يرى المتنبي أن "لكل داء دواء يستطاب به إلا الحماقة أعيت من يداويها"، لكن إيلون ماسك أعلنها صريحة واضحة لا مجال للتأويل فيها، "سنرتكب حماقات كثيرة"، الحماقة شأنها شأن كثير من مفاهيم الحياة مفهوم نسبي وما يبدو لأحدهم تصرفاً أحمق، ربما يكون إجراء عبقرياً لآخر وتظل العبرة بالخواتيم.
لكن العالم اليوم أبعد ما يكون من مرحلة الخواتيم، إذ استهل ماسك صفحة جديدة من صفحات عالم المال والبزنس والإثارة والسياسة والفضاء والبيئة والحب والسخرية والشعرة المتأرجحة في مكان ما بين العبقرية والجنون بتغريدة على "تويتر" الذي بات يملكه يقول نصها "يرجى الإحاطة أننا سنفعل كثيراً من الحماقات خلال الأشهر المقبلة، سنحتفظ بما يصلح ونغير ما لا يصلح".
من وجهة نظر خبرية، يجري تفسير نص تغريدة "الحماقات" المتوقعة في ضوء القرارات المفاجئة والإجراءات المباغتة التي أطلق ماسك لها العنان منذ دخل في "حوض الغسيل" مقر "تويتر" عبر الاستحواذ على المنصة.
الصفقة المبرمة بعد أشهر من شد إعلان الشراء ثم جذب إشهار الانسحاب وأخيراً إبرام الصفقة بقيمة 44 مليار دولار أميركي قبل أيام تبعها انفجار سلسلة من الألغام في وجوه الجميع، إقالة ما يقرب من نصف موظفي "تويتر" وإعلان تحصيل ثمانية دولارات نظير توثيق الحسابات بالعلامة الزرقاء، واعتماد علامة "رسمي" للحسابات الموثقة وإلغاء علامة "رسمي" للحسابات الموثقة بعد ساعات من اعتمادها عبر تغريدة قال فيها المالك "لقد ألغيتها للتو"، ثم تغريدة الحماقات التي أغرقت العالم في جولات تفسير وصولات تحليل وتعليل.
مصداقية العصفور الأزرق
معظم الجولات والصولات تحصر تفسير ما يجري وتوقع الحماقات التي تلوح في الأفق على نطاق "تويتر" وعصفوره الأزرق المتنازع عليه، وهذا طبيعي فالرئيس التنفيذي الجديد لـ"تويتر" إيلون ماسك أعلن قبل أيام أن الغاية أن تصبح المنصة المصدر الأكثر دقة للمعلومات في العالم.
مجدداً، تطل نظرية النسبية بوجهها على مفاهيم الأكثر مصداقية، بحيث ما يبدو لأحدهم الأكثر مصداقية هو الأكثر التواء والتفافاً لآخرين، وما ذكره ماسك عن تحول "تويتر" ليكون المصدر الأكثر دقة للمعلومات دفع مسؤولين سابقين في المنصة إلى التساؤل الاستنكاري، "الأكثر مصداقية في نظر من؟".
تحركات أغنى رجل في العالم وأكثرهم إثارة للجدل وتأجيجاً للقيل وإشعالاً للقال إيلون ماسك منذ توجه صوب "تويتر" تدفع المهتمين بالواقع الافتراضي والعاملين في مجالات الذكاء الاصطناعي والمستخدمين للمنصات والسوائل الرقمية إلى الجلوس على حافة المقاعد استنفاراً وجاهزية لمواجهة العواصف.
عواصف ومنعطفات
عاصفة التوثيق بمقابل مادي وقبلها تسريح آلاف الموظفين وأثناءها مناشدته "أصحاب التفكير المستقل" من الأميركيين بالتصويت لمصلحة الجمهوريين في الانتخابات النصفية وبعدها التوعد أو الوعد بارتكاب حماقات، ربما تكون عاصفة هادرة زاعقة، لكنها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة.
