مع توقيع الاتفاق اللبناني - الإسرائيلي وبدء تسويقه إقليمياً من خلال الوسيط الأميركي، الذي نجح في القيام بوساطة مباشرة على رغم كل الصعوبات الراهنة، مما يفتح الباب أمام تسويات واتفاقات اقتصادية أخرى، مثلما الحال بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية بشأن غاز قطاع غزة، الصراع الذي استمر لسنوات حول آبار القطاع، وتجدد الحديث أخيراً عن دور مصري مباشر للتقريب بين الجانبين، على رغم تحفظ حركة "حماس" على ما يجري، واستمرار مراقبة الجانب الإسرائيلي له.
ليصبح السؤال وماذا عن بقية الاتفاقات المتوقع أن تجرى، وتشمل تركيا ومصر وقطاع غزة وسوريا ولبنان، وهي اتفاقات ربما ستغير بالفعل إطار ما يجري بمنطقة شرق المتوسط، بما في ذلك الدول التي لم تدخل بعد في أي اتفاقات، ومنها سوريا على سبيل المثال والسلطة الفلسطينية.
مشاريع محددة
هل نحن في اتجاه مشروع السلام الاقتصادي عوضاً وبديلاً عن السلام السياسي، وكإحدى المقاربات التي دعت إليها إسرائيل منذ سنوات، وفي لقاء المنامة تحديداً؟ وهل يمكن أن يتحقق السلام الاقتصادي ليكون المدخل أو البديل الواقعي، مع استمرار عدم حل الصراعات السياسية أو التوصل إلى حلول، ولو انتقالية أو مرحلية أو تدريجية؟
بداية الحديث الجاد والفعلي في اجتماع المنامة 13 يونيو 2019، الذي دشن المقاربة الاقتصادية لخطة السلام الأميركية، التي قدمها لاحقاً الرئيس الأميركي السابق ترمب، وحملت عنوان الخطة الأميركية للسلام والازدهار بالشرق الأوسط وكان ذلك في 29 يناير 2020، ثم تتالت الخطوات الأخيرة بعد توقيع اتفاقات السلام الإقليمي لتكون المدخل الرئيس، لما هو آت من خطوات متعلقة بتنفيذ فكر إسرائيل بالاتجاه لتسويق خيار السلام الاقتصادي أولاً.
هناك مشاريع عدة ستكون مطروحة وتسعى إسرائيل إلى إدخالها حيز التنفيذ، منها إعادة إحياء سكك حديد الحجاز التاريخية، وهو "المشروع الإقليمي" في إشارة إلى المخطط الإسرائيلي لإحياء قطار الحجاز، وربط ميناء حيفا بالخليج العربي، عن طريق استكمال السكك الحديدية من بيسان إلى جسر الشيخ الحسين، وإكمال السكك الحديدية في الأردن لترتبط بالسعودية.
وإنشاء الطريق السريع المقترح، الذي يربط بلدان شمال أفريقيا بدءاً من الساحل الممتد من موريتانيا غرباً عبر المغرب والجزائر وتونس وليبيا، إلى الإسكندرية والقاهرة ورفح وحيفا وطرابلس وطرطوس واللاذقية، إلى ماردين وديار بكر في تركيا، وتتفرع من هذه الطرق فروع عدة، منها وصلة تمتد إلى تبوك في شبه الجزيرة العربية، لتتصل بالطريق الدولي في منطقة الخليج العربي.
وكذلك إقامة شبكة من خطوط الأنابيب لنقل النفط إلى إسرائيل ومن ثم إعادة تصديره إلى أوروبا وأميركا وكندا، وأيضاً إقامة مراكز لتجميع الغاز لسد حاجات الأطراف المعنية منه بشكل مجاني وتسويقه في العالم مع تدشين مجموعة من مصافي البترول المشتركة في بعض الدول العربية.
كما هناك مخطط إسرائيلي - أميركي لإقامة شبكة من خطوط نقل النفط إلى إيلات، خط يبدأ من رأس تنورة السعودي إلى العقبة / إيلات، وخط من الكويت إلى العقبة / إيلات، وخط من دولة الإمارات العربية إلى العقبة / إيلات. وإعادة تشغيل خط التابلاين القديم القادم من العراق عبر سورية إلى حيفا.
وتطوير ثلاث طرق برية تربط مصر بإسرائيل عبر سيناء، كما تقترح الخطة الأميركية الطرق البرية التالية مع الأردن، طريق أسدود - القدس - عمان وطوله 170 كم، وطريق حيفا - عمان وطوله 260 كم، وطريق غزة - أسدود - القدس - عمان.
إلى جانب شق طرق تربط الضفة الغربية وقطاع غزة بالموانئ الإسرائيلية وبمطار بن غوريون من أجل تحول إسرائيل إلى هونغ كونغ الشرق الأوسط، وستصبح إسرائيل البوابة الرئيسة لدخول المناطق المحتلة ومن ثم الأردن وسورية (الموازنة المقررة قدرها 1.6 مليار دولار لهذه الطرق).
