كان لطموحات إيران وتركيا الإقليمية تداعياتها السلبية على استقرار محيطهما، في آسيا الوسطى والشرق الأوسط، وامتد هذا الطموح إلى الساحة العالمية لتحقيق مكاسب جيوسياسية. ففي حين تتلقى المسيرات الإيرانية أو ما يعرف اختصاراً باسم UAVs الاهتمام الإعلامي الغربي بفعل تزويد روسيا بها في الحرب مع أوكرانيا نجد أن تركيا المنافس الإقليمي لإيران تزود الطرف الآخر في الحرب، وهو أوكرانيا، بالمسيرات.
ومن ثم ينطلق سباق وتنافس بين الدولتين الإقليميتين لتولي مكانة موردي الأسلحة عالمياً، ولا يمكن إغفال أنه سيكون لسباق المسيرات وانتشارها في الشرق الأوسط تداعيات وخيمة. ومن جهة التنافس التركي - الإيراني في هذا المجال نجد أن المسيرات التركية والإيرانية تدعم الأطراف المتصارعة في الحروب المشتعلة في الأعوام الماضية.
ففي حرب أذربيجان وأرمينيا دعمت تركيا وإسرائيل باكو بالطائرات المسيرة، فازداد الشعور بانعدام الأمن لدى إيران، وتمثل أذربيجان جانب انعدام الأمن على حدودها الشمالية، فتتمتع أذربيجان بعلاقات قوية مع تركيا التي تعتبرها طهران منافساً في الجغرافيا السياسية الإقليمية. وقد عملت أذربيجان على إقامة علاقات مع خصمي إيران الأساسيين، الولايات المتحدة وإسرائيل، اللذين تتهمهما طهران باستخدام الأراضي الأذربيجانية كنقطة انطلاق لعمليات جمع المعلومات الاستخبارية المختلفة ضد إيران، كما أن أذربيجان مستورد رئيس للأسلحة الإسرائيلية. لذا، في المقابل، من المحتمل أن تزود إيران أرمينيا بطائرات مسيرة.
الميدان العسكري الآخر الذي تتجلى فيه الطموحات الإيرانية - التركية، هو الحرب الروسية - الأوكرانية. ففي حين تلقت أوكرانيا الطائرات المسيرة التركية المعروفة باسم "بيرقدار تي بي 2" والقائمة على التكنولوجيا الغربية، اعتمدت روسيا بعد نضوب مخزونها الصاروخي على المسيرات الإيرانية، إذ أرسلت إيران نوعين من الطائرات من دون طيار: مهاجر 6 وشاهد.
وفي حال المقارنة بين المسيرات التركية والإيرانية قد تكون التركية هي الأفضل، وذلك اعتماداً على مدى الارتفاع ومدة التحليق في الجو أو ما يعراف باستدامة التحليق. ففي حين يمكن للمسيرات التركية أن تبقى في الجو لمدة 27 ساعة فإن قدرة الأنواع الإيرانية تراوح ما بين 24 و12 و4 ساعات ونصف.
لكن المؤكد أن دخول المسيرات التركية والإيرانية ميادين القتال سيلقي الضوء على أنقرة وطهران والترويج لهما عالمياً كموردي أسلحة في مجال المسيرات. وهو ما دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى القول إنه أينما ذهب يسأل عن المسيرات التركية. والتصريح ذاته تباهى به إبراهيم رئيسي الرئيس الإيراني الذي تباهى بأن بلاده كانت تستورد الأسلاك الشائكة، والآن هي من الدول رائجة السمعة في مجال المسيرات. ربما تحاول طهران تضخيم قدراتها في هذا الشأن لا سيما اعتمادها على نماذج وتصميمات محلية، كما أكد اللواء الإيراني يحيى رحيم صفوي نجاح بلاده في تصنيع الطائرات من دون طيار، وأن هناك عروضاً من 22 دولة لشرائها. ونقلت إيران وتركيا المسيرات لكل من إثيوبيا خلال حربها مع إقليم تيغراي وإلى فنزويلا، فقد تحالفت تركيا بشكل واضح مع حكومة إثيوبيا، ووقعتا اتفاقاً عسكرياً في عام 2021.