آخر ما يتذكره فريق من المتابعين لأخبار صفقة شراء "تويتر" هو تصريح ماسك بأنه قرر شراء المنصة لمساعدة الإنسانية التي يحبها كثيراً وليس لكسب مزيد من المال، حوض الحمام أو الـ"sink" الذي دخل فيه ترمب للمرة الأولى مقر "تويتر" فسره كثيرون ضمن تفسيرات العاصفة.
فبين قائل إنه يبحث عن إثارة، أو إن الحوض يعني تطهير وتنظيف ما كان قائماً، وأدلى بعضهم الآخر بدلوه في ضوء تفسير رؤية حوض الحمام في المنام بأنه دلالة على ارتكاب الذنوب لو كان الحوض فارغاً أو بدء علاقة جديدة لو كان الحوض مليئاً بالماء.
وعلى رغم أن الحوض الذي حمله ماسك كان فارغاً، فإنه قدم تفسيراً مقتضباً بتغريدة "Let that sink in" أو "دع ذلك يأخذ وقته ليستوعب فهمه"، وربما يكون المقصود "دع استحواذي على تويتر وانتظار حدوث تغيرات كبرى يأخذ وقته ليستوعبه الجميع".
الجميع يعرف اسم إيلون ماسك الذي يمكن القول إنه أشهر رجل في العالم، لكن شهرته هذه الآونة تعتمد في المقام الأول على ما ستخوضه منصة "توتير" من تغيرات كبرى، بعضها انفجر بالفعل وبعضها الآخر آخذ في الاستعداد للانفجار، لكن ماسك ليس "تويتر".
ثلاث جنسيات
إيلون ريف ماسك الذي أتم عامه الـ52 في الصيف الماضي، ولد في بريتوريا بجنوب أفريقيا لأم كندية وأب من جنوب أفريقيا ذي أصول هولندية وبريطانية، ماسك ثلاثي الجنسية، جنوب أفريقي وكندي وأميركي.
ماسك أعلن العام الماضي أثناء استضافته في برنامج "ساترداي نايت لايف" الأميركي عن إصابته بمتلازمة "أسبرغر" وهي أحد اضطرابات طيف التوحد التي تجعل التعامل مع الآخرين مشكلة كبيرة للمصابين به.
ماسك الطفل كان شغوفاً بفكرة الكمبيوتر الذي كان في مراحله الأولى، كما أظهر اهتماماً وتفوقاً في تطوير الألعاب والبرمجة، دراسته الجامعية بدأت في كندا ثم انتهت في أميركا وأدت إلى درجتين في الفيزياء والاقتصاد، مما ساعده على التفوق كرائد أعمال ذي اهتمامات بالأفكار العلمية والتكنولوجية.
تسلسل الأعمال
التسلسل المهني والابتكاري والمالي لماسك طويل عريض، وإن كان مضغوطاً في عدد سنوات قليل، لكن هذه سمة العصر الرقمي وتقنية المعلومات.
مجلة "تايم" رصدت مسيرة ماسك العملية التقنية منذ عام 1995 في موضوع عنوانه "جدول زمني كامل لأعمال ماسك" (أبريل 2022) بدأ بـ"زيب 2" مع شقيقه وهو بديل أدلة الهواتف الورقية لكن "أونلاين"، ثم باستثمار الفكرة في "إكس كوم" وهو مصرف "أونلاين" مع ثلاثة أشخاص مؤسسين آخرين عام 1999، ويحسب لـ"إكس كوم" وقتها تيسير العمليات المصرفية وتحفيز المشاريع الصغيرة الجديدة وإنجاز التحويلات والأعمال الورقية بضغطة زر.
عام 2000 كان موعد العالم مع "باي بال"، بحيث تم دمج "إكس كوم" مع برمجيات "كونفينيتي" وخرجت أول منصة دفع إلكتروني آمن، لكن في عام 2002 تم بيع "باي بال" إلى "إي باي" بصفقة قدرت بمليار ونصف دولار أميركي وتدهورت المنصة كثيراً حتى إنه تمت إقالة ماسك من عضوية مجلس الإدارة.
لكن مثل هذه الإقالات والمشكلات لا تقلق ماسك كثيراً أو تعرقل مسيرته، ففي العام نفسه 2002 توجهت أنظار ماسك صوب استكشاف الفضاء، تحديداً استعمار المريخ، فكانت "سبيس إكس" التي تعثرت في البداية كثيراً.
