تطلق الأحزاب الإسرائيلية حملات الانتخابات البرلمانية المقررة في 17 سبتمبر (أيلول) المقبل، وسط تغييرات ملموسة في الخريطة الحزبية وخطر كبير على أحزاب اليمين والحزب الحاكم، "الليكود"، برئاسة بنيامين نتنياهو. فتشكيلة أحزاب اليسار والوسط ومواقف رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، أفيغدور ليبرمان، بشأن عدم الدخول إلى حكومة نتنياهو، تهددان كرسي نتنياهو الرئاسي واحتمالات تشكيل حكومة بأكثرية أحزاب اليمين والمستوطنات. فآخر استطلاع للرأي بيّن أنه من دون ليبرمان، لا تنجح كتلة اليمين في اجتياز الـ61 مقعداً، بل تصل إلى 56 فقط. وبهذا يمكن لليبرمان منع تشكيل حكومة اليمين.
وعلى الرغم من أن الاستطلاع يمنح نتنياهو الثقة في إمكانية فوزه، لكنه لن يتمكن من تشكيل الحكومة، إذ يتصدر بقية رؤساء الأحزاب بفارق كبير في حصوله على 35 في المئة من الأصوات، ويليه رئيس "أزرق - أبيض" بيني غانتس بـ22 في المئة. أما إيهود باراك، فيحتل المرتبة الثالثة بـ12 في المئة فقط.
لكن من جانب آخر، تثير نتائج الاستطلاع القلق لدى نتنياهو، إذ أظهرت أنه في حال توحدت أحزاب اليمين (البيت اليهودي والاتحاد الوطني وكتلة يهودية واليمين الجديد وزيهوت) فلن تحصل سوى على 19 مقعداً. وفي هذه الحالة، يحصل "الليكود" برئاسة نتنياهو على 25 مقعداً فقط. فتشكل أحزاب اليمين معاً، من دون ليبرمان، 61 مقعداً. وهذا بحد ذاته لا يتيح لنتنياهو إمكانية تشكيل حكومة ثابتة وأكثرية مضمونة.
بديل أمني وسياسي
في هذه الانتخابات، كما في الانتخابات الأخيرة التي جرت قبل ثلاثة أشهر في إسرائيل، تركز الأحزاب المنافسة لنتنياهو على ملفات فساده، لكن رئيس الحكومة الحالي يستطيع التملص من ذلك من خلال قوانين نجح في سنها، وأولها قانون التحصينات، الذي يمنع إقالته في حال تقديم لائحة اتهام ضده، ما يضع هذه الأحزاب في مكانة تتطلب التوجه إلى مسار آخر في مواجهة نتنياهو.
الوزير السابق حاييم رامون، من حزب العمل، رأى أن خطة أمنية وسياسية لمستقبل إسرائيل من شأنها إضعاف نتنياهو، لكنه غير متفائل من مقدرة الأحزاب المنافسة على وضع خطة كهذه. فحزب "أبيض-أزرق" لن ينجح في طرح هذه الخطة، لأن اليسار والوسط لم يتعلما أي شيء. ووفق رامون، "البديل المناسب لأحزاب اليسار والوسط يجب أن يركز على مواضيع سياسية وأمنية: الحاجة إلى إنقاذ القدس اليهودية وفصل القرى الفلسطينية عنها، التي لم تكن في أي يوم جزءًا من المدينة. وضع خطة تضمن الأمن لمنطقة الجنوب من صواريخ وعمليات حركة حماس.
ضعضعة التحالف الذي عقده نتنياهو مع حماس، ومعارضة رفض نتنياهو للقاء (الرئيس الفلسطيني) محمود عباس من دون شروط مسبقة، في الوقت الذي يجري مفاوضات غير مباشرة مع حماس والجهاد الإسلامي. إدانة يومية لنتنياهو على أنه ضاعف في فترة ولايته عدد المستوطنين الذين يعيشون خارج الكتل الاستيطانية المتفق عليها، من 65 ألف شخص إلى 130 ألف شخص، بهدف منع الانفصال عن الفلسطينيين وإحباط حل الدولتين".
ووفق الاستطلاعات التي أُجريت أخيراً، تبيّن أن غالبية 60 في المئة من الإسرائيليين يؤيدون الانفصال عن الفلسطينيين، ونسبة ليست قليلة من مصوتي "الليكود" تدعم إقامة دولة فلسطينية، وهؤلاء يشكلون ستة مقاعد. ويرى رامون أن مواجهة هذه المواضيع يمكن أن تحول أصواتاً من كتلة اليمين – الحريديم إلى كتلة الوسط – يسار.
"حماس" نقطة ضعف نتنياهو
رفض نتنياهو لقاء عباس مقابل قبوله التفاوض مع "حماس" والتوصل إلى اتفاق تهدئة، يأخذ حيزاً مهماً من النقاش في إسرائيل. فمنذ اتفاق التهدئة، يواجه نتنياهو معارضة وانتقادات من الأحزاب كافة، لتصبح "حماس" نقطة ضعفه في معركته الانتخابية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن نتنياهو، حتى اللحظة، يحافظ على الصمت. وعبرت جهات سياسية وأمنية عن استغرابها من صمته هذا، الذي وصل إلى حد أن الإسرائيليين يتلقون الأخبار والمعلومات حول وقف إطلاق النار من وسائل الإعلام الفلسطينية وإعلام "حماس".
ودعا سياسيون نتنياهو إلى الخروج عن صمته في كل ما يتعلق بـ"حماس"، والاعتراف بأن جهات إسرائيلية رسمية تجري اتصالات مكثفة معها. وترى هذه الجهات السياسية أن صمت نتنياهو المتواصل في هذا الموضوع، وليس سلوكه الحذر، هو مشكلة.
باراك ووحدة الأحزاب
نتائج الاستطلاع التي منحت إيهود باراك، الذي شغل في السابق منصب رئيس الحكومة، مكانة ثالثة بعد نتنياهو وغانتس لا تنعكس على أرض الواقع في المعركة الانتخابية. فالتحركات من طرف باراك بتوحيد كل الأحزاب في وجه نتنياهو، والأصوات الداعية إلى دعمه، تجعلاه يسيطر على أجندة المعركة الانتخابية.
فقد أعلن باراك عن تأسيس حركة حزبية تجمع قوى المعارضة في كتلة واحدة أو اثنتين لضمان إسقاط نتنياهو، لكن هذه الدعوة لم تحظ، حتى الآن، بتأييد واسع، إلا أن احتمالات التوصل إلى اتفاق مع حزب العمل وأحزاب أخرى لا تزال واردة. وهذا ما يضع نتنياهو في قلق جدي على مستقبله السياسي، ما قد يُضطره إلى الاتجاه بالمعركة الانتخابية إلى مسارات أخرى. وهناك جهات أمنية وسياسية تحذر من خطوات متهورة لنتنياهو إزاء وضعه الحالي، بما في ذلك الاندفاع باتجاه عمل عسكري يؤدي إلى تصعيد أمني في الجبهة الجنوبية أو الشمالية، لينقذه من الفشل.