منذ أن رسم الإنسان الأول المناظر الطبيعية على جدران المغاور إلى الكتابة المسمارية والهيروغليفية، فإن الهدف كان الوصول إلى ترميز يمكنه أن يعبر عن الفكرة. وكي لا نرسم غابة وأغناماً ورجلاً، لنقول إن الراعي وأغنامه في الغابة، صار الاختصار يعني رسم رجل وغنمة وشجرة، ومن ثم اختُصرت هذه الطريقة أيضاً إلى أن وصلنا إلى الحروف التي تمثل الشكل المختصر الأقصى للأصوات التي نتحدث بها. وما زلنا حتى اليوم نختصر ما كنا قد اختصرناه سابقاً، فنقول "U" بدلاً من "YOU"، كمثال.
والاختصار أو تلخيص الأفكار بأقل قدر من التعقيد وبما يسهّل فهم الذين تتوجه إليهم، سواء كانوا متسوقين أو منتمين إلى حزب أو عقيدة ما أو علامة تجارية أو جمعية ومنظمة مدنية أو بيئية. فكل شخص أو مجموعة بات بإمكانها صناعة شعار يخصها ويدل عليها، وكلما كان هذا الشعار مبتكراً وملفتاً ويشير بدقة إلى قصد صاحبه، كلما علق في ذهن الناظر إليه. على سبيل المثال، مَن يمكن أن يخطئ في العالم اليوم شعار "ماكدونالد" أو "ستاربكس" أو "الحزب الديمقراطي الأميركي" أو شعار شركة "أمازون" و"فيسبوك" و"تويتر". هذه الرموز التي تختصر كامل الشركة صارت بديلاً عنها، وتدل عليها وعلى مضمونها، وهذا ما ينطبق على كل أنواع الشعارات السياسية والمطلبية والثورية والمدنية والبيئية والإنسانية. ففي عالم باتت المعلومات ومنها الدعاية والإعلان تمر بغزارة أمام نظر الشخص المستهدف، فلا بد من أجل جذب انتباهه أن تكون المنافسة كبيرة بين أصحاب الشعارات والرموز. وهذا ما صنع سوقاً ضخمة لصناعة الشعارات وتصميمها وترويجها والتدقيق في قدرتها على إيصال الرسالة المطلوبة منها. ويمكن عرضها بمئات الطرق سواء عبر وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة أو الوسائل الجديدة المولودة في كنف شبكة الإنترنت وتطبيقاتها، أو بواسطة ملابس وألوان معينة أو يمكنها أن تكون رايات وأعلاماً إلى الزر الذي يعلّق على صدر البدلة أو القميص، والذي يضعه صاحبه للفت نظر الذين يلتقون به إلى القضية التي يحملها ويدافع عنها أو يروّج لها بواسطة هذا الزر. وكان الزر الذي يضعه أي رئيس أميركي، دائماً موضع اهتمام الصحافة والإعلام. فالرئيس حين يضع زراً معيناً، فإنه ومن دون أن يشير إلى مقصده يفتح نقاشاً أو اهتماماً من قبل الإعلام، بسبب هذا الزر. والرئيس الأميركي لو استعملناه كمثال إعلاني أو إعلامي أو ترويجي، فهو من أهم الطرق التي تضمن ترويج فكرة معينة، ليس فقط بسبب مركزه وسلطته في العالم، بل ولأنه وجه معروف لا يغيب أبداً عن الصورة مهما كان نوعها.
أنواع الشعارات وتصاميمها
في عالم تصميم الشعارات هناك ثلاثة أنواع إما عبر الصور أو الحروف أو كلاهما معاً. أولاً هناك شعار العلامة التجارية هو رمز أو تصميم بسيط ومباشر مثل زر التشغيل في مقاطع "يوتيوب". وهناك الشعارات التصويرية أو المجردة المؤلفة من رمز واحد فقط يُصمَم للتعبير عن المفاهيم الخاصة بالعلامة التجارية. وقد يكون الحرف الواحد موجوداً في كلمة معينة ولكن يتم تكبيره ليصبح هو نفسه ممثل الشركة لا الكلمة كلها كما فيAirbnb ،Pepsi ، Microsoft (Windows).
هناك شعارات التمائم العائلية ويكون عادة كتمثيل لشخصية كرتونية بهدف جذب العائلات، وكما يعلّق أحد مصممي الإعلانات عبر صفحته للترويج للشعارات التي تحتوي على تميمة أو شخصية محببة بالقول، بينما تتعاطف مع الرجل الذي يختنق في منتصف أغسطس (آب) مرتدياً زي جراد البحر الإسفنجي وواقفاً إلى جانب الطريق للترويج لمطعم للمأكولات البحرية، لن يرى أطفالك إلا الجانب المحبب لشخصية حبة القريدس زهرية اللون والشبيهة بكائن فضائي. وسيطلبون منكم إيقاف السيارة لتناول الغداء. لكن التميمة أو الشخصية الكرتونية قد تجذب الأطفال إلى منتجات هي للكبار، وقد تراجعت شركة صناعة السجائر الأميركية Camel عن حملة إعلانية قامت بها لمدة عشر سنوات بناءً على شخصية "الجمل جو" Joe Camel، وأنهيت الحملة عام 1997 بعدما اعتبرت المحاكم الأميركية أن الإعلان يجذب الأطفال نحو التدخين، واستندت القضية إلى زيادة مبيعات السجائر للمراهقين منذ بداية الحملة تُقدر بنحو 470 مليون دولار.