تواتر فشل محاولات إطلاق صواريخ وحدوث تفجيرات غير متوقعة وغيرها لم تثن ماسك أو تضعف من عزيمته المتجهة بقوة صوب الفضاء وقد عبر غير مرة عن رغبته في أن يموت على ظهر المريخ.
على رغم السقطات والإخفاقات، فإن اسم "سبيس إكس" مكتوب في التاريخ باعتبارها الشركة الخاصة الأولى التي ترسل مركبة إلى محطة الفضاء العالمية وعدداً من الرواد، ناهيك عن اعتمادها على الصواريخ التي تستخدم أكثر من مرة، ويتفكه بعضهم بأن ماسك يحاول أن ينافس "ناسا" (إدارة الطيران والفضاء الأميركية).
خطر على الفضاء
لكن ما هو أكثر طرافة من محاولات التفكه أنها ربما تنقلب إلى حقيقة، وقد تعجب العالم كثيراً مطلع هذا العام حين حذرت "ناسا" من خطورة إيلون ماسك على الفضاء وقالت إن خططه لتعزيز أسطوله الفضائي بنحو 30 ألف قمر اصطناعي يشكل خطراً وربما يعرض محطة الفضاء الدولية لخطر داهم، مما قد يعرقل جهود مراقبة الضربات الكارثية المحتملة للكويكبات.
ماسك من جهته انتهز أول فرصة سانحة ليرد الصاع صاعين إلى "ناسا"، فبينما هي في عز مجدها وقمة فرحها بسبب نشرها صورة للتلسكوب الجديد "جيمس ويب" الذي خلف التلسكوب "هابل"، تظهر مجرات بعيدة عدة مع توقعها بقدرة التلسكوب على التقاط صور لأماكن ومجرات تبعد عن الأرض 13.5 مليار سنة ضوئية، وبينما العالم يحتفي بالصورة الأجمل والأروع والأوضح للفضاء، إذ بماسك ينشر تغريدة تحوي صورة لرخام مطبخ منزلي مشبهاً إياه بصورة "جيمس ويب".
مكايدات "ناسا" وماسك اتخذت منحى مغايراً في سبتمبر (أيلول) الماضي وتصالح المتناطحان الفضائيان بصفقة قيمتها 1.4 مليار دولار تتيح لشركة ماسك "سبيس إكس" إطلاق خمس مهمات جديدة لرواد فضاء إلى محطة الفضاء الدولية قبل نهاية العقد الحالي، وذلك لمصلحة "ناسا".
وذكرت "ناسا" أن الصفقة "ستتيح لها الحفاظ على قدرات أميركا المستمرة في وصول البشر إلى محطة الفضاء حتى عام 2030، وذلك مع شريكين تجاريين فريدين" (أحدهما "سبيس إكس" غريم الأمس القريب).
كونغرس جمهوري
وصول من نوع آخر ضلع فيه ماسك قبل أيام، وذلك بدعوته الناخبين الأميركيين "المستقلين فكرياً" إلى التصويت لـ"كونغرس جمهوري" في انتخابات التجديد النصفي.
وقال ماسك في تغريدته الداعية إلى انتخاب الجمهوريين "السلطة المشتركة تكبح جماح أسوأ تجاوزات كلا الحزبين (الديمقراطيين والجمهوريين)، لذلك أوصي بالتصويت لمصلحة الجمهوريين في الكونغرس، بالنظر إلى أن الرئاسة ديمقراطية".
ورغم ذلك، تبقى ديمقراطية ماسك الذي أعلن أنه كان يصوت لمصلحة الديمقراطيين حتى هذا العام، محل تشكيكات وأحياناً مراهنات، فالتساؤلات والتكهنات حول مصير الديمقراطية في "تويتر" حال استحواذه على المنصة كانت أقرب ما تكون إلى الرهان على تقلص هوامشها وتدهور مستوياتها.
