خلُص باحثون إلى أنّ عميلاً روسياً ثالثاً ربما سافر إلى المملكة المتحدة خلال هجوم سالزبري لقيادة فريق الاغتيال الذي سمّم سيرغي سكريبال.
وأورد موقع "بالينغكات" الاستقصائي Bellingcat أنّ تسجيلات الهاتف الخلوي أظهرت بأنّ دينيس سيرغييف، الذي انتحل اسماً مستعارا هو سيرغي فيدوتوف، التقى في لندن بالعميلين اللذين نفّذا محاولة الاغتيال.
ووُصف سيرغييف أولاً بأنّه من كبار ضبّاط إدارة الاستخبارات الرئيسية في روسيا في فبراير(شباط) فيما ذكرت مصادر لـ "هيئة الإذاعة البريطانية" ( بي بي سي) أنّه برتبة لواء. وبعد الكشف عن مشاركته سابقاً في عمليات دولية عدة، رجّح موقع بالينغكات أنّه "تولّى التنسيق في عملية سالزبري."
وقال باحثون إنّ الأدلة المتوفّرة حول سيرغييف تشير إلى "تورطه في عملية سكريبال لجهة الإشراف والتنسيق، كما كان ضابط الاتصال المسؤول عن إبلاغ موسكو بالتطورات وتلقي التعليمات منها، وذلك لإبقاء فريق الاغتيال يعمل بصورة سرية تماماً تقيه من إثارة الشبهات".
وأظهرت تسجيلات هاتفية جاءت من مخبر متطوع يعمل في شركة هواتف خليوية روسية، أنّ سيرغييف عاش في موسكو وعمل في مكاتب إدارة الاستخبارات الرئيسية بما في ذلك مقر القيادة المركزية والكلية التابعة لها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واللافت أن رقم الهاتف المسجل باسمه المستعار (فيدوتوف)، استُخدم لحجز رحلات طيران إلى لندن في 1 مارس (آذار) 2018 ، وسافر على متن طائرة هبطت في مطار هيثرو في صباح اليوم التالي، أي قبل أربع ساعاتٍ من وصول عميلي إدارة الاستخبارات الرئيسية الكسندر ميشكين وأناتولي شيبيغا.
وذكر موقع بالينغكات في تقريره أنّ سيرغييف توجه إلى فندق قرب محطّة قطارات بادينغتون في غرب لندن و"بالكاد غادر" غرفته على امتداد يومين. وأشار إلى أن قائد العملية المفترض تبادل الرسائل مع آخرين بواسطة تطبيقاتٍ مشفّرة على غرار تلغرام وفايبر وواتساب، كما حمّل ملفّات كبيرة، وفعل كل ذلك عن طريق شبكات الهاتف الخلوي بدلاً من الاتصال اللاسلكي أو الواي فاي. وتحدّث على الهاتف مع شخص يحمل اسم "أمير من موسكو".
وفي 3 مارس، خرج سيرغييف للمرة الوحيدة من منطقة بادينغتون، حسب داتا الاتصالات، إذ سجّل هاتفه لاحقاً أنه كان قرب محطتي أوكسفورد سيركوس و امبانكمينت لقطار الانفاق. وتواجد في منطقة امبانكمينت بين الساعة الثانية عشرة ظهراً والواحدة والنصف بعد الظهر، أي في الفترة نفسها التي كان ميشكين وشيبيغا يهمّان بالصعود إلى القطار المتجه إلى سالزبري من محطّة واترلو.
وافادت شرطة العاصمة أنّ الرجلين وصلا إلى المنطقة الساعة 11:45 قبل الظهر ولكن القطار الذي استقّلاه لم يغادر حتى الساعة 12:50 ظهراً. وبما أنّ واترلو وامبانكمينت لا تبعدان بعضهما عن بعض سوى حوالي عشر دقائق سيراً على الأقدام، يمكن أن يكون سرغييف قد التقى بهما خلال ذلك الوقت.
ورأى موقع بالينغكات أنه "لو كان ثمة سبب ضروري للقاء سيرغييف بفريق الاغتيال المؤلف من ميشين وشيبيغا شخصياً، سواء لمراجعة التعليمات النهائية أو لإعطائهما مادة معينة يحتاجان اليها لتنفيذ الاغتيال، فإنّ المنطقة الواقعة بين امبانكمينت وواترلو ستكون مكاناً مثالياً لاجتماعهم، ولكانت الساعة الفاصلة بين لحظة وصولهما إلى المحطّة ووقت مغادرتهما كافية ليروا بعضهم بعضاً ".