لو أخذنا شعار شركة "أمازون" وهي واحدة من أبرز منصات التجارة الإلكترونية في العالم اليوم. وكما يوضح اسم الشعار فإن"a" هو الحرف الأول من السلسلة الأبجدية، بينما الحرف الرابع "z" هو الحرف الأخير من السلسلة الأبجدية، أما السهم الأصفر المنحني الذي ينحدر من "a" إلى "z"فهو لإظهار أن الشركة تبيع "من الألف إلى الياء" وهو في الوقت عينه ابتسامة. وكأنه رسالة طمأنة لمن ينتظرون الحصول على ما يطلبون شراءه من الشركة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
شعار "أديداس" الأسطوري والمؤلف من ثلاثة خطوط سوداء تنمو في الحجم من اليسار إلى اليمين بطريقة مائلة تمثل خطوط الارتفاع كما لو أننا نصعد قمة جبل، أو أنه صعود متناسق وبشكل متوازٍ من أسفل إلى أعلى يمنح المشاهد نظرة مريحة تسهل حفظ الشعار إلى الأبد.
إشارات السياسيين شعارات أيضاً
اللغة الجسدية أو الإشارات والإيماءات التي يقوم بها السياسيون أمام وسائل الإعلام تتمتع باهتمام كبير من الباحثين وتحديداً في فترات الانتخابات وصراعاتها ومحاولات الاقناع فيها وكذلك في الشدائد والجوائح حين يحتاج السياسي إلى استخدام تعابير جسده بطريقة محددة تسهم في تبسيط ما يقوله وإيصاله إلى أكبر قدر من المواطنين الناخبين، وبات للسياسيين مستشارون معنيون بهذا الموضوع، لأن حركة جسدية واحدة غير صائبة قد تثير الغضب أو السخرية من هذا السياسي، كما حدث حين مسح الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما دموعه بشدة أمام الكاميرات إبان قتل أحد الطلاب لرفاقه بسلاح رشاش تمكن من شرائه بسهولة من أحد المتاجر في مجزرة موصوفة. وكان أوباما يريد إقناع الجميع بوجوب وقف بيع الأسلحة الفردية في الولايات المتحدة، ولكن المعلّقين ردوا على حركته بأنه يشد بمنديله على عينيه كي تنزلان دموعاً أكثر. ولطالما أشيع أن المشكلة الأولى لسياسيي العالم مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب هي طريقة جلوسه في حضرتهم، وهي طريقة تدل على الغرور والفوقية خصوصاً حين يرفع رأسه عالياً والتكلم من طرف شفته حين يريد السخرية من أمر أو التشديد على أمر معين.
وهناك شعارات ورموز بتنا نستعملها بشكل طبيعي وروتيني في يومياتنا، مثل "الإيموجيز" أي الوجوه والإشارات التي نستخدمها لنختصر كلمة أو فكرة أو حالتنا النفسية أثناء التحادث أو التعليق عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأشهرها إشارة الإصبع مع اليد المضمومة أي الإعجاب (Like)، والوجوه الضاحكة والباكية وصور الآلات والمعدات وكل ما يمكن أن يخطر على بال المستخدم من الإشارات. ويبلغ عددها 3663 "إيموجي" حتى اليوم، لكن معظم المستخدمين يستخدمون عدداً قليلاً منها. وبات بإمكان أي شخص صناعة رمز تعبيري خاص به ويطلقه عبر الشبكة من دون أن ينتمي إلى شركة معينة، وأغلب هؤلاء من المراهقين الذين يعرفون عوالم شبكة الإنترنت وخباياها فيطلقون بين الفينة والأخرى رمزاً جديداً.
وهناك الشعارات أو الإيماءات التي نقوم بها بأصابعنا أو وجوهنا والتي باتت تدل على معنى محدد حول العالم. فمثلاً رفع السبابة والإصبع الوسطى على شكل (V) بينما الأصابع الباقية مضمومة في راحة اليد، اتفق على تسميتها بإشارة النصر، لكن أثناء حرب فيتنام كان الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون يرفعها دائماً في حلّه وترحاله على أساس أنها علامة الانتصار بينما كان الشباب المعارضون لحرب فيتنام الذين اتُفق على تسميتهم بـ "الهيبيز"، كانوا يرفعونها على أنها علامة السلام. هناك من يحلّلها على أنها الحرف الأول من كلمة نصر بالإنجليزية (victory)، وآخرون قالوا إنها الحرف الأول من فيتنام. ومن المعروف أن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كان مشهوراً برفعه هذه الاشارة أينما حل، حتى كادت تصبح خاصة بالفلسطينيين وقضيتهم.