قبل أشهر وقبل استحواذه على "تويتر"، أبدى ماسك غضباً كبيراً من السياسات المتبعة في المنصة، وهو من أكثر الشخصيات العامة استخداماً لها، وقتها اتهم ماسك سياسات العصفور الأزرق بأنها تقوض الديمقراطية عبر عدم التزامها مبادئ حرية التعبير.
ونشر وقتها ماسك استطلاعاً على حسابه على "تويتر" وطلب من المستخدمين المشاركة فيه عبر الرد على سؤال، هل تعتقد بأن "تويتر" يلتزم مبدأ حرية التعبير؟، وقال إن المشاركة في الاستطلاع "مهمة".
بعضهم فسر ذلك وقتها بأنه يفكر في إنشاء منصة منافسة لـ"تويتر" تتبع السياسات التي يعتبرها هو مناسبة.
صوت 70 في المئة بـ"لا"، أي شككت الغالبية في التزام "تويتر" قواعد حرية التعبير والديمقراطية. وانتهى الاستطلاع ولم ينشئ ماسك منصة منافسة، لكن اشترى "تويتر".
كل من استبدل اسمه باسم إيلون ماسك على "تويتر" على سبيل الدعابة والسخرية خلال الأيام الأخيرة تم حظره، ومن بين جموع المحظورين الممثلة الكوميدية كاثي غريفين التي استبدلت كلاً من اسمها وصورتها على "تويتر" بماسك.
وكان ماسك غرد قبل أيام بأن الحسابات التي تنتحل شخصية ما من دون أن يذكر صاحب الحساب أنه يفعل ذلك بغرض الدعابة والفكاهة سيتم حظرها بشكل دائم من دون تحذيرات مسبقة أو استثناءات مهما كانت هوية المحظورين والمحظورات.
حب الدعابة
الغريب أن ماسك نفسه معروف بحبه للدعابة والسخرية، أو في الأقل يحب أن يرى نفسه باعتباره شخصاً يميل إلى الفكاهة، ليس هذا فقط، بل إنه من أكبر المعجبين والمتأثرين والشغوفين بـ"مونتي بايثون"، وهي فرقة كوميدية هزلية ظلت على مدى عقود تتمتع بحس دعابة لاذع وحاد وعميق.
ويقال إن ماسك استلهم فكرة تحصيل الثمانية دولارات قيمة توثيق حسابات "تويتر" من مشهد شهير لـ"مونتي بايثون"، يتردد خلاله الممثل مايكل بالين على عيادة ويدفع مصاريف نظير الجدال مع جون كليز.
واستعان ماسك بهذا المشهد الشهير ليؤكد سياسة تحصيل الدولارات الثمانية وذيله بقوله، "إلى كل الشاكين، رجاء استكمال شكواكم، لكنها ما زالت ستكلفكم ثمانية دولارات".
المثير أن ماسك بات يعرف نفسه على صفحته على "تويتر" بأنه "مشغل الخط الساخن لشكاوى تويتر"، في الوقت نفسه لا ينسحب من معاركه أو يمتنع عن الرد على الاتهامات التي توجه إليه، بل يمعن في دخولها ويتأكد من خروجه منها إما منتصراً أو مكايداً للأعداء أو كليهما.
وبينما خبراء يتكهنون حول مصير "تويتر" في ظل هيمنة ماسك ويلوح آخرون بأنه ربما يشهد العالم انتهاء عصر "تويتر" بعد هجره ونبذه، إذ بماسك يطلق سلسلة تغريدات عن "استخدام تويتر بكثافة غير مسبوقة" وأنه يتمنى فقط "ألا تذوب الخوادم" من فرط الاستعمال.
ماسك "كيسنجر" وأوكرانيا
فرط استخدام ماسك لـ"قدراته" في حل المشكلات السياسية العويصة والصراعات الدولية العميقة أدى إلى تطلع ملايين وربما مليارات البشر للدلو الذي سيدلو به ماسك في كل مشكلة كبرى تنشأ على وجه الأرض، وربما مستقبلاً على وجه المريخ وغيره من الكواكب التي تعمل "سبيس إكس" على الوصول إليها، ويتفكه بعضهم بأن ماسك ربما يعتبر نفسه هنري كيسنجر (وزير الخارجية الأميركي السابق الأسطوري) هذا العصر.