وفتح خطوط جوية مع العواصم العربية، مما سيجعل مطار اللد المطار الرئيس في المنطقة نظراً إلى علاقات إسرائيل الجيدة مع الدول الأوروبية، وبسبب الخدمات والصيانة فيها، ذلك لإحكام حضورها في جميع المرافق والمجالات في منطقة الشرق الأوسط.
وأيضاً إقامة شبكة كهربائية مشتركة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، ومشاريع لأنابيب النفط والغاز وإعادة ضخ النفط العربي إلى مصفاة حيفا.
السياحة الإقليمية
يبلغ طول الساحل الإسرائيلي على البحر الأحمر 10 كيلومترات تمتد عليها مدينة إيلات الصناعية والتجارية والسياحية التي تطورت بالمهاجرين الجدد الذين منحوا امتيازات خاصة تجعل من هذه المدينة مركزاً ترفيهياً ومنتجعاً شتوياً ينافس شرم الشيخ، نظراً إلى وجود شاطئ مرجاني ومنشآت للرياضة البحرية يزورها أكثر من 100 ألف سائح، ويتلقى ميناؤها النفط الذي تجره الأنابيب إلى مصفاة حيفا، إن المشروع الإسرائيلي سيتيح لإسرائيل ساحلاً بحرياً جديداً بطول 300 كيلو متر، وستكون القناة حاجزاً مائياً دفاعياً كبيراً، وعندما يصل البحر الميت إلى كامل اتساعه سيكون بالإمكان الوصول إليه بالبحر الأبيض المتوسط، مما يعتبر خطراً كبيراً على مستقبل قناة السويس وعلى السياحة في مصر.
تعمل إسرائيل على تحقيق تسويق إقليمي دولي للسياحة في المنطقة، وإقامة مؤسسات سياحية وسلسلة من الفنادق الضخمة، وتغيير سياسة الطيران، والاستعداد لعصر السلام في مجال السياحة، والاستفادة من موقع إسرائيل كجسر بين القارات. وتطوير سواحل البحر المتوسط لخلق ريفيرا من لبنان على طول سواحل إسرائيل باتجاه مصر، وكذلك على طول امتدادات البحر الأحمر. وكذلك الاستفادة من البحر الميت وتطوير مشروع إسرائيلي - أردني - فلسطيني في مجال السياحة والكهرباء.
اتفاقات المياه
سعى الجانب الإسرائيلي إلى توقيع صفقة مياه ثلاثية مع الأردن والجانب الفلسطيني، بربط مشروع قناة البحر الأحمر والبحر الميت، ومن المفترض أن تلبي محطة التحلية الجديدة حاجات المنطقة من المياه، في حين سيتم ضخ المنتجات الثانوية المالحة من المحطة إلى الشمال لإنقاذ البحر الميت الذي يتقلص إلى حد كبير، وهو يتأرجح على حافة أن يكون بركة مالحة بحلول عام 2050، وكان لقيادات إسرائيل حلم باستخدام خط أنابيب أو قناة لتوصيل البحر الميت بالبحر الأبيض المتوسط أو البحر الأحمر لأكثر من 150 عاماً. حتى ثيودور هرتسل تصور قناة في "الأرض القديمة الجديدة"، فعلى مدى السنوات الـ50 الماضية، تم تقديم مقترح في إسرائيل والأردن بتبني خطط لقنوات البحر الميت، للاستفادة منها كأداة سياسية لاقتراح مشاريع بنية تحتية ضخمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا شك أن البلدان الثلاثة إسرائيل والأردن والجانب الفلسطيني تحتاج إلى مزيد من المياه، ولا أحد يعارض موارد الكهرباء الإضافية، لكن الخطة الحالية لن تنقذ البحر الميت، كما يقول علماء البيئة والخبراء، ووفقاً للاتفاق سيكون هناك خط أنابيب يجلب المياه المالحة المتبقية من محطة تحلية العقبة إلى البحر الميت، مما يخلق اتصالاً مباشراً بين البحرين الأحمر والميت، لكن الكمية التي تمتد عبر خط أنابيب يبلغ طوله 227 كيلومتراً ستكون صغيرة جداً، إلى جانب مشروع المياه قامت وزارة المال والبنية الأساسية بوضع مخطط مالي وإنشائي متكامل لبناء شبكة الطريق السريع الإقليمي، وبحيث تسمح بوصول بري آمن وبسيط الكلفة لدول عربية للبحر المتوسط (مثل طول الطريق البحري من ميناء الدمام، الميناء المركزي للسعودية، للبحر المتوسط عن طريق الخليج العربي والبحر الأحمر وقناة السويس هي ستة آلاف كيلومتر والطريق البري عبر إسرائيل لميناء حيفا هو 600 كيلومتر، من بغداد عبر طريق البحر ثمانية آلاف كيلومتر، طريق إسرائيل 1600 كيلومتر)، وكذلك تطوير مشروع قناة البحرين، وإعلان كلفة مبدئية لإنشاء ميناء عائم أمام سواحل غزة.
