في مؤتمر المانحين "سيدر" الذي عقد عام 2018 في باريس لمساعدة لبنان بنحو 12 مليار دولار كان الشرط الأساس من قبل البنك الدولي والدول الغربية والعربية تنظيم لبنان موارده المالية وبنيته التحتية، بدءاً بقطاع الكهرباء الذي يكبد الخزانة خسائر سنوية تصل إلى ملياري دولار، أي نحو ثلث عجز الميزانية اللبنانية.
ومع تجميد مقررات المؤتمر منذ اندلاع انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 برز الحديث عن إمكان تمويل البنك الدولي استجرار الكهرباء الأردنية إلى لبنان والغاز من مصر عبر سوريا لصالح مؤسسة كهرباء لبنان، إلا أن المعلومات تشير إلى سقوط هذا العرض نتيجة عدم تمكن الحكومة اللبنانية من تلبية الشروط المطلوبة، وأبرزها عدم تعيين هيئة ناظمة للقطاع الكهربائي وعدم التمكن من وضع جدول زمني لتسديد القرض.
ووفق المعلومات، فإن البنك الدولي أبلغ المسؤولين اللبنانيين بأنه لن يمنح مزيد من القروض لـ"مغارة علي بابا" أي الكهرباء، معتبراً أن رفض تشكيل الهيئة الناظمة يؤكد أن القيمين على قطاع الطاقة يريدون التحكم به من دون أي حسيب أو رقيب.
شروط صارمة
وفي السياق أكدت المحامية والمتخصصة في شؤون الطاقة والبيئة كرستينا أبي حيدر أن استجرار الكهرباء من الأردن معلق حالياً من قبل صندوق النقد الدولي لحين تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، وأهمها تصحيح التعرفة وتخفيف الهدر الفني وغير الفني، أي تأمين جباية على الأراضي اللبنانية كافة، وتعيين هيئة ناظمة شفافة ومستقلة. وشددت على أن هذه الشروط أساسية، وفي حال لم تحقق، عندها لا يمكن للبنان أن يحصل على قرض من البنك الدولي، بالتالي لا يمكنه استجرار الكهرباء من الأردن كونه لا يمتلك السيولة اللازمة بالدولار الأميركي لسداد ثمنها.
وأوضحت أن مقاربة العلاقة بين الأردن وإسرائيل، لا دخل للبنان بها، كون الأردن يمتلك الفائض اللازم من إنتاج الكهرباء إن كان من المعامل العادية أو حتى من الطاقة المتجددة فلا عجب إن قدم الكهرباء إلى تل أبيب، مؤكدة أنه في حال عمل لبنان بشروط المجتمع الدولي المطلوبة والضرورية لنهوضه، عندها يمكنه الحصول على الكهرباء من الأردن أو على الغاز من مصر.
موازنة 2022
وفي ظل الارتباك "الكهربائي" يترقب اللبنانيون نشر موازنة 2022 التي سيتم نشرها في الجريدة الرسمية لتدخل حيز التنفيذ خلال أيام وبتأخير 11 شهراً، بكثير من القلق والارتياب لما ستحمله من زيادات في الرسوم والضرائب، إذ ستلتحق فاتورة الكهرباء بفاتورة الاتصالات التي باتت تسدد بالدولار عبر منصة صيرفة. وتشير مصادر مصرف لبنان إلى أن المجلس المركزي وافق مبدئياً، على إعطاء شركة كهرباء لبنان سلفة بقيمة 200 مليون دولار لشراء مادة الفيول من أجل زيادة التغذية نحو ثماني ساعات يومياً ولمدة ثلاثة أشهر، لكنه وضع شروطاً أهمها أن تكون الجباية بنسبة عالية وبالطبع على التعرفة الجديدة التي وضعتها وزارة الطاقة والسعي إلى التخفيف من الهدر الفني والتقني.
ويتضمن الاتفاق المبدئي بين مصرف لبنان ووزارة الطاقة، والذي يحظى بغطاء سياسي من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، بدء مؤسسة كهرباء لبنان بقراءة العدادات في مختلف المناطق خلال شهري أكتوبر ونوفمبر (تشرين الثاني) على أن تبدأ الجباية والدفع وفق التعرفة الجديدة مطلع عام 2023، على أن تصبح الأسعار وفق التعرفة الجديدة 10 سنتات لأول 100 كيلوواط ساعة، و27 سنتاً لكل كيلواط ساعة يزيد على ذلك.