لعب ماسك، وربما ما زال، دوراً مثيراً في حرب روسيا ضد أوكرانيا، في بداية الأزمة دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى نزال "رجل لرجل" يقرر الفائز فيه مصير أوكرانيا.
وتساءل ماسك في تغريدة عما إذا كان الرئيس الروسي مستعداً لاختبار قوته الشخصية من دون الاعتماد على قوة بلاده العسكرية.
وماسك مكن أوكرانيا من هواء الأثير العنكبوتي منذ بداية الحرب، فقدمت شركته "ستارلينك" خدمات الإنترنت لكييف عبر شبكات ضخمة من الأقمار الاصطناعية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت القوات الروسية وجهت ضربات صاروخية أدت إلى انقطاع خدمات الإنترنت الأرضية وشبكات الهاتف المحمول في أوكرانيا عقب بدء الحرب وتم شحن نحو 20 ألف مجموعة من الصحون اللاقطة وأجهزة التوجيه إلى أوكرانيا قبل أشهر.
كما تستخدم القوات الأوكرانية خدمات شركة ماسك للاتصال بينها وبين وحداتها وقواتها في أرض المعركة.
ورغم أن ماسك لوح بمنع هذا الهواء الحيوي قبل أسابيع وذلك "لتكبد شركته خسائر فادحة" وعدم القدرة على سداد الفواتير، إلا أنه تراجع عن ذلك من دون إعلان أسباب، ويشار إلى أن ماسك لم يذكر أنه طالب الكونغرس بكلفة الخدمات التي يقدمها لأوكرانيا.
كما أن مقترحه في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لإنهاء الحرب بين الدولتين المتنازعتين عبر تنازل أوكرانيا لروسيا عن شبه جزيرة القرم لاقى غضباً أوكرانياً شديداً.
وللصين نصيب
يبدو أن أكتوبر كان شهر المقترحات لمشكلات العالم شديدة الاشتعال، فطرح ماسك في الشهر نفسه أن يتم حل المشكلة بين الصين وتايوان بتحديد منطقة إدارية خاصة لتايوان، حتى لو لم ينل المتقرح رضا الجميع، لكنه حاز رضا بكين، إذ أشاد سفيرها لدى أميركا بالمقترح، مشيراً إلى أن "دولة واحدة ونظامين مبدأ أساسي لحل قضية تايوان".
ومن حل قضية تايوان إلى أقاويل نفاها ماسك قبل أيام عن تحدثه مباشرة إلى الرئيس بوتين حول الحرب في أوكرانيا وخطة سلام مقترحة لإنهاء الصراع وغيرها من الصولات والجولات في أغوار السياسة الدولية شديدة الأهمية والحساسية لم يجد الرئيس الأميركي جو بايدن مفراً من التعبير عن مخاوفه وربما تضمينها رسالة يبقى معناها في بطن الشاعر والمقامر والمغامر.
بايدن قال إنه يعتقد بأن علاقات ماسك بالدول الأخرى تستحق أن ينظر فيها، وذلك في إطار رده على سؤال حول إذا ما كان ماسك يمثل تهديداً للأمن القومي بعلاقاته بكثير من الدول وضلوعه في أمور سياسية وأمنية غير معهودة.
وكان بايدن علق على استحواذ ماسك على "تويتر" بقوله إن ماسك اشترى منصة للتواصل الاجتماعي تنشر الأكاذيب في أنحاء العالم، وأضاف "الآن ما يقلقنا جميعاً هو قيام إيلون ماسك بشراء أداة ترسل وتنشر الأكاذيب في أنحاء العالم، لم يعد هناك محررون في أميركا، لا يوجد محررون، كيف نتوقع أن يتحلى الأطفال بالقدرة على إدراك الأخطار؟".
الدوران للخلف
أخطار أخرى خطرة وقرارات "الدوران للخلف" أو "يوتيرن" فجائية عدة ارتبطت بماسك ألا وهي أخطار العملة الرقمية "بيتكوين"، ففي فبراير (شباط) عام 2021، تسبب ماسك في تحقيق "بيتكوين" قفزات قياسية حين أعلنت شركة "تيسلا" أنها اشترت نحو 1.5 مليار دولار من هذه العملة المثيرة للجدل.
