إليكم الحقيقة المرة. أحياناً، عندما أخبر الناس أني مصابة بـ"اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه" (المعروف اختصاراً بـ"أي دي أتش دي" ADHD)، ينتابني الحرج. وليس مرد ذلك إلى أنني أشعر بالخجل من "اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه" نفسه، الذي، كونه أحد أمراض الجهاز العصبي، يؤثر سلباً في أدائي التنفيذي، واندفاعي، ومعالجتي للأمور. كذلك لا أعتقد أن هذه الحالة العصبية يجب أن تكون مدعاة للخزي لدى أي شخص يعانيها.
ولكن كوني ناشطة سيئة مرده إلى أنني عندما أخبر الناس أني مصابة بـ"أي دي أتش دي"، أعرف تحديداً بماذا يفكرون. أرى بصيص ابتسامة متكلفة، ولفة عين سريعة، وأستسلم لحقيقة أنهم ربما يعتقدون أن جل ما أريده أن أشعر بأني مختلفة عن الآخرين: كما لو أني قرأت تغريدة أو شاهدت مقطعاً مصوراً قصيراً على "تيك توك" يقول إن تنظيف أسنانك علامة على أن وظائفك العقلية أو العصبية مختلفة، ثم ركبت سريعاً وانضممت إلى قطار المؤثرين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفق الدلائل كافة، يفترض أن يتضاءل التمييز ضد من يكابدون إعاقة ما في 2022. نعرف أن بعض الإعاقات ليست ظاهرة للعيان، وأن المصطلحات الشاملة المهينة على غرار "صعوبات التعلم" و"الاحتياجات الخاصة" قد استعيض عنها بمصطلح "التنوع العصبي" بغرض تفسير حقيقة أنه بينما يعمل كثير من الأدمغة بشكل مختلف- سواء نتيجة التوحد أو عسر القراءة أو "اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه" أو أحد الاختلافات العصبية الكثيرة الأخرى- ولا يجعلنا ذلك فاشلين أو ناقصين بأي شكل من الأشكال بالنسبة إلى من تعمل أدمغتهم بطريقة "عصبية نمطية".
ولكن، إلى جانب الوعي الذكي بالتنوع العصبي، خصوصاً على وسائل التواصل الاجتماعي، يتعاظم التشكيك بشأن من "يستوفي شروط" تشخيص إصابته بهذه الحالة. نتلقف مقالات فكرية، وتغريدات افتراضية، وآراء ممن يسمون أنفسهم "محترفين" وكلها تفيض تأففاً حول كيف أن الجميع أصيبوا بـ"أي دي أتش دي" فجأة: ولكن ما يغفل عنه كل هؤلاء المنتقدون المتذمرون إذ يلوحون بقبضاتهم ضد التطبيق اللعين "تيك توك"، حقيقة وجود عوامل خلفية كثيرة تسهم في ما يسمى "ازدهار" "أي دي أتش دي" الذي نشهده اليوم.
بالدرجة الأولى، علينا أن نأخذ في الاعتبار كيف أن النموذج التشخيصي الاختزالي القديم لـ"اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه" قد ترك خلفه ما يربو على مليون بالغ مصاب بـ"أي دي أتش دي" يمضون حياتهم من دون رصد حالتهم هذه، إذ وجدت جمعية "أي دي أتش دي أكشن" ADHD Action الخيرية في المملكة المتحدة أنه من بين 1.5 مليون شخص بالغ في المملكة المتحدة يعانون "اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه"، حصل 120 ألف شخص فقط على تشخيص رسمي بحالتهم. يعزى هذا التشخيص الناقص المزمن إلى أنه، حتى وقت قريب، كان النموذج التشخيصي لـ"أي دي أتش دي" يعترف فقط بالشكل "المفرط النشاط" من هذا الاضطراب، والذي، بالإضافة إلى كونه أكثر شيوعاً في صفوف فئة الشباب من الذكور، يشكل (وهنا الصدمة، بل الفاجعة) النوع الوحيد من الأشخاص الذين تفحصهم الباحثون عند تحديد المعايير التشخيصية الخاصة بـ"أي دي أتش دي" في سبعينيات القرن العشرين.
لذا، ولاحظوا معي، فقد تسبب تجاهل الطب للمرأة مرة أخرى في إبقاء النساء ذوات الوظائف العقلية أو العصبية المختلفة من دون الحصول على التشخيص اللازم، ذلك أن 50 إلى 75 في المئة من النساء المصابات بـ"أي دي أتش دي" بقين من دون رصد إصابتهن بهذه الحالة العصبية، في حين أن النوع المتعلق بـ"عدم الانتباه" من "أي دي أتش دي" - أي الذي يتبدى فيه فرط النشاط في الداخل أكثر منه في الظاهر- لم يحدّد بوصفه جزءاً من هذه الحالة العصبية إلا أخيراً: كذلك الأمر بالنسبة إلى الحالة باعتبارها مزيجاً من فرط النشاط الداخلي والظاهر. ثمة أيضاً حقيقة أن "أي دي أتش دي" لدى البالغين في حد ذاته يُنظر إليه على أنه حالة مختلفة تماماً عن "أي دي أتش دي" في الطفولة، لذا عندما يتعلق الأمر بتعويض ما فاتنا هنا، أمامنا الكثير لنقوم به.