تهديد قناة السويس
خطط إسرائيل لحفر قناة مواجهة لقناة السويس، السيناريو الأول قناة تسير في خط مستقيم من (إيلات) بامتداد وادي عربة شمال البحر الميت وتنحرف غرباً لتتصل بميناء حيفا، وهي بطول 3900 كيلومتر، السيناريو الثاني قناة تمر من موقع قريب من قرية (أم الرشاش) المصرية في إيلات وتتجه شمالاً مستغلة وادي عربة ومخترقة صحراء النقب وصولاً إلى وادي غزة على البحر بطول 280 كيلومتراً، السيناريو الثالث قناة تقع إلى الشمال من الثانية متصلة بالبحر الأبيض المتوسط عند ميناء (أشدود) بطول ثلاثة آلاف كيلومتر.
يقوم على أساس تنفيذ مشروع الممر الملاحي المنافس لقناة السويس من خلال مرحلتين، المرحلة الأولى مرحلة إسرائيلية عربية بمشاركة دولية وتقوم على أساس إنشاء القناة الجنوبية من البحر الأحمر إلى البحر الميت، والمرحلة الثانية مرحلة إسرائيلية خالصة لكن بدعم أميركي وتقوم على أساس إنشاء قناة شمالية لها مسارين. المسار الأول يمتد من البحر الميت إلى البحر المتوسط، والمسار الثاني يمتد من إيلات إلى البحر المتوسط مباشرة عبر الصحراء.
خطوط الغاز
اتخذ كل من قبرص واليونان خطوات جادة في إنشاء خط غاز (East Med)، واهتمام من الاتحاد الأوروبي لإنجاز الخط الذي سينقل الغاز من إسرائيل وقبرص عبر خط يمتد من خلال المياه العميقة في البحر المتوسط ويصل إلى اليونان ثم إلى أوروبا، ليصبح بديلاً عن الغاز الروسي الذي يسيطر على السوق الأوروبية، ويمر خط (East Med) في مياه المتوسط ويبدأ من إسرائيل ويمر إلى قبرص ثم إلى اليونان.
والمقصود هنا الجزء من الخط الذي سيربط قبرص باليونان ويمر في مياه المتوسط، وبحسب الرؤية اليونانية لحدودها البحرية ولجزيرة كاستيلوريزو، المفترض أن يمر الخط في شريط بحري مشترك بين قبرص واليونان.
أما بحسب الرؤية التركية لحدودها البحرية ولجزيرة كاستيلوريزو سيقطع الشريط البحري الواصل من تركيا إلى ليبيا ذلك الشريط البحري الواصل بين قبرص واليونان، وهذا يعني أن خط (East Med) حتى يصل إلى اليونان سيكون عليه أن يمر عبر المياه التركية أو عبر المياه المصرية.
الأكثر ترجيحاً في هذه الحالة، وبسبب الخلافات التركية - اليونانية التاريخية، فإن الخط سيمر في المياه المصرية ثم المياه اليونانية.
إن المساعي التركية لوضع قدم داخل منطقة شرق المتوسط تصطدم بالتزام اتفاقات ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص واليونان باتفاق الأمم المتحدة لقانون البحار (CNUDM)، فضلاً عن الدور القوي لمنتدى شرق المتوسط للغاز في ضمان التوزيع العادل لثروات المنطقة الذي يحظى بمساندة أوروبية وأميركية.
يؤثر خط الغاز الإسرائيلي القبرصي اليوناني في المشروع المصري بالتحول لمركز لتصدير الطاقة وذلك من ناحيتين، أولاً ضمان الحقوق المصرية في التصدير عبر اتفاقين مع إسرائيل وقبرص، وثانياً أن المشروع المصري أوسع من تصدير الغاز إذ يشمل تصدير الكهرباء إلى دول أوروبية وآسيوية وأفريقية.
الخلاصات الأخيرة
ستستمر إسرائيل تسوق لخيار السلام الإقليمي انطلاقاً من تحقيق السلام الاقتصادي أولاً وهو ما يجري الآن وفي إطار مخطط قائم على فكرة المصالح الآنية لكل الأطراف للوصول إلى التوافقات الممتدة، خصوصاً مع تعثر فكرة السلام السياسي وحل القضية الفلسطينية، والتوصل إلى حل مقبول في ظل ما يجري فلسطينياً سيصبح السلام الاقتصادي بين إسرائيل ودول المنطقة هو الأهم من دون حل أو تسوية، أو توافق مع الجانب العربي عامة والفلسطيني على وجه الخصوص، الأمر الذي يؤكد على أن أغلب المشاريع الإسرائيلية سترتبط بعنصرين، التمويل وتوافر الإرادة السياسية بين بعض الدول العربية وإسرائيل.