أما على مستوى الشرق الأوسط فمعلوم نقل إيران تصاميم الطائرات المسيرة لوكلائها الإقليميين في سوريا والعراق ولبنان وغزة. الأمر ذاته قامت به تركيا التي نشرت مسيراتها في شمال أفريقيا وزودت بها ليبيا. وأطلقت تركيا هجماتها منذ عام 2019، التي نفذتها باستخدام الطائرات من دون طيار ضد حزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إن خطورة انتشار المسيرات التركية والإيرانية في المنطقة هي أنها أوجدت تهديداً أمنياً جديداً لدول المنطقة. وعلى رغم من كون المسيرات الإيرانية ليست في مستوى كفاءة نظيرتها التركية إلا أن المسيرات الإيرانية تمتاز بأنها أرخص وأقل كلفة، ويراوح ثمن الطائرة المسيرة ما بين 20 ألف دولار و30 ألفاً، في حين يراوح سعر نظيرتها التركية بين مليون ومليوني دولار. مع ذلك، تحاول إيران توسيع نطاق مبيعاتها، لكن المؤكد أن عملاء طهران ليسوا من الفاعلين غير الدول فحسب، إنما الدول التي تطبق عليها عقوبات أو لديها علاقات سيئة مع الغرب.
وسيؤدي انتشار المسيرات التركية والإيرانية إلى تدمير شبكات الكهرباء ومحطات الكهرباء الفرعية وخطوط أنابيب المياه وخطوط السكك الحديدية وكل ما يتعلق بالبنية التحتية للدول المستهدفة على غرار هجمات الحوثيين على أهداف سعودية، وعلى غرار الهجوم الإيراني على الناقلة "ميرسر ستريت" في بحر العرب، ومن ثم تهديد سلامة وأمن الطاقة والملاحة.
إن الطموح التركي والإيراني والرغبة في تحقيق مكاسب جيوسياسية قد يسهمان في انتشار المسيرات في يد التنظيمات الإرهابية والمسلحة في المنطقة، بما يمثل تهديداً جديداً يواجه دول المنطقة. فضلاً عن استخدامها لدعم الفصائل السياسية المدعومة من أي منهما على غرار الاتفاق الذي وقع بين وزير الدفاع التركي خلوصي أكار ورئيس الحكومة الموقتة في طرابلس عبدالحميد دبيبة، إذ وقعت صفقتان عسكريتان في إسطنبول في 25 أكتوبر (تشرين الأول)، قيل إنهما تمهدان الطريق لبيع تركيا طائرات من دون طيار قتالية من طراز "بيرقدار" إلى حكومة الدبيبة الذي أنشأ وحدة طائرات من دون طيار. وقد تجاهلت تركيا بذلك التحذيرات من انتهاك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على حكومة الدبيبة، كما تتجاهل إيران قرار الأمم المتحدة رقم 2231 الذي يحظر عليها استيراد أو تصدير الأسلحة التقليدية لمدة تصل إلى خمس سنوات، وعلى تطوير واختبار الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية والطائرات المسيرة لمدة تصل إلى ثماني سنوات.
إجمالاً، إن المسيرات التركية والإيرانية إحدى الأدوات المستخدمة لتوسيع النفوذ الجيوسياسي لأنقرة وطهران إقليمياً وعالمياً، فضلاً عن تهديد خصومهما الإقليميين باستخدامها. وفي الوقت ذاته الوقت اكتساب سمعة عالمية باعتبارهم من القوى الموردة لهذا النوع من الأسلحة الذي أصبح أكثر انتشاراً أخيراً.