في بريطانيا اليوم يسهل نسيان أننا جميعاً أبناء ماضينا الإمبريالي. ولدت في جامايكا، لأم جامايكية وأب من ترينيداد. بيتنا كان بيتاً سياسياً نخبوياً. فأبي كان عقيداً في الجيش البريطاني تلقى تدريبه في ساندهيرست، إلى جانب أندرو باركر باولز، الزوج السابق للملكة القرينة [كاميلا].
وأنا كابن مثالي للإمبراطورية، متحدر من مستعمرتين سابقتين، وقد نشأت على الإيمان بالعقيدة التشرشلية [نسبة إلى وينستون تشرشل] تجاه ماضي بريطانيا. أسود البشرة من الكاريبي، تربيت على الإيمان بعظمة الإمبراطورية التي لا تغيب عن أراضيها الشمس.
حين انتقلت من جامايكا إلى المملكة المتحدة بعمر الـ12، رحت أكبر مع فهم عميق للتراتبية الهرمية العرقية. عالمي ذاك كان العالم الذي قدمته أفلام جون واين، من جهة، وأفلام طرزان من جهة ثانية. فالأفارقة غير المتحضرين (والعراة من الثياب غالباً) والمتوحشين، كانوا باستمرار يظهرون في خلفية وعيي الثقافي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بيد أنني كـ جامايكي شاب، لم أعتبر نفسي يوماً أفريقياً، أو شخصاً يحمل إرثاً أفريقياً. ومثل أغلبية الناس لم أفهم كيف جعلنا نفكر تلقائياً على نحو سلبي في مسألة "السواد". حتى نحن السود أنفسنا.
وفيما رحت أكبر بدأت أتعامل مع وقائع التواريخ التي جسدتها حياتي. في مؤلفي المنشور السنة الماضية - "الحقيقة المزعجة عن العنصرية" The Uncomfortable Truth About Racism - كتبت عن الأحكام المسبقة والتحيزات الشخصية، ليس فقط المتعلقة منها بالعرق، بل أيضاً المتعلقة بالطبقة الاجتماعية (خصوصاً التحيزات الموجهة ضد الجامايكيين أبناء الطبقة العاملة)، التي اعتنقتها حين كنت صغيراً.
وكلاعب كرة قدم اختبرت تلك التقاطعات بين العرق والطبقة، بالتحديد. إذ حين يلعب المرء الكرة في أعلى المستويات هنا في إنجلترا، بوسعه تحقيق مرتبة شهرة تبدو رافعة له فوق الموقع السلبي للسواد كهوية مدركة. وعندما تسير الأمور على ما يرام، أي عندما تلعب جيداً، تكون نجماً كبيراً، ويذوب التمييز في خلفية المشهد. أما عندما تلعب على نحو سيئ، وتهدر ضربة جزاء - كما حصل وشاهدنا مع منتخبنا خلال بطولة أوروبا 2020 - فإن العنصرية تطل بوجهها القبيح. في لحظة واحدة يمكن لولد من جامايكا أن يكون رمزاً مبجلاً لمدينة إنجليزية. وفي لحظة ثانية يمكن أن يقال لنا إننا لا نملك الحق في أن نكون هنا حتى.
وعلى رغم ذلك، فإن قشور الموز [الإهانات العنصرية] لا تصيب الجميع بالتساوي. يتعرض المشاهير السود لحوادث عنصرية بالطبع، لكن عندما تقذف قشور الموز إلى الملعب لأن جون بارنز واحداً من اللاعبين، يمكنني مباشرة بعد المباراة أن أكون خلف مذياع معلياً صوتي ليسمعه الجميع. وحين أخرج للسهر يمكنني أن أكون في مطلع رتل المنتظرين أمام المطاعم والحانات، فيما أبناء الطبقة العاملة لا يمكنهم القيام بذلك. الطبقة الاجتماعية تعني أنه يمكنني تدبر أمري بنفسي، كما يمكنني حماية عائلتي من أقصى مظاهر العنصرية.
أكثرية السود (في بريطانيا) ليسوا محظوظين إلى هذا الحد. فهم يواجهون عنصرية بنيوية، وإهانات عنصرية غير مرئية تنهال عليهم يومياً في حياتهم. الأشخاص الذين ليس لديهم الامتيازات التي أتمتع بها، ولا الغنى والمكاسب الطبقية كي تحصنهم، يواجهون دائماً بأبعاد منطق مضمرة وبنى من الهرمية العنصرية.