في ذلك الوقت، ارتفعت قيمة "بيتكوين" لتزيد على 48 ألف دولار، إذ اعتبر مستثمرون قرار "تيسلا" بمثابة مؤشر شبه مؤكد إلى أن العملة الرقمية ستصبح أصلاً مالياً حيوياً ورئيساً، ولم تلتفت الشركة المالكة للسيارة الكهربائية الصديقة للبيئة الأشهر في العالم "تيسلا" وقتها إلى اتهامات وانتقادات توجه لها بأنها تستثمر في العملة كثيفة الاحتياج للطاقة.
يشار إلى أن مسمى "تعدين بيتكوين" يعني حاجة تعاملات "بيتكوين" إلى أجهزة كمبيوتر تستهلك الطاقة بشراهة.
وما هي إلا أشهر قليلة حتى اتخذت "تيسلا" منعطفاً مناقضاً مباغتاً، فغرد ماسك معلناً "تم تعليق قبول بيتكوين بسبب القلق من استهلاكها الكبير للطاقة عبر أجهزة الكمبيوتر"، وباعت "تيسلا" معظم ما تملكه من "بيتكوين" في وقت كانت العملة بدأت تفقد قيمتها.
واستيقظ العالم على إيلون ماسك متحولاً من أقصى يمين دعم "بيتكوين" إلى أقصى يسار تخليه عنها، والمؤكد أن دعمه للعملة المغدورة أسهم في انتشار استخدامها وبزوغ نجمها، على اعتبار أن ماسك هو العالم ببواطن فرص الاستثمار وإمكانات العملات ومستقبل التعاملات.
هوت العملة من 70 ألف دولار في نوفمبر 2021 إلى أقل من 25 ألف دولار في يوليو (تموز) 2022، وحالياً تبلغ قيمتها نحو 15 ألف دولار، حدث ذلك تحت مسمى "مخاوف تيسلا من التأثير المناخي الضار لعمليات التعدين المكثفة الخاصة ببيتكوين".
علاقة قديمة مع المناخ
واقع الحال يشير إلى أن علاقة ماسك بالمناخ قديمة، ففي عام 2018 صفقت الجماعات والمؤسسات العاملة في مجال حماية المناخ لماسك كثيراً، ولم لا وقد خرج هذا الملياردير ليعلن أن تغير المناخ هو أكبر تهديد تواجهه البشرية في القرن الحالي".
ولم يتوقف ماسك عند حد الكلمات القوية، بل ترجم كلماته إلى شركتين بازغتين ناجحتين قادرتين على تقليل انبعاثات الكربون بشكل واضح وصريح، الأولى "سولار سيتي" المتخصصة في الطاقة الشمسية والثانية "تيسلا".
مجلة "فوربس" رأت فجوة عميقة بين كلمات ماسك عن المناخ والبشرية التي تعكس شعوراً رائعاً بالمسؤولية المجتمعية ونجاحه في بناء سيارات كهربائية صديقة للبيئة من جهة، وبين معارضته لمقترح الرئيس الأميركي بايدن "إعادة البناء بشكل أفضل" الذي كان من شأنه أن يحقق نقلة كبيرة في مجال الرعاية الصحية والأسرة والمناخ محدثاً فارقاً كبيراً في حياة ملايين الأميركيين.
وكان يتوقع أن يؤدي المقترح إلى خلق ملايين الوظائف ذات الأجور الجيدة مع تخفيض قيمة ما تصرفه الأسر على متطلبات الحياة اليومية وكذلك الضرائب التي يسددونها، على أن يدفع الأغنياء والشركات الكبرى نصيبهم العادل من الضرائب.
ورغم عدم تمرير المخطط الطموح، إلا أن معارضة ماسك له قبل موت المقترح سريرياً ألقت الضوء على توجهات يصفها بعضهم بـ"الصادمة".
قال ماسك إنه من الأفضل عدم تمرير المشروع"، إذ "يجب أن تكون الحكومة حكماً وليس لاعباً في السوق" و"تبتعد عن الطريق ولا تعرقل التقدم في هذه الصناعة".