عملية "تشليح"
اعتبر مدير المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني عودة تمويل شراء الفيول مجدداً من مصرف لبنان عملية "تشليح" المركزي ما تبقى من أموال، بعد أن كانوا "شلحوه" في الماضي 45 مليار دولار على سعر 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد، إذ كانوا يعطونه المبالغ بالليرة ويطلبون منه تحويلها إلى الدولار. ولفت إلى أنها طريقة التمويل الأسهل للسلطة التي لا تجعلها تبذل أي جهد إصلاحي، علماً أن مصرف لبنان ليس المسؤول عن تمويل الكهرباء، مضيفاً أنها "عملية تمويل للهدر ولحرق دولارات المودعين، وبالمعنى الحقيقي للكلمة، لأن هذه الدولارات هي ملك لأصحابها"، ووفق مارديني، فإن الإصلاح الأنسب لأزمة الكهرباء سهل ومتاح، ومن دون أي كلفة، وهو عبر نقل صلاحية ترخيص إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء من الهيئة الناظمة أو مجلس الوزراء ووزارة الطاقة إلى البلديات، على أن تقوم كل بلدية وعلى مساحة لبنان، بإنشاء مزرعة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، لأن الشمس تشرق 300 يوم في السنة، بالتالي، بالإمكان "أن نقوم بثورة في هذا القطاع من خلال تأمين الكهرباء، وبكلفة متدنية، مع الحفاظ على دولارات المودعين".
النفط العراقي موقت
وخلال العام الماضي، نعم لبنان بـ"متنفس كهربائي"، من خلال الاتفاقية الموقعة مع العراق، والبالغة مليون طن من الفيول المخصص لمعامل توليد الطاقة، واستطاعت تأمين ما يقارب ساعتي تغذية كهربائية يومياً للمواطنين، إضافة إلى تأمين الطاقة للمؤسسات الرسمية الحيوية وعدد من المستشفيات. إلا أن تمديد هذه الاتفاقية الذي أقرته حكومة مصطفى الكاظمي (العراق)، في أغسطس (آب) الماضي، غير مضمون، والاتفاقية قابلة لإعادة النظر في بنودها وفق الكاتب السياسي العراقي المتابع لهذا الملف عمار البهادلي الذي أشار إلى أن هذه الاتفاقية جرت في ظل حكومتي تصريف الأعمال، سواء في العراق أو لبنان.
ولفت إلى وجود جملة من الأسباب، منها سياسية وقانونية وأخرى مالية، ستكون الدافع الأساس لإعادة النظر في بنود الاتفاق، موضحاً أنه على مستوى الداخل العراقي اعتبرت الأوامر الديوانية وقرارات حكومة تصريف الأعمال الصادرة في حكومة الكاظمي في غالبيتها غير قانونية، وذلك بحسب قرارات المحكمة الاتحادية رقم 121 سنة 2022، لذلك تمت إعادة النظر فيها من قبل حكومة رئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أضاف البهادلي، "الاتفاقية بين بيروت وبغداد تخضع لاتفاقية العلاقات الخارجية، وتأتي في إطار تعزيز علاقات التبادل والتعاون المشترك بين البلدين، خصوصاً أن العراق أراد من خلالها أن يثبت موقفاً جيداً في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية الصعبة التي ضربت لبنان وأثرت بشكل مباشر على قطاع الكهرباء فيه، عبر تقديمه مادة الفيول بمقدار مليون طن شهرياً كهبة للشعب اللبناني ولتجنب دخول بلادهم في عتمة شاملة"، ورجح أن هذه الاتفاقية ربما ستفتح النار في القريب العاجل على السوداني من قبل الشارع العراقي، باعتبار أنها لم تحقق أي شيء للعراق، كما أنها لم تأتِ بسلع أو خدمات معينة ذات فائدة للمجتمع العراقي، ولم تزد كذلك من مردودات خزانته، لذلك يتوجب إعادة النظر في بنودها القانونية والمالية.