في ما يتصل بصحتنا، لا سيما الإعاقات غير المرئية، قيل لنا إنه يتعين علينا أن نكون استباقيين ونطلب المساعدة لأنفسنا. ولكن حتى عندما يصل الأشخاص إلى مرحلة يدركون فيها أنهم مصابون بـ"أي دي أتش دي"، يضطرون إلى الانتظار طوال سبع سنوات على قائمة الانتظار الخاصة بـ"هيئة الخدمات الصحية الوطنية" ("أن أتش أس" NHS) في بريطانيا، أو أن يقتصدوا ويدخروا بشق الأنفس بعض النقود علهم يحصلون على تشخيص عبر القطاع الصحي الخاص، وذلك في خضم أكبر أزمة معيشية نشهدها منذ سنوات، ومرحلة مقبلة من الركود. حتى في هذه الحالة، عندما واجهت الخدمات الصحية الخاصة المعنية بتشخيص الـ"أي دي أتش دي" من قبيل "سايكايتري يو كي"Psychiatry UK طلباً غير مسبوق عليها، لجأت إلى وضع قوائم انتظار خاصة بها.
صدقوني، أنا أعلم ذلك. شخصت إصابتي بـ"اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه"، وكان علي أن أقاتل وأجادل في كل خطوة مشيتها على طريق رحلتي مع الأطباء العامين، وخدمات الصحة العقلية والنفسية، والفرق المكلفة متابعة هذه الحالات سريرياً، والممرضين والممرضات، والله يعلم من أيضاً. حتى الآن، بعد مرور 18 شهراً على تشخيص حالتي، ما زلت أعاني التنقل بين الخيارات العلاجية مثل الأدوية، وذلك نتيجة الطلب المهول على هذه الخدمات ونقص المعلومات المتوافرة حول "أي دي أتش دي"، حتى في قطاع الخدمات الطبية الخاصة. في الحقيقة، إنه لمضنٍ القتال يوماً بعد يوم في سبيل الحصول على الحد الأدنى، فيما توصد الأبواب في وجهك في كل خطوة خلال هذه المسيرة- هذا كله قبل أن نخوض في كيف تجعل الأدمغة المصابة بـ"أي دي أتش دي" الحياة طريقاً شاقاً أصلاً.
لهذا السبب، عندما أرى منشورات أو مقالات أو نكاتاً منتشرة في الفضاء الافتراضي حول كيف أن "أي دي أتش دي" ليس سوى صيحة تافهة مسلية على الإنترنت، أجد نفسي مثقلة بإحباط وخزي. لا أفهم لم قد يختار أي شخص مكابدة "أي دي أتش دي". تترك هذه الحالة تأثيراً عميقاً في حياتك وعلاقاتك وصحتك العقلية والنفسية، وحتى أن بلوغ المرحلة التي ترتأي فيها أنك مصاب بهذا الاضطراب لا تتأتى من مشاهدة واحد من الفيديوهات القصيرة على "تيك توك"، بل من بحث مكثف يستمر شهوراً، وإخفاقات وانهيارات كأن تحاول أن تجد تفسيراً ما للخطب الذي يشوبك، والأسباب وراء عجزك عن فعل الأمور التي يبدو أن الآخرين يؤدونها على نحو طبيعي.
يفيض "تيك توك"، لا ريب، بمحتوى حول "أي دي أتش دي"، ونعم، يبحث كثر عن التشخيص بل التشخيص الذاتي، بيد أن هاتين المسألتين تعكسان مشكلات منهجية من بينها نظام الخدمات الصحية المهترئ، والتحيز المتأصل تاريخياً في البحوث الطبية ضد النساء، وحقيقة أن البعض لا يتوافر لهم المال للحصول على تشخيص أو علاج عبر القطاع الصحي الخاص لـ"أي دي أتش دي". لو أن النظام المالي ونظام الرعاية الصحية الرئيسين يؤديان المطلوب منهما، لن يعتمد الناس على وسائل التواصل الاجتماعي للعثور على العزاء والمعلومات حول "أي دي أتش دي".
لذا، بدلاً من البكاء على حقيقة أن "الجميع" على "تيك توك" مصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، أنصحكم بالتوقف والتفكير في ما أوصلنا إلى هذه المرحلة في المقام الأول- وإليكم الخبر، مرد ذلك في جزء منه إلى سلوكيات على هذه الشاكلة.
© The Independent