنة النبي محمد، الأمر الذي كان قد نفاه تماماً.
واعتبر في رسالة الرد على إقالته أن الحكومة "أكدت التصورات بأنها ليست جادة في معالجة الكراهية المتزايدة ضد المسلمين في هذه البلاد".
ولم يتم تعيين مستشارين جدد بدلاً منه، ولا تجري في الوقت الراهن أية محاولات لمواصلة العمل على وضع تعريف لـ "الإسلاموفوبيا".
متحدث باسم "المجلس الإسلامي البريطاني" Muslim Council of Britain قال إن "الجاليات المسلمة في بريطانيا شهدت على مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة، سياسة حكومية فاشلة في ما يتعلق بتعريف الـ "إسلاموفوبيا".
وتظهر إحصاءات وزارة الداخلية البريطانية زيادة مستمرة بنسبة تتعدى 40 في المئة من جرائم الكراهية ذات الدوافع الدينية التي تستهدف المسلمين أكثر من أي مجموعة دينية أخرى في المملكة المتحدة.
ورأى أن "بريطانيا تستحق أن يكون لديها وزير مجتمعات يجيد التعامل بصدق مع الفئات الشعبية من أجل مواجهة مختلف أنواع الكراهية".
أخيراً علق متحدث باسم وزارة تحسين أوضاع المناطق والإسكان والمجتمعات بالقول "لا نزال ملتزمين بالقضاء على الكراهية ضد المسلمين، وجميع أشكال التحيز الديني، وسنحدد خطواتنا التالية في الوقت المناسب".
© The Independent