أكدت وزارة الخزانة البريطانية أنها ماضية قدماً في طرح "قانون الخدمات المالية" على البرلمان، الذي يعارضه بنك إنجلترا وهيئات تنظيم سوق المال والأعمال التي تتمتع باستقلالية عن التدخل الحكومي.
وبحسب تقرير في صحيفة "فايننشال تايمز" فإن حكومة رئيس الوزراء ريشي سوناك متجهة نحو الصدام مع البنك المركزي وسلطات التنظيم والمراقبة بطرحها القانون الذي يتضمن إعطاء الخزانة والوزراء "سلطة تدخل" تمكنهم من تجاوز قرارات سلطات التنظيم والمراقبة المالية.
وكان مشروع القانون المطروح من حكومة ليز تراس أثار مخاوف باعتباره ينال من استقلالية بنك إنجلترا والسياسة النقدية ويهدد عمل سلطات الرقابة والتنظيم التي لا تخضع لسلطة الحكومة.
وتجدر الإشارة إلى أن مشروع قانون الخدمات المالية وضعه أصلاً ريشي سوناك حين كان وزيراً للخزانة في حكومة بوريس جونسون ضمن خطط ما بعد الخروج من أوروبا (بريكست). ووصف إعطاء الحكومة سلطة التدخل في تجاوز القواعد واللوائح المنظمة للخدمات المالية بـ"الثورة الثانية"، في إشارة إلى تعديل حكومة حزب المحافظين برئاسة الراحلة مارغريت تاتشر في الثمانينيات من القرن الماضي للقواعد واللوائح المالية. واعتبر سوناك عند طرح المشروع أن ذلك "سيحرر" القطاع المالي البريطاني من "القيود الإجرائية والبيروقراطية" المرتبطة بعضوية الاتحاد الأوروبي.
مخاطر التدخل الحكومي
وبحسب ما نقلت "فايننشال تايمز" عن وزارة الخزانة فإن الحكومة عازمة على المضي قدماً في مشروع القانون على الرغم من تحذيرات بنك إنجلترا وسلطات الرقابة والتنظيم في حي المال والأعمال من مخاطر التدخل الحكومي.
وقال مسؤولون في وزارة الخزانة "أكدنا نيتنا المضي قدماً في تعديل قانون الخدمات المالية ليتضمن سلطة تدخل الحكومة تمكن وزارة الخزانة من توجيه هيئات التنظيم كي تسن أو تعدل أو تلغي القواعد واللوائح في المسائل التي لها علاقة بالمصلحة العامة".
ويخشى اقتصاديون وعاملون في سلطات الرقابة والتنظيم من تفسير السياسيين في الحكومة والوزارات مصطلح "المصلحة العامة" بما يمكنهم من إلغاء القواعد التي تضمن السلامة المالية للبلاد، لكن توجه سوناك الذي سيكون على وزير خزانته جيريمي هنت تنفيذه، هو الانتقاص من استقلالية البنك المركزي وهيئات التنظيم والرقابة لصالح ما يراه "مستقبلاً لحي المال والأعمال ما بعد بريكست" يجعله دينامو النمو الاقتصادي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحذر الرئيس التنفيذي لهيئة التنظيم والتحوط المالي سام وودز، ورئيس هيئة الممارسات المالية نيخيل راتي، من إعطاء الوزراء سلطة نقض قرارات هيئات التنظيم والرقابة باعتباره خطراً يهدد وضع القطاع المالي البريطاني ومكانته الدولية.
وقال وودز أمام تجمع لقيادات المال والأعمال، الأسبوع الماضي، "قد يرى البعض أن مثل هذا السلطات التي ستمنح للحكومة تعزز التنافسية، لكن وجهة نظري أنها مع الوقت ستفعل العكس بانتقاصها من صدقيتنا الدولية وجعلها عمليات التنظيم والرقابة المالية تسير بحسب الأهواء السياسية، بمعنى قيود ولوائح ضعيفة مع حكومة ما وقيود ولوائح وقواعد مشددة مع حكومة أخرى".
وعبر راتي عن موقف مماثل مؤكداً أنه من "الضروري والمهم" ألا يتم "الانتقاص من استقلالية هيئة الممارسات المالية من طريق أي سلطة تدخل" مثل تلك المطروحة في تعديلات قانون الخدمات المالية الذي تدفع بها حكومة سوناك.
استقلالية بنك إنجلترا
من التعديلات الأخرى التي تسعى إليها حكومة سوناك على قانون الخدمات المالية تحديد "هدف ثانوي" لهيئة الممارسات المالية وهيئة التنظيم والتحوط، وهو "دعم النمو والتنافسية"، وذلك التعديل يعني سلطة أخرى للحكومة تجعل تلك الهيئات تغير قواعدها ولوائحها بما يناسب السياسة المالية للحكومة.
وبما أن "بنك إنجلترا" هو المشرف على هيئات التنظيم والرقابة تلك فذلك انتقاص من استقلالية البنك عن الحكومة وسياساتها، وذلك ما جعل الصدام ينشأ بين حكومة ليز تراس ووزير خزانتها والبنك المركزي. وهذا ما جعل محافظ البنك أدندرو بايلي يبدي تحفظاً واضحاً على تدخلات الحكومة.
وسبق أن ساد التوتر العلاقة بين وزارة الخزانة والبنك المركزي في شأن تعديلات قانون "قواعد الإفلاس" المنظمة لقطاع التأمين. وكانت شركات التأمين تضغط على الحكومة لتعديل القوانين بحجة أن القواعد تلزمهم الاحتفاظ بقدر كبير من رأس المال.
وكان رأي الحكومة أن هناك حاجة لرأس المال الذي تلزم قواعد المنظمين والرقابة شركات التأمين بالاحتفاظ به لاستخدامه في "الاستثمار في مشروعات البنية التحتية"، بينما تحرص هيئات التنظيم والرقابة على ضمان الاستقرار المالي وتوفير احتياطي كاف من رأس المال لدى الشركات الخاضعة للتنظيم المالي.
ومن شأن مشروع القانون الجديد أن يفجر الصدام بين حكومة سوناك والبنك المركزي وسلطات التنظيم والرقابة المالية المستقلة. ونقل موقع "سيتي أيه أم" المتخصص في أخبار حي المال والأعمال عن الشريك في "غيبسون دن للمحاماة" ماتيو نونان قوله "يثبت التاريخ أن السياسيين لا يدرسون قراراتهم السياسية بشكل كاف... وإذا ما كانت هيئات التنظيم والرقابة تتعرض للانتقاد أحياناً باعتبارها بطيئة في إجراءاتها فذلك لأنها لا تتخذ قرارتها إلا على أساس من البراهين والأدلة".
أضاف نونان "تأتي الشركات إلى بريطانيا بسبب استقرار النظام القانوني وشفافية اتخاذ القرارات المتعلقة بالقواعد واللوائح. واستبدال ذلك بما يمكن اعتباره تعسفاً نتيجة القرارات السياسية سينتقص كثيراً من الميزة الأساسية التي تجعل بريطانيا رائدة في مجال الخدمات المالية".
لكن الواضح أن حكومة سوناك التي وضعت مهمة الخروج من الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة التي تعانيها بريطانيا أولوية قصوى، لن تتوانى عن اتخاذ أي إجراء يمكنها من إنفاذ خططها الاقتصادية حتى لو كان على حساب استقلالية البنك المركزي وسلطات الرقابة والتنظيم.