يعد الفنان نبيل درويش (1936- 2002) واحداً من أهم فناني الخزف في مصر، فهو إلى جانب أعماله المتميزة حصل على جوائز عدة وشارك في كثير من الفعاليات الفنية بجميع أنحاء العالم وحتى رحيله كان أستاذاً في كلية الفنون التطبيقية بجامعة حلوان.
منذ نحو أربعة عقود، تحديداً في عام 1983، أنشأ الفنان متحفه الخاص بمنطقة طريق سقارة في المكان نفسه الذي وجدت فيه ورشته حيث عمل وأنتج إبداعاته الفنية ليصبح المتحف الوحيد من نوعه في مصر ويضم نحو 4000 قطعة فنية من أعمال الخزف.
وأخيراً يواجه المتحف أزمة كبرى إذ تردد أن هيئة المساحة زارت الموقع ورفعت أبعاده ووضعت علامة على جداره تعني أنه ستتم إزالته لتعارض موقعه مع مشروع لتوسعة كوبري يمر في المنطقة.
الأمر أثار حالاً من عدم الفهم والاستياء عند أسرة الفنان الراحل ومحبيه انتقلت إلى الوسط الثقافي وبدأت تلاقي ردود فعل عامة من جموع الناس، خصوصاً مع تكرار مثل هذه الأزمات أكثر من مرة في الفترة الأخيرة وآخرها الواقعة الشهيرة لوضع علامة على مقبرة عميد الأدب العربي طه حسين وما أثارته من سجال وقتها لينتهي الأمر بالإبقاء على المقبرة.
الفنان نبيل درويش صاحب أول رسالة دكتوراه في فن الخزف عام 1981، وكانت عن تفاصيل صنع المصريين القدماء لفوهات سوداء للأواني الخزفية وكان هذا وقتها موضوعاً جديداً أضاف قيمة علمية كبيرة إلى هذا المجال.
وللفنان أعمال معروضة في محافل فنية متنوعة، إضافة إلى إسهاماته في تطوير فن الخزف بكثير من الدول العربية، حيث اكتشف في قطر والبحرين طينات صالحة للفخار والخزف، واكتشف أماكن تحتوي على طينات رملية صالحة للإبداع الخزفي بالكويت مما كان له دور في إثراء فن الخزف المعاصر في العالم العربي.
الحرانية... مركز للفنون التراثية
يقع متحف نبيل درويش على مساحة نحو 1000 متر تضم المبنى وحديقة كبيرة تحيط به وإلى جانبه يقع منزل الفنان الراحل الذي تعيش فيه أسرته حتى الآن وتضم المنطقة المحيطة به متاحف عدة لفنانين آخرين من بينها متحف آدم حنين ومتحف زكريا الخناني للزجاج ومركز رمسيس ويصا واصف للسجاد اليدوي وكلها فنون نابعة من المكان ومتوافقة معه، فمنطقة الحرانية لها باع طويل في ما يتعلق بالفنون والحرف التراثية ويعرف المكان بشارع الفنون.
وكان الجهاز القومي للتنسيق الحضاري وضع سابقاً لافتة على الموقع ضمن مشروع "عاش هنا" الذي يسجل أماكن إقامة كثير من رموز مصر الفنية والثقافية في مجالات مختلفة إيماناً بدورها وقيمتها الكبيرة في المجتمع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأنباء المتداولة عما يتعرض له المتحف أثارت حالاً من الاستياء لدى قطاع كبير من الفنانين الذين أعلنوا مواقفهم الرافضة للمساس بمتحف لفنان ذي قيمة بارزة.
الفنان التشكيلي والناقد عزالدين نجيب قال في منشور عبر صفحته الشخصية على "فيسبوك" إن نبيل درويش أكبر من مجرد خزاف عظيم، بل هو رائد ثورة فن الخزف المصري وأصبح علماً من أعلامه في العالم وكشوفه التقنية الضاربة في جذور الحضارة المصرية تعد مدرسة للخزافين المصريين والدوليين أيضاً، وأضاف أن أعماله احتلت أماكنها في أكبر المتاحف الدولية وأضحت نظرياته العلمية حول تقنيات الحريق بالدخان والاختزال تدرس في بعض أكاديميات الفن، فضلاً عن تدريسها بنفسه كأستاذ بكلية الفنون التطبيقية بالجيزة منذ تعيينه عام 1965 كمعيد ثم أستاذ بها حتى رحيله وتخرجت على يديه أجيال وراء أجيال.
كانت وزيرة الثقافة نيفين الكيلاني صرحت رداً على ما تردد حول وجود نية لإزالة المتحف بأن محتوياته يمكن أن تنقل إلى متحف الحضارة المصرية لحين اقتراح مكان بديل لتلتقي بعدها بابنة الفنان الراحل في اجتماع للتشاور حول الأمر نتج منه إرسال الوزيرة طلباً إلى مجلس الوزراء المصري للنظر في الأمر والسعي إلى الحفاظ على بقاء المتحف لقيمته الفنية الكبيرة.
جزء من سياق المنطقة
سارة نبيل درويش، المدرسة في معهد "الكونسرفتوار" بأكاديمية الفنون وابنة الفنان الراحل، قالت إن وجود المتحف في موقعه الحالي يمثل قيمة أكبر من فكرة المكان، فهو مرتبط بالسياق كله، فهذا المكان هو الورشة التي أنجز فيها الفنان أعماله ويضم الفرن الذي بناه له الفنان سعيد الصدر رائد فن الخزف في مصر والذي له الآن أثر وقيمة كبيران في مجال الخزف وأي موقع آخر لن يحقق هذه المعادلة، فالموقع الحالي يتجاوز فكرة كونه مكاناً لعرض أعمال والدي.
وأضافت لـ"اندبندنت عربية"، "بالفعل هناك قطع عدة من أعمال والدي معروضة في أماكن مختلفة بالداخل والخارج، لكن هذا يختلف تماماً عن متحفه الذي قام بإنشائه بنفسه في المكان الذي شهد مراحل إنتاج إبداعاته الفنية على مدار السنوات وتدير الأسرة المتحف بالكامل منذ وفاته وتتيح زيارته بالمجان من دون أي مقابل لكل الزائرين المصريين والأجانب".
وأشارت إلى أن زائرين مصريين وعرباً وأجانب يتوافدون على المتحف باعتبار أن منطقة طريق سقارة التي يقع فيها منطقة سياحية بامتياز وإضافة إلى ذلك يتوافد عدد من طلبة كليات الفنون من جميع أرجاء مصر ومن خارجها لزيارة المتحف والاطلاع على أعمال الفنان.
ولفتت إلى أنه "بشكل عام فإن الأسرة لا تمانع في إهداء بعض الأعمال لمواقع أو متاحف أخرى، وبالفعل كان هناك مقترح سابق بإقامة قاعة لأعمال والدي في مركز الفسطاط للفنون، لكن هذا أمر يختلف تماماً عن إزالة المتحف، لأنه الأساس الذي يضم تاريخ الفنان، وهو شاهد على تجربته وكان ملتقى لمحبي فن الخزف على مدى 40 عاماً منذ بداية افتتاحه".
وأعربت ابنة درويش عن أمل أسرتها في أن يتم العدول عن الأمر والإبقاء على المتحف في مكانه كقيمة تاريخية فنية لفنان مصري ولكل المهتمين بفن الخزف.