في أعقاب هذا اللقاء المفترض، سافر ميشكين وشيبيغا للمرة الأولى إلى سالزبري في ما وصفته الشرطة بالمهمّة الاستطلاعية. وعادا في 4 مارس (آذار) مجدداً الى المدينة لتلويث باب سكريبال الرئيسي بغاز الأعصاب المعروف باسم نوفيتشوك ممّا كاد يودي بحياة العميل المزدوج السابق وابنته.
جدير بالذكر أن الضحيتين الرئيسيتين استعادا عافيتهما، كما تماثل للشفاء شرطي قصد المنزل الملوث، بعدما تلقى ثلاثتهم العلاج في المستشفى. غير أنّ داون ستورغس، وهي سيدة من المنطقة توفيت في يوليو (تموز) 2018 بعدما قدّم لها شريكها عن طريق الخطأ زجاجة عطر مزيّفة تحتوي على نوفيتشوك.
إلى ذلك، تبادل سيرغييف 11 اتصالا مع "أمير" خلال رحلته إلى لندن، أُجري بعضها عشيّة عمليّة التسميم وقبيل مغادرة القاتلين سالزبري في 4 مارس. وغادر هو أيضاً العاصمة البريطانية في 4 مارس متوجهاً إلى هيثرو ليستقلّ الطائرة في رحلة العودة إلى موسكو عند الساعة 1:30 بعد الظهر، أي قبل تسع ساعاتٍ من هروب العميلين ميشكين وشيبيغا عبر الطريق نفسها.
يُشار إلى أن الرقم الذي استخدمه سيرغييف يعود إلى شريحة هاتف مسبقة الدفع لمالك مجهول الهوية، وهو عمل مخالف للأنظمة الروسية، كما أنه لم يُنتج بصماتٍ عادية لأنه لم يرد ذكره في سجلات أبراج الهواتف الخليوية.
وانتهى موقع بالينغكات إلى "أنّه من المحتمل أن يكون الرقم من تسلسلٍ مميّز تستخدمه قوات الأمن الروسية. وتؤكّد النتائج الجديدة بأنّ سيرغييف كان ضابطاً عاملاً في إدارة الإستخبارات الرئيسية وقت تنفيذ عملية سالزبري وليس ضابطاً متقاعداً تمّ تجنيده للقيام بعملية خاصة، كما كان من المعتقد بادئ الأمر. و سلّطت هذه النتائج الضوء على سلسلة القيادة المحتملة لعملية الاستخبارات الرئيسية هذه وغيرها من العمليات خارج البلاد مع وجود أحد كبار الضباط المنسّقين الذين يتواصلون مع المقرّ الرئيسي في موسكو، فيما يتلقّى الفريق الموجود على الأرض تعليمات جديدة محدودة أو لاشيء على الاطلاق. من المحتمل أن يكون هذا النظام مرتبطاً بالأمن التشغيلي والحاجة إلى الحدّ من تعرّض الفريق المنفّذ للتتبّع من خلال داتا الاتصالات".
ظهر كلّ من شيبيغا وميشكين، العميلان اللذان أُشير إليهما بإسميهما المستعارين على شاشة شبكة أر تي الإخبارية التي تملكها الحكومة، وأنكرا بصورة قاطعة تورّطهما في العملية وزعما أنّهما مندوبي مبيعات للمتمّمات الغذائية وكانا يقضيان عطلة في لندن. وقال شيبيغا الذي استخدم اسم بوشيروف بأنّ أصدقائه نصحوه بزيارة "البلد الرائع" بسبب كاتدرائيته "المشهورة عالمياً" والمعروفة "ببرجها الذي ينهض على ارتفاع 123 متراً".
وما زالت شرطة سكوتلاند يارد تحقّق في الهجوم بعد أن اتّهمت في سبتمبر (أيلول) هذين العميلين بالتآمر للقتل وحيازة غاز الأعصاب نوفيتشوك، في حين لم تؤكّد أو تنفي وجود مشتبه فيهم آخرين.
من ناحيته، قال متحدّث بإسم الشرطة أنّ "فريق التحقيق يواصل تتبّع عدد من خطوط التقصّي بما في ذلك تحديد أيّ مشبوهين آخرين قد يكونون متورّطين في تنفيذ الهجوم أو التخطيط له. لسنا جاهزين لمناقشة المزيد من التفاصيل حول التحقيق الذي ما زال جارياً."
وكان وزير الداخلية البريطاني ساجد جاويد قد أكّد أنّه "فيما لن تقوم روسيا بتسليم المشتبه بهم وأنّه سيُحتجزون فقط في حال دخلوا إلى دولةٍ تمتثل لمذكرات التوقيف الأوروبية وإخطارات الانتربول الحمراء، سيكون القبض عليهم مستحيلاً. في حال خرجوا من روسيا الاتحادية، فإنّ بريطانيا وحلفائها سيلقون القبض عليهم ويقاضونهم".
© The Independent