صرح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الخميس 17 نوفمبر (تشرين الثاني)، أنه "لا يعرف ماذا حدث" في بولندا حيث سقط صاروخ الثلاثاء ما أسفر عن مقتل شخصين، بعدما أكد أن القذيفة "روسية".
وقال زيلينسكي في بيان للرئاسة الأوكرانية، "لا أعرف ماذا حدث. لا نعرف على وجه اليقين. العالم لا يعرف. لكنني متأكد من أنه صاروخ روسي ومتأكد كذلك من أننا أطلقنا النار من أنظمة للدفاع الجوي".
وكان الرئيس الأوكراني قد طالب حلفاء بلاده بإشراك خبراء أوكرانيين في التحقيق حول الصاروخ الذي سقط في بولندا قرب الحدود الأوكرانية، وإطلاعهم على "كل البيانات" التي بحوزتهم. وقال زيلينسكي "نريد النفاذ إلى كل التفاصيل"، وأضاف في خطابه المسائي، "يجب أن يشارك خبراؤنا في أعمال التحقيق الدولي والحصول على البيانات المتاحة لشركائنا والوصول إلى موقع الانفجار".
ويبدو أن هذا الطلب يعكس تغييراً في موقف زيلينسكي الذي شدد في وقت سابق على أن روسيا هي من أطلقت الصاروخ، في تعارض مع ترجيح حلف شمال الأطلسي وواشنطن فرضية أنه صاروخ دفاع جوي أوكراني سقط خطأ في بولندا. وقال الرئيس الأوكراني في تصريح سابق، "لا شك لدي بأنه ليس صاروخنا"، مؤكداً أن الصاروخ "روسي".
من جهته قال البيت الأبيض "لم نرَ شيئاً يتعارض" مع الفرضية التي طرحتها وارسو التي تفيد بأن الصاروخ الذي سقط في بولندا مصدره "على الأرجح" نظام دفاع جوي أوكراني.
موسكو ترفض المفاوضات العلنية
واتهم الكرملين، الخميس، أوكرانيا بتغيير مواقفها في ما يتعلق بإجراء محادثات سلام بين البلدين، وقال إنه لا يتصور الدخول في مفاوضات علنية معها داعياً واشنطن لدفع كييف نحو الدبلوماسية.
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، في مؤتمر صحافي عبر الهاتف، إن الولايات المتحدة قادرة على أخذ مخاوف روسيا في الاعتبار ويمكن أن تشجع كييف على العودة إلى طاولة المفاوضات إذا أرادت ذلك.
وأضاف أن أوكرانيا غيرت موقفها في ما يتعلق بالرغبة في التفاوض مع موسكو عدة مرات خلال الصراع المستمر تسعة أشهر تقريباً ولا يمكن التعويل عليها.
وقال بيسكوف للصحافيين، "يتفاوضون أولاً، ثم يرفضون التفاوض، ثم يسنون قانوناً يحظر أي نوع من المفاوضات، وبعدها يقولون إنهم يريدون المفاوضات، ولكن المفاوضات العلنية".
وأضاف، "لذلك من الصعب تصور مفاوضات علنية... هناك شيء واحد مؤكد: الأوكرانيون لا يريدون أي مفاوضات". وقال إنه في ظل ذلك ستواصل موسكو ما تسميه "عملية عسكرية خاصة".
ورداً على سؤال بشأن انقطاع التيار الكهربائي الذي يواجهه ملايين الأوكرانيين، قال بيسكوف، "هذا نتيجة عدم رغبة الجانب الأوكراني في حل المشكلة، وبدء مفاوضات، ورفضه السعي للبحث عن أرضية مشتركة".
المزيد من الهجمات الصاروخية
أكّدت كل من أنقرة وكييف، الخميس، تمديد اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية المبرم مع موسكو منذ يوليو (تموز)، لمدة 120 يوماً إضافية، فيما استهدفت ضربات روسية جديدة مدناً في مختلف أنحاء أوكرانيا الخميس، وفق ما أعلن مسؤولون، في آخر سلسلة هجمات تحدث شللاً في البنى التحتية الأوكرانية للطاقة.
ومع تساقط أولى زخات الثلوج لهذا الشتاء في كييف، قالت السلطات إنها تعمل جاهدةً لاستعادة التيار الكهربائي على مستوى البلاد بعدما شنت روسيا هذا الأسبوع ما وصفته أوكرانيا بأنه أعنف قصف يستهدف البنية التحتية المدنية منذ اشتعال الحرب.
وسُمع دوي الانفجارات من جديد صباح الخميس في عدة مناطق في أوكرانيا، من بينها مدينة أوديسا الساحلية الجنوبية والعاصمة كييف ومدينة دنيبرو في الوسط. ودوت التحذيرات من الغارات الجوية وطُلب من المدنيين الاحتماء.