يشار إلى أن مقترح "إعادة البناء بشكل أفضل" كان يتضمن تمويلاً لمحطات شحن السيارات الكهربائية.
ضرائب وغرائب
يعرف ماسك بإتقانه التعامل مع قوانين الضرائب الأميركية، وينتقده كثيرون لأن أغنى رجل في العالم يدفع ضرائب دخل فيدرالية قليلة جداً أو معدومة، ورغم الصخب البالغ الذي صدر عن ماسك لتقديرات بسداده 11 مليار دولار ضرائب فيدرالية عن عام 2021، إلا أن "تيسلا" ظلت خارج إطار السداد، فالشركة أعلنت أن عمليات البيع في أميركا خسرت 130 مليون دولار عام 2021 قبل احتساب الضرائب، وهو ما وصفه خبراء ضرائب بأنه "مناقض للفطرة الطبيعية لكنه متوائم وقانون الضرائب الأميركي".
وتجدر الإشارة إلى أن جعبة إيلون ماسك تحوي كذلك "الشركة المملة" أو The Boring Company المتخصصة في نظام نقل عبر الإنفاق.
وفكرة الشركة تعتمد على توسيع شبكة النقل وقطع آلاف الكيلومترات بين المدن وبعضها عبر الإنفاق على أمل أن تصل السرعات فيها إلى 209 كيلومترات في الساعة وتكون الحل الأمثل والنهائي لمشكلات الازدحام المروري.
الازدحام والإنجاب
ورغم أن الازدحام المروري غالباً ينجم عن كثرة السيارات وكثرة الناس، ورغم بلوغ عدد سكان الأرض 8 مليارات شخص هذا العام وبدء تصاعد التحذيرات من التهام السكان للموارد المحدودة، إلا أن أغنى رجل في العالم لا يفوت فرصة من دون أن يحذر من انخفاض المواليد في العالم.
ماسك يدعو البشرية إلى إنجاب مزيد من الأطفال، فالتوقف عن الإنجاب هو أكبر تهديد للبشرية، لكنه هذه المرة امتثل لدعوته، فهو أب لعشرة أبناء، الأول ولد عام 2002 لكنه توفي في عمر 10 أسابيع والأصغر عام 2021، وذلك من ثلاث نساء فقط، ليست بينهن الممثلة الشهيرة آمبر هيرد بطلة سلسلة الجولات القضائية ضد طليقها الممثل جوني ديب.
غراميات خافتة
ورغم أن غراميات ماسك ليست على القدر نفسه من الحراك والصخب اللذين تتميز بهما أعماله وشركاته وأفكاره وتغريداته، إلا أنها لا تخلو من غرابة أيضاً، فالأعوام الماضية شهدت ثلاث زيجات وثلاثة طلاقات بينها اثنان من امرأة واحدة، كما أن علاقاته الغرامية كان فيها كثير من الارتباط ثم الانفصال، ثم معاودة الارتباط فالانفصال وهلم جرا.
ورغم انتهاء علاقته بالممثلة آمبر هيرد عام 2017، إلا أن ارتباطه بها فرض نفسه أثناء جلسات المحاكمة التي شغلت الملايين قبل أسابيع.
العلاقة الغرامية السابقة أطلت برأسها في يونيو (حزيران) الماضي حين دينت هيرد من قبل محكمة أميركية لتشهيرها بزوجها السابق دوني ديب، وتردد وقتها أن ماسك سدد جزءاً من مبالغ مالية كانت هيرد تعهدت بالتبرع بها من تعويض حصلت عليه من قضية سابقة ضد ديب، لكنها لم تفعل.
وبينما العالم يضرب أخماساً في أسداساً حول معنى أن يبيع ماسك ما قيمته 3.95 مليار دولار من أسهم "تيسلا" منذ إتمام عملية شراء "تويتر"، كان ماسك منشغلاً بأمر آخر تماماً، إذ كان يغرد على "تويتر" مستمراً في مكايدة المعترضين والممتعضين من سياساته الجديدة، "أحب جداً حين يشكو الناس من تويتر على تويتر".