يقترب شبان وشابات في ما يشبه عمليات التسلل من رجال الدين، أحياناً من الخلف، وأحياناً أخرى يتسللون إلى جانبهم. ومن ثم، وفي لفتة تجمع بين عدم الاحترام والاحتقار، بل وربما في اندفاع قوي نابع من حيوية الشباب، يوقعون عمامة الملا عن رأسه.
تزخر الإنترنت الإيرانية بمقاطع فيديو كهذه، تظهر شباباً يبادرون إلى حصتهم من الانتقام من رجال الدين الذين تحكموا بهم لعقود. ولا يجوز لوم [مؤاخذة] الشباب [على ما يفعلون]، أو حتى الملايين من الإيرانيين في البلاد وفي الشتات الذين يحيونهم.
يستحق رجال الدين الإيرانيون عموماً الإذلال. فالمرشد الأعلى علي خامنئي، ومساعدوه من رجال الدين الموزعون في مختلف فروع الحكومة، ومتملقوهم الجبناء، يرهبون [يزرعون الخوف في صدور] الإيرانيين منذ نحو 44 سنة. لقد أساؤوا في شكل منتظم معاملة مواطنين مثل مهسا أميني البالغة من العمر 22 سنة، والتي تسبب مقتلها أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق في اندلاع الانتفاضة المستمرة منذ سبعة أسابيع. ونهب رجال الدين ثروات البلاد خدمة لغاياتهم الخاصة. لقد حولوا إيران إلى دولة منبوذة لا يثق بها جيرانها وتتجنبها الدول الأخرى باستثناء المارقة منها.
لكن استهداف شخص يرتدي الزي الديني ويمشي في الشارع منصرفاً إلى شؤونه الخاصة ليس مظهراً جيداً للمعارضة، ويجب عدم التشجيع عليه، ذلك أن المعارضة الإيرانية تشن الآن ثورة، وليس حرباً شاملة، ولا بد من أن يكون هدفها الرئيس المساعدة في توسيع الانتفاضة الشعبية حتى تتمكن من إرباك النظام.
لا يقتصر ما يفعله الناشطون والمقاتلون المعارضون على استهداف رجال الدين بحيل غير مؤذية نسبياً. هم يضربون أيضاً المعاهد الدينية ومكاتب خامنئي الفرعية بالقنابل الحارقة في أحلك ساعات الليل. وفي إحدى الحالات، أواخر الأسبوع ما قبل الماضي، قتل رجل دين في الجنوب الشرقي للبلاد رمياً بالرصاص في سيارته.
قال أحد الناشطين في تطبيق "كلوب هاوس" للمناقشة: "لا فرق بين ارتداء الزي الديني الآن في إيران وارتداء الزي النازي أثناء الحرب العالمية الثانية في ألمانيا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هناك أسباب وجيهة لضرب أهداف كهذه. على مدى 33 سنة في منصب المرشد الأعلى، حول خامنئي المؤسسة الدينية إلى ملحق للنظام، فصب الموارد العامة في خزائن المؤسسات الدينية والمعاهد الدينية التي يديرها مبعوثون فاسدون. وتمارس هذه المؤسسات التلقين العقائدي لمقاتلي الباسيج المتعصبين الذين يرهبون الناس العاديين. وهي تؤدي دوراً في تدريب المقاتلين العراقيين واللبنانيين وغيرهم من المقاتلين الأجانب الذين يخدمون مصالح النظام في الخارج.
لكن عديداً من الإيرانيين لا يزالون متدينين – أو في الأقل محافظين ثقافياً واجتماعياً – حتى ولو كانوا يشعرون بالاشمئزاز إزاء انتهاكات النظام الجسيمة وفساده الأساسي وعجزه العميق. وهم من الذين يقفون موقف الحياد في انتظار انتهاء الانتفاضة، ويسهمون في بقاء الأعداد التي تشارك في احتجاجات متفرقة، متدنية على نحو تستطيع قوات الأمن التعامل معه [تطويقه] بعنف مدروس.
ولكن زرع النفور في نفوس المحايدين [استعداؤهم وعدم استمالتهم] يدفعهم إلى البقاء على الهامش، أو إلى ما هو أسوأ حتى من ذلك، أي الانضمام إلى النظام.