وفي السياق، أشار البهادلي إلى أن لبنان، كما يبدو حالياً، يسعى للحصول عن بدائل، لذلك ربما ستكون هذه الاتفاقية قصيرة الأجل، لأنه في حال وجود بديل آخر سيتم الاعتماد عليه، خصوصاً أن المواصفات الفنية للفيول هي غير مطابقة مع منظومة الطاقة الكهربائية الموجودة لديه، وأيضاً بعد التوقيع على اتفاق جديد مع شركة عمانية يتم على أثرها استبدال الفيول العراقي بمادة أخرى ملائمة للطاقة اللبنانية، لذلك يسعى لبنان للشراكة أو للاسترداد، سواء كان من مصر أو من الجزائر والأردن أو حتى من إيران، وهذا ما يعزز، وفق البهادلي، فرضية أن اتفاقية التعاون هذه القائمة بين العراق ولبنان موقتة ولن تدوم طويلاً، وفي المرحلة القليلة المقبلة ربما سيتم تعديل بنودها أو إلغاؤها، والتوجه نحو بديل آخر من قبل لبنان.
الممر البري الإيراني
عاد الممر البري الذي يربط طهران ببيروت عبر بغداد ودمشق إلى الواجهة من جديد، وتشير المعلومات إلى أن الغارات الإسرائيلية الأخيرة على مطارات سوريا والحوادث التي شهدتها عمليات هبوط عدة لطائرات إيرانية، وما تبعها من جهود إسرائيل لتعطيل المسارات الجوية والبحرية، دفعت الحرس الثوري الإيراني إلى تركيز نقل الأسلحة إلى سوريا ولبنان عبر المسار البري الذي يبلغ 1800 كيلومتر، وأن عملية نقل صهاريج المازوت ليست سوى تمويه لشحنات أسلحة وصواريخ استراتيجية.
ووفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن الغارة الأخيرة التي استهدفت قافلة إيرانية تضم 22 شاحنة، كانت محملة بالمازوت والسلاح وكانت متوجهة إلى "حزب الله" في لبنان، الأمر الذي يتقاطع مع معلومات تشير إلى أن الحزب عمد في الأشهر الماضية إلى إدخال صهاريج مازوت إيرانية عبر المعابر الحدودية، وهي من النوع الأحمر الرديء، وتقدر قيمة الطن بـ400 دولار ويباع في لبنان بنحو 900 دولار، في حين أن كلفة الطن المستورد رسمياً في لبنان نحو 1200 دولار.
وفي وقت سابق، أعلن الأمين العام للحزب حسن نصر الله أن إيران باتت جاهزة لتقديم هبة 600 ألف طن من الفيول لصالح مؤسسة كهرباء لبنان، إلا أنه في إطلالته الأخيرة، برر عدم وصول تلك الهبة بقرار أميركي منع الحكومة من قبولها، إلا أن مصادر رئيس الحكومة أشارت إلى أنها أرسلت سابقاً وفداً تقنياً إلى طهران أجرى محادثات ناجحة حينها، ولم تكن هناك أي إشارة إلى عوائق أميركية.
غارة أميركية
في المقابل، ربط بعض المتابعين كلام نصر الله بالغارة الأميركية على الحدود العراقية التي استهدفت قافلة يرجح أنها لصالح "حزب الله"، والذي قد يكون بالنسبة لنصر الله "فيتو" أميركياً على النفط الإيراني.
وفي السياق، أكد مدير شبكة "فرات بوست" (مؤسسة إعلامية) أحمد رمضان أن المسيرات استهدفت بـثماني غارات قافلة ضمت صهاريج وقود وسيارات شحن تحمل غالباً أسلحة لـ"اللواء 47" في الحرس الثوري الإيراني لحظة عبورها من معبر القائم نحو مواقع وجود الميليشيات التابعة للواء في مدينة البوكمال، مضيفاً أن القافلة تعرضت لأضرار جسيمة نتج عنها تدمير عدد من الصهاريج والسيارات. ولفت إلى أن الغارات طاولت أيضاً مواقع الميليشيات الإيرانية في محيط المعبر، مبيناً أنه من الصعب تحديد الجهة التي كانت ستتلقى الأسلحة الإيرانية، والتي جاءت بحماية "الحشد الشعبي العراقي" حتى وصولها إلى معبر القائم الحدودي مع سوريا.
في المقابل، اعتبر الباحث في الشأن السياسي العراقي علي السامرائي أن الأعمال العسكرية "العدوانية" التي تحصل بشكل متكرر ضد القطعات والنقاط العسكرية على الشريط الحدودي تأتي ضمن تصفية الحسابات وردود الفعل، مضيفاً أن ما حصل قبل أيام بقصف طائرة مسيرة صهاريج تحمل وقوداً يعتقد أنها لصالح الدولة اللبنانية، جاء بعد يوم واحد من مقتل أميركي في أحد شوارع بغداد، معتقداً أنها ضربة انتقامية ضد الفصائل المسلحة في العراق.