من بين البنود على القمة الصينية - الأميركية على هامش اجتماعات قمة العشرين في إندونيسيا، في حال حدوثها، بند يتعلق بالسباق الفضائي بين الصين والولايات المتحدة. وعلى رغم أن موضوعات مثل تطوير الصين ترسانتها النووية وتعزيز قدراتها العسكرية بشكل عام وانحيازها إلى روسيا في ما يخص الحرب في أوكرانيا، فضلاً عن الصراع التجاري طبعاً، تعد موضوعات ساخنة بين بكين وواشنطن، فإن تطوير الصين صناعاتها الفضائية ووجودها في الفضاء يقترب من أن يجعلها المنافس الرئيس للريادة الأميركية في هذا السياق مثلما كان الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة في القرن الماضي.
تطور النشاط البشري في الفضاء حالياً إلى ما يوصف بأنه "المرحلة الثانية" أو Space 2.0 الذي يتركز على السفر إلى الفضاء. وبدأت شركات خاصة ناشئة كثيرة تدخل مجال الصناعات الفضائية، تتركز غالبيتها في الولايات المتحدة. وحسب أرقام صندوق الاستثمار الجديد "سبيس كابيتال" التي نشرها موقع "ستاتيستا" الإحصائي فإن إجمالي الاستثمارات في هذا المجال، وفي الشركات الناشئة فيه تحديداً، منذ عام 2014 بلغ 265 مليار دولار. نحو نصف تلك الاستثمارات في شركات أميركية جديدة تعمل في مجال الصناعات الفضائية، بينما أقل من الثلث في شركات صينية.
وحسب تقديرات "سبيس كابيتال" بلغت استثمارات الشركات الخاصة الناشئة في الولايات المتحدة منذ عام 2014 وحتى بداية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي نسبة 46.3 في المئة من إجمالي الاستثمارات العالمية، بينما بلغت الاستثمارات في شركات الفضاء في الصين في تلك الفترة نسبة 29.8 في المئة من إجمالي الاستثمارات العالمية في مجال الفضاء. ويتضح الفارق بين الولايات المتحدة والصين وبقية الدول التي لديها صناعات فضائية من أن أول بلد في الترتيب بعد الصين، وهي سنغافورة، لم يزد نصيبها من تلك الاستثمارات على نسبة خمسة في المئة إلا بقدر ضئيل، بينما كان نصيب بريطانيا مثلاً أقل بكثير من خمسة في المئة.
السياحة الفضائية
بعدما كانت صناعة الفضاء حكراً تقريباً على مؤسسات حكومية مثل وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) وشركات الصناعات الدفاعية والفضائية الكبرى مثل "بوينغ" و"إيرباص" و"لوكهيد مارتن"، دخلت الكثير من الشركات الخاصة الناشئة مجال الصناعات الفضائية في السنوات الأخيرة.
تعد شركة "سبيس إكس" التي أسسها الملياردير الأميركي إيلون ماسك مؤسس شركة السيارات الكهربائية العملاقة تيسلا عام 2002 من أوائل تلك الشركات. وعلى رغم أنها لم تدخل مجال السياحة الفضائية بعد، أي نقل ركاب إلى الفضاء وإعادتهم في رحلات سياحية فضائية، فإنها الآن الأكبر والأكثر رسوخاً من بين شركات الفضاء الخاصة الجديدة.
أما أول من أطلق رحلة سياحية فضائية فكان الملياردير البريطاني ريتشارد برانسون عبر شركته الفضائية "فيرجين غالاكتيك"، وانطلقت تلك الرحلة في 11 يوليو (تموز) العام الماضي 2021. وكان على متنها أربعة سياح للفضاء، وبلغت كلفة الرحلة نحو ربع مليون دولار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي الشهر نفسه، وفي يوم 20 منه، سافر الملياردير الأميركي ومؤسس شركة "أمازون" جيف بيزوس إلى الفضاء لمدة 11 دقيقة ومعه ثلاثة أشخاص على متن الصاروخ الفضائي "نيو شيبرد" التابع لشركة بيزوس الفضائية "بلو أوريجين" التي أسسها عام 2020.