في غرف الدردشة في "كلوب هاوس" ومجالات "تويتر"، يناقش الإيرانيون داخل البلاد وخارجها منذ أسابيع كيفية إغواء [استدراج] هؤلاء الناس للمشاركة في الانتفاضة وإقناعهم بذلك وإرغامهم عليه. ويعاني الناشطون داخل البلاد تحديد الطريقة التي يجتذبون بها ملايين الإيرانيين الأكبر سناً هؤلاء، الذين يعارض كثر منهم النظام وشاركوا في جولات سابقة من الاحتجاجات تعود إلى عام 1999، لينهضوا من أرائكهم وينزلوا إلى الشارع.
كذلك لم ينضم المحافظون المتدينون في إيران إلى الاحتجاجات بعد، لكن عديداً منهم يقولون إنهم يشعرون بالاشمئزاز إزاء مقتل أميني ونهج القمع الذي تتبعه الحكومة منذئذ بقدر ما يفعل مواطنوهم الأكثر علمانية، ويشعرون كذلك بالغضب الشديد إزاء فساد النظام وعدم كفاءته.
وعلى ما أبلغني أحد الناشطين: "هم لا يأتون [لا ينضمون إلى المحتجين] لأنهم يخشون ما قد يحدث في المستقبل. هم يجلسون خائفين في منازلهم لأنهم لا يعرفون ماذا قد يحدث إذا نجحنا وماذا قد يحدث إذا لم ننجح. وفي كلتا الحالتين، يعتقدون بأننا سنخسر. أظن بأن الاحتجاجات، في حال خروج هذا الحشد إلى الشارع، قد تكون أضخم بأربعة أضعاف".
يتمثل قلقهم، الذي تؤججه وسائل الإعلام التابعة للنظام والمدافعون عنه، في أن إيران قد تتحول إلى سوريا أخرى، إذ يستخدم نظام مصمم وعنيف الوسائل المتاحة كلها لقمع معارضيه، الذين يلجؤون أيضاً إلى العنف، ما السبيل إلى إقناع هؤلاء الناس، الذين يقولون إنهم لا يريدون لإيران أن تتحول إلى سوريا أخرى، بالانضمام إلى الانتفاضة؟
يقول ناشطون ومفكرون إيرانيون إن أحد الحلول يتلخص في تقديم صورة للوحدة والشمولية، رؤية جذابة لإيران مستقبلية تتعارض تماماً مع النظام الذي يحتكر السلطة لصالح أنصار خامنئي.
يقول محمد علي كاديفار، الباحث في كلية بوسطن: "تتلخص الأولوية الأولى في توسيع عدد المشاركين في الحركة – سواء في التظاهرات التي تجري في الشارع أو الإضرابات أو الاعتصامات. وللقيام بذلك، يمثل التنظيم عاملاً والرؤية الواضحة للمستقبل عاملاً آخر – رؤية واضحة تعطي الأمل. يتعين على المعارضة أن تعطي الثقة في قدرتها على حكم البلاد وتحسين حياة سكانها".
رغم صعوبة تقبل البعض ذلك، هو قد يعني توجيه رسالة ترحيب إلى الإيرانيين المحافظين أو أنصار النظام السابقين – من رجال دين، وأعضاء في الحرس الثوري، بل وربما حتى مقاتلين في الباسيج – بأنهم سيحظون بمكان في إيران المستقبلية.
على هؤلاء الأفراد الذين ارتكبوا أعمالاً حقيرة، بغض النظر عن ارتدائهم لباس رجال الدين أو الزي العسكري، أن يحاسبوا على جرائمهم وأن يحاسبوا على ما ارتكبوه في حق ضحاياهم. وتشمل هذه الجرائم سحب امرأة اختيرت عشوائياً وتبلغ من العمر 22 سنة من الشارع لعدم ارتدائها ملابس تعتبر إسلامية ومعاملتها بوحشية.
ويجب إصلاح المؤسسات العسكرية أو الدينية أو المدنية التي تشكل جزءاً من آلية القمع أو تفكيكها.
لكن إسقاط العمامة عن رأس رجل دين كيفما اتفق من شأنه أن يبعث بنوع خاطئ تماماً من الرسائل [لا يصب في مصلحة حركة الاحتجاج] – نوع يشير إلى أن انتفاضة إيران قد تثمر جمهورية إسلامية على شكل الموجودة [نسخة مكررة منها]. والإيرانيون قادرون على تقديم أداء أفضل [الإتيان بأفضل من ذلك].
© The Independent