لهذا يبقى التمثيل في أعلى (مراتب) الهرم غير كاف. إذ في بريطانيا اليوم لدينا ريشي سوناك في "داونينغ ستريت رقم 10". إنه أول رئيس للوزراء للمملكة المتحدة من غير البشرة البيضاء. لكن ماذا يفيد هذا الأمر بالنسبة إلى أغلبية مواطني البلد من غير البيض؟ لقد كان أوباما الرئيس الأسود الأول للولايات المتحدة، بيد أنه لم يفعل سوى قليل لمعالجة مظاهر اللامساواة المستفحلة والعنصرية البنيوية في المجتمع الأميركي.
أشخاص كثيرون يحبون الكلام عن "الاقتصاد المتدرج للأسفل" trickle-down economics [مبدأ اقتصادي ينحاز لصالح الأغنياء والمقتدرين والشركات الكبرى]: وهو مبدأ لم يطبق أبداً على أرض الواقع. الأمر عينه ينطبق على فكرة "المواجهة الانسيابية للعنصرية" [بالتدرج من الأعلى إلى الأسفل]، التي تفترض أنه إذا منحنا السود مزيداً من المناصب في أعلى الهرم، يمكننا توقع أن يؤدي هذا إلى مكاسب بالنسبة إلى الملونين العاديين في المجتمع. لكن لا شيء يتغير حين نطبق سياساتنا في فراغ من الهوية وحده.
منح السود والنساء والأشخاص من مجتمع الميم مواقع ومناصب في السلطة، لا يمثل حلاً سحرياً شاملاً ومتكاملاً في خطوة واحدة. علينا أن نخلق بيئة من الطبقات الدنيا تساهم في تمكين الناس - جميع الناس. وهذه ثقافة تمكن جميع المهمشين وتقويهم وتعلي أصواتهن مهما كانت الظروف التي يعيشون في ظلها.
الطريقة الوحيدة للقيام بذلك تتمثل بالتعلم من تاريخنا، لفهم كيفية وصولنا إلى هذه اللحظة. بنى الهيمنة العرقية والاضطهاد الطبقي كانت لمئات السنين جزءاً من المجتمع البريطاني، وهي اليوم تشكل أساس العالم الذي نعيش به. في فيلم "بوميرانغ" Boomerang، الفيلم القصير الجديد الذي أنتجته مؤسسة "المجتمع المفتوح" openDemocracy، أناقش مع الأكاديمي والكاتب كويو كورام دور الإمبراطورية والاستعمار في تشكيل بريطانيا التي نحيا فيها راهناً. بالنسبة إلي، يشكل الاستعمار السبب الحقيقي بالمعنى الإيديولوجي لاستمرار العنصرية وإرثها حتى اليوم. فنحن نعلم أن هذه البلاد أنشئت على الثورة الصناعية، الثورة التي اعتمدت جزئياً على الموارد المسروقة من خلال العبودية. لكننا عندما نفكر بماضينا فإن ظاهرة تطبيع واقع السود باعتبارهم أدنى مرتبة استندت إلى هيكل الهيمنة الاستعمارية.
إذ لاستعمار العالم كان ينبغي ابتكار وتعميم فكرة الدونية العرقية، ولنهب بلد من البلدان تطلب الأمر إنزال مرتبة ذلك البلد في السلم الأخلاقي. وقد احتاجت مهمة "نشر الحضارة" التي اضطلع بها الاستعمار إلى قصة أو أسطورة التفوق، وهي القصة التي ما زلنا نعانيها إلى اليوم. فقد علمتنا تلك القصة أن في المجتمع الذي نحيا به هناك فئة من الناس الذين ينبغي على الدوام ممارسة التمييز بحقهم، كي يتسنى لبقية الناس الحصول على مزيد.
ما زالت هذه الفكرة تشكل أساس عالمنا. لكننا نحب التفكير بالإمبراطورية كأمر سبق وحصل في الماضي "هناك"، في حقبة تعد الآن ماضياً بعيداً. التقدم إلى الأمام وخلق عالم حر، بكل معنى الكلمة، من الهيمنة العرقية والطبقية، يعني التفكر بماضينا وأخذ العبر منه حتى لو اعتقد المرء أن ذلك لا يمت إليه بصلة الآن وهنا.
في المرة القادمة عندما تستمعون إلى السجال