وفي منتصف شهر سبتمبر (أيلول) العام الماضي 2021 أطلقت شركة "سبيس إكس" أول رحلة سياحية إلى الفضاء على متنها أربعة سياح ومن دون رواد فضاء وذلك لمدة ثلاثة أيام. وكانت تلك أول رحلة فضائية على الإطلاق من دون رواد فضاء أو ملاحين فضائيين.
استغلال الفضاء
وعلى رغم أن إيلون ماسك سبق ريتشارد برانسون وجيف بيزوس في تأسيس شركته الفضائية، فإن "سبيس إكس" تركز في نشاطها على التعاون مع "ناسا"، وتملك الآن أكبر عدد من الصواريخ والمركبات الفضائية. وبنهاية شهر مايو (أيار) 2020 التحقت أول رحلة فضائية تسيرها الشركة مع محطة الفضاء الدولية. وتقوم مركبات الشركة بعمليات نقل المؤن والمعدات إلى المحطة لصالح وكالة "ناسا".
كما تعد شركة إيلون ماسك أيضاً رائدة في مجال الأقمار الاصطناعية منخفضة المدار التي تستهدف توفير الإنترنت الفائق السرعة للمناطق الأقل اتصالاً بالإنترنت في العالم، وذلك عبر شبكة من تلك الأقمار الاصطناعية هي "ستار لينك". وبحلول شهر أغسطس (آب) 2022 كان لدى الشركة 2800 قمر اصطناعي ضمن شبكة "ستار لينك" تدور حول الأرض، وتهدف إلى زيادة عددها إلى نحو 12 ألف قمر اصطناعي العام المقبل.
وحسب تصريحات ماسك في أكثر من مناسبة، فإن الهدف النهائي لشركة "سبيس إكس" هو الوصول إلى المريخ ليس في رحلات سياحية أو حتى علمية ولكن بهدف "استعمار المريخ" على حد تعبير مؤسس الشركة - أي إقامة مستعمرات على الكوكب.
المنافسة مع الصين
ولعل شركة إيلون ماسك تعد في هذا السياق المنافس الأكبر، من القطاع الخاص غير الحكومي، لجهود الصين لاستغلال الفضاء. فأغلب الاستثمارات الصينية في الاستعداد للوصول إلى القمر وبناء مركز ثابت لها على القطب الجنوبي أو بناء محطة فضائية دولية صينية تكاد تكتمل الآن، أو حتى الوصول إلى كواكب أخرى، فالهدف هو الاستفادة من أي مواد خارج الأرض، سواء من المعادن النادرة أو غيرها.
وربما ذلك ما حفز الإدارة الأميركية لإعادة إحياء مشروع وكالة "ناسا" للوصول إلى القمر مجدداً. ويرى كثير من المعلقين الأميركيين والمتخصصين في مجال الفضاء أن فرصة الولايات المتحدة للاحتفاظ بالريادة الفضائية والتغلب على الصين في هذا السياق هي عبر القطاع الخاص لا البيروقراطية الحكومية.
ويرى هؤلاء أن ترك الأمر لوكالة "ناسا" وغيرها من الهيئات الرسمية سيعني استمرار الجمود والركود الذي هيمن على الجهود الفضائية الأميركية في السنوات الأخيرة، وجعل الصين تتطور إلى حد منافسة الريادة الأميركية وربما التساوي معها في غضون عامين على الأكثر.
وحجة هؤلاء أن القطاع الخاص يملك التمويل وروح المغامرة التي يمكنه الاستفادة من التطورات التكنولوجية الحالية والبناء عليها وتشجيع الابتكار. ولأن هدف القطاع الخاص الرئيس هو الربح فإن ذلك سيكون حافزاً أكبر للتطوير السريع بشكل أفضل من الوكالات الحكومية.