وقال مسؤولون محليون إن شخصين قتلا في هجوم صاروخي استهدف زابوريجيا في الجنوب الشرقي الليلة الماضية، فيما أصيب ثلاثة في هجوم على مدينة خاركيف في الشمال الشرقي وأصيب ثلاثة في أوديسا.
في منطقة كييف، سقط صاروخا "كروز" كما أسقط الدفاع الأوكراني طائرات مسيرة انتحارية إيرانية الصنع من نوع "شاهد"، حسب ما أعلنت الإدارة العسكرية للمدينة. وشاهد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية أحد هذه الصواريخ يعبر فوق منطقة سكنية في شرق العاصمة.
وفي قصف استهدف دنيبرو الخميس، أصيب 14 شخصاً بجروح بينهم فتاة تبلغ 15 عاماً، حسب ما أفاد الحاكم الإقليمي فلانتين ريزنيتشينكو عبر "تيليغرام". وطال القصف الروسي موقعي بنى تحتية، حسب ما أعلنت الرئاسة.
وأعلنت شركة الكهرباء الوطنية "أوكرنيرجو" (Ukrenergo) تمديد انقطاع التيار الكهربائي الخميس بسبب "تدهور الوضع". وقالت عبر "فيسبوك" إنه "بسبب البرد القارس، زاد استهلاك الكهرباء في مناطق أوكرانيا"، ممّا "زاد من تعقيد الوضع في النظام الكهربائي، بعدما كان صعباً بالفعل"، مضيفةً أن الأمر أدى إلى "قيود أوسع" على استهلاك الكهرباء في جميع أنحاء البلاد.
القتال في دونيتسك
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الليلة الماضية إن الفنيين يعملون من دون توقف لإعادة الكهرباء. وأوضح، "إننا نتحدث عن ملايين العملاء. نبذل كل ما في وسعنا لإعادة التيار".
وقال المستشار الرئاسي الأوكراني أوليكسي أريستوفيتش في مقطع فيديو على الإنترنت، إن القتال كان عنيفاً في منطقة دونيتسك الشرقية، بما في ذلك بلدات بافليفكا وفوليدار وماريانكا وباخموت.
وذكر المحلل العسكري الأوكراني أوليه زادنوف في تعليقات نُشرت على موقع "يوتيوب"، أن القوات الأوكرانية صدت هجمات على بلدتي أفدييفكا وبيلوهوريفكا في دونيتسك.
وانسحبت القوات الروسية من مدينة خيرسون الجنوبية الأسبوع الماضي بعد هجوم مضاد أوكراني. وكانت خيرسون العاصمة الإقليمية الوحيدة التي استولت عليها روسيا منذ بدأت هجومها في 24 فبراير (شباط)، وكان الانسحاب ثالث تراجع روسي رئيسي في الحرب.
اتفاق الحبوب
في غضون ذلك، أعلن وزير البنى التحتية الأوكراني أولكسندر كوبراكوف على "تويتر"، "سيتم تمديد مبادرة الحبوب عبر البحر الأسود لمدة 120 يوماً".
وأكد مسؤول تركي لوكالة الصحافة الفرنسية تمديد الاتفاق "وفقاً للأحكام الحالية" ولمدة أربعة أشهر.
كما قالت وزارة الخارجية الروسية في بيان، إن "الجانب الروسي يسمح بالتمديد التقني لـ ’مبادرة البحر الأسود‘ من دون أي تغيير في شروطها ونطاقها".
وسمح اتفاق تصدير الحبوب الذي توصّلت إليه أوكرانيا وروسيا برعاية الأمم المتحدة وتركيا وتنتهي مدته مساء الجمعة، بإخراج أكثر من 11 مليون طن من الحبوب من المرافئ الأوكرانية خلال أربعة أشهر.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش رحّب بدوره بتمديد الاتفاق، مؤكداً التزام الأمم المتحدة "الكامل بدعم مركز التنسيق المشترك حتى يواصل خط الإمداد الحيوي العمل بسلاسة". وأضاف في بيان أن الأمم المتحدة "ملتزمة أيضاً بالكامل بإزالة العقبات المتبقية أمام تصدير الغذاء والأسمدة من روسيا"، مشيراً إلى أن "الاتفاقين الموقعين في إسطنبول قبل ثلاثة أشهر ضروريان لخفض أسعار الغذاء والأسمدة وتفادي أزمة غذاء عالمية".
وكانت أوكرانيا تصدر بحراً ما بين خمسة وستة ملايين طن من المنتجات الزراعية شهرياً قبل الهجوم الروسي في فبراير (شباط) الذي تسبب في إغلاق الموانئ الأوكرانية.
وعلقت موسكو مشاركتها في الاتفاق في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) لكنها عادت للانضمام إليه بعد أربعة أيام ما حد من مخاوف حدوث مزيد من الاضطرابات في صادرات الحبوب من أحد أكبر الموردين في العالم، وزاد التفاؤل بشأن موافقة روسيا على استمرار الاتفاق بعد محادثات مطولة حول شكاوى موسكو من عراقيل أمام صادراتها من الحبوب والأسمدة.
انتقاد روسيا
وانتقدت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأربعاء روسيا في مجلس الأمن الدولي بشأن الهجمات الصاروخية على أوكرانيا. وقالت سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، أمام مجلس الأمن تعليقاً على سقوط صاروخ في بولندا، "هذه المأساة لم تكن لتحدث لولا غزو روسيا غير الضروري لأوكرانيا وهجماتها الصاروخية الأخيرة على البنية التحتية المدنية لأوكرانيا". وأكدت أن لكييف "كل الحق في الدفاع عن نفسها ضد هذا الوابل".
وأيد السفيران البريطاني والبولندي لدى الأمم المتحدة التصريح بأن الهجوم الروسي هو المسؤول في النهاية عن سقوط الصاروخ في بولندا.
في المقابل، قال سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا في الاجتماع، "لقد توقفنا منذ فترة طويلة عن الدهشة من محاولاتكم في أي ظرف من الظروف، على الرغم من الحقائق أو المنطق، لإلقاء اللوم على روسيا في كل شيء".
"لا مؤشر على هجوم متعمد"
ورجح الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "الناتو" ينس ستولتنبرغ أن يكون الانفجار الذي أودى بشخصين في بولندا جاء نتيجة نيران مضادة للطائرات أطلقت من الجانب الأوكراني، لكنه أكد أن روسيا تتحمل "المسؤولية النهائية" عن الحرب. وقال ستولتنبرغ بعدما ترأس اجتماعاً لسفراء الحلف "يجري تحقيق في هذا الحادث وعلينا انتظار نتائجه، لكن لا مؤشر لدينا أن ما حصل كان نتيجة هجوم متعمد"، وأضاف أن "تحليلنا الأولي يفيد بأن الحادث ناجم على الأرجح عن صاروخ أطلقه نظام الدفاع الجوي الأوكراني للدفاع عن الأراضي الأوكرانية ضد صواريخ كروز روسية، لكن لأكون واضحاً، أوكرانيا ليست المذنبة". وأضاف "تتحمل روسيا المسؤولية النهائية في وقت تواصل حربها غير الشرعية على أوكرانيا".
واتفق وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن مع هذه الرؤية قائلاً "سنواصل العمل عن قرب مع حليفتنا بولندا وغيرها لجمع مزيد من المعلومات وسنواصل التشاور عن كثب مع حلفائنا في ناتو وشركائنا القيمين"، وأضاف في التصريحات التي أدلى بها في مستهل اجتماع عقدته عشرات الدول المؤيدة لكييف عبر الإنترنت "ما نعرفه هو السياق الذي حدث فيه ذلك. تواجه روسيا انتكاسة تلو الأخرى في ساحة المعركة وروسيا تضع المدنيين الأوكرانيين والبنى التحتية المدنية في مرمى نيرانها".
"جريمة حرب"
في الأثناء، قال رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي الجنرال مارك ميلي، إن الهجمات الروسية على البنى التحتية لأوكرانيا تشكل "جرائم حرب" و"حملة إرهابية" بعد "خسارتها (موسكو) على كل الجبهات"، وأضاف ميلي "روسيا تختار استغلال وقتها في محاولة إعادة تنظيم صفوفها، وهي تفرض حملة إرهاب، وهي حملة من المعاناة القصوى للسكان المدنيين الأوكرانيين، بغية هزيمة الروح المعنوية الأوكرانية". ورأى، في الوقت نفسه، أن احتمال نجاح أوكرانيا عسكرياً في دفع روسيا للانسحاب من كامل الأراضي الأوكرانية التي تحتلها ضئيل. وتابع "احتمال تحقيق نصر عسكري أوكراني، طرد الروس من أوكرانيا بأكملها بما يشمل القرم، احتمال حدوث ذلك في أي وقت قريب ليس كبيراً، عسكرياً"، واعتبر أن "الاستهداف المتعمد لشبكة الكهرباء المدنية، والتسبب في أضرار جانبية هائلة، ومعاناة غير ضرورية للسكان المدنيين، هي جريمة حرب".
وجاءت هجمات موسكو على البنى التحتية المدنية، التي قال ميلي إنها ستزيد من المعاناة على الأرجح هذا الشتاء، بعد سلسلة من الإخفاقات الروسية في تحقيق أهدافها العسكرية في أوكرانيا. وقال "حقق الأوكرانيون نجاحات متتالية. والروس فشلوا في كل مرة. خسروا استراتيجياً وخسروا على صعيد العمليات، وأكرر، خسروا تكتيكياً".