مهرجان "كايرو كوميكس" هو المهرجان السنوي الأبرز لفن الشرائط المصورة الذي يقام بانتظام منذ عام 2015 في القاهرة. يعد المهرجان المنصة العربية الوحيدة التي حافظت على استمراريتها، ويمكن من خلالها التعرف إلى نشاط المجموعات العربية المختلفة العاملة في مجال فن الشرائط المصورة. خلافاً لمحيطه العربي يبرز المهرجان كنافذة منفتحة على إبداعات الفن التاسع في جميع أنحاء العالم، وذلك من خلال المشاركات المتعددة لفنانين من كل الجنسيات. شغلت أنشطة المهرجان هذا العام أروقة مركز محمود مختار الثقافي وساحاته الخارجة على مدى ثلاثة أيام.
سوق كبيرة لفن الكوميكس
إن أبرز ما يقدمه مهرجان "كايرو كوميكس" هو إتاحة الفرصة لتبادل الخبرات والتعرف إلى التجارب المختلفة، والعمل على مد جسور التواصل بين الفنانين والناشرين لهذا المحتوى في أنحاء العالم العربي. يتيح المهرجان لزواره ومتابعيه الاطلاع على نتاج دور النشر العربية والإصدارات الحديثة من فن الشرائط المصورة. لقد حرص القائمون على هذا المهرجان منذ انطلاقه على أن يكون هذا التوجه هو أحد أهم المحاور الرئيسة له نظراً إلى أهميته. من أجل هذا مثلت سوق الكوميكس أهمية محورية في نشاطات المهرجان، وهي سوق كبيرة تضم إصدارات متنوعة لعدد كبير من دور النشر المتخصصة. وقد شهدت هذه الدورة مشاركة عدد كبير من دور النشر الكبرى والمكتبات العربية بأحدث العناوين والإصدارات في هذا المجال. لم يقتصر الأمر هنا على دور النشر والمكتبات فقط، ففي الساحة الخارجية للمركز خصصت مساحة كبيرة للمطبوعات الأصلية والصور والإصدارات المختلفة لعشرات من فناني الكوميكس المستقلين من جميع أنحاء العالم العربي. يبرز "ممر المستقلين" كأحد الأنشطة البارزة في مهرجان "كايرو كوميكس"، فهنا يمكنك الحديث والحوار والنقاش مع الفنانين العارضين واقتناء ما تحب من الرسوم والإصدارات الجديدة.
معرض للرسوم
معرض الرسوم هو إحدى الوسائل المبتكرة التي لجأ إليها المهرجان من أجل تسليط الضوء على التجارب البارزة عربياً وعالمياً لفن الشرائط المصورة. ضم المهرجان هذا العام أربعة معارض مهمة. أول هذه المعارض هو معرض الرسام الجزائري البارز "برجي" وأقيم تحت عنوان "بطريق وعم نورس" وضم رسوماً لأبطال مغامرات القطب الجنوبي التي نشرت في مجلة "علاء الدين" في نهاية التسعينيات من القرن الماضي. ويعد جمال سي العربي المعروف باسم "برجي" واحداً من الوجوه العربية البارزة في فن الشرائط المصورة، وهو من مواليد عام 1956 وقد نشرت أعماله من قصص مصورة وكاريكاتير في عدة صحف عربية وجزائرية. انتقل برجي للعيش في القاهرة في بداية التسعينيات ونشر عدداً من القصص المصورة المسلسلة في مجلة "علاء الدين"، وقد جمعت هذه القصص المصورة في كتاب من إصدار دار الشروق المصرية كما ترجم بعضها إلى الفرنسية.
المعرض الثاني للرسام التونسي سيف الدين ناشي، وضم رسوماً من روايته المصورة الشهيرة "شبح 1984" التي كتبها أيمن مبارك. وهي واحدة من أوائل الروايات المصورة في المنطقة العربية، وتستدعي إحدى القصص التي أحيطت بهالة أسطورية خلال عقد الثمانينيات في تونس والتي تدور حول شخصية "شبيح"، هذه الشخصية الغامضة التي حيرت رجال الأمن في تونس لسنوات، بعد اختراقه شبكة الاتصالات الرسمية، وظلت حقيقة شخصيته لغزاً إلى اليوم.
أما المعرض الثالث فخصص لأعمال الرسام البلجيكي ماكس دي راديغيز وضم مقاطع مرسومة من روايته المصورة الأولى "أليريت"، التي تدور حول مجموعة من رواد الفضاء الذين انقطع الاتصال بهم أثناء وجودهم على كوكب المريخ. يعمل الرسام البلجيكي كمعلم لفن الشرائط المصورة في معهد سان لوك، ونشرت رسومه على نطاق واسع في عديد من الصحف والإصدارات الأوروبية، وهو يعد أحد المتخصصين البارزين في هذا المجال في أوروبا.
شارك الرسام البلجيكي خلال فترة وجوده في مصر في إدارة ورشة عمل للمهتمين بفن الشرائط المصورة وهي أحد الأنشطة التي ينظمها المهرجان لإتاحة الفرصة للجمهور والمهتمين، بالتعرف عن قرب إلى تجربة الفنانين المحترفين. تضمنت الورشة رسم صفحة كاملة لقصة مصورة، بداية من الفكرة إلى التنفيذ بأسلوب الفنان، سواء بالرسم التقليدي عن طريق الأقلام والأحبار أو بواسطة البرامج الرقمية. وقد ضم المهرجان هذا العام أربع ورش لرسامين مختلفين. فإضافة إلى الرسام البلجيكي، كانت هناك ثلاث ورش أخرى لكل من الرسامة الإسبانية آنا أونثينا والرسامة التونسية أمينة أمونياك والرسام المصري خالد عبدالعزيز، كما ضمت الفعاليات أيضاً عدة لقاءات مع رسامين وشخصيات بارزة ومهتمين بفن الشرائط المصورة من أنحاء العالم العربي، بينهم الباحثة السورية إيناس خنسة وشكيب أبوحمدان وجورج خوري ولينا مرهج من لبنان وشناوي وميرة علي من مصر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لعل هذا الحشد الكبير من فناني الشرائط المصورة الذي يتيحه مهرجان "كايرو كوميكس" من شأنه أن يسهم بلا شك في إثراء هذا المجال عربياً. فبفضل هذه الفعاليات الكبيرة بات لفن الشرائط المصورة حضور بارز في عواصم عربية عدة، كما تزايد الاهتمام به من قبل عديد من دور النشر خلال الفترة الأخيرة. وانعكس هذا الاهتمام على هيئة إصدارات ودوريات عدة تكتسب مع الوقت مزيداً من الجمهور والمتابعين في العالم العربي. هو نشاط يراه البعض متأخراً على الصعيد العربي، غير أن مثل هذه الفعاليات من شأنها أن ترسخ وجوده على الساحة الثقافية العربية كأحد الوسائط المهمة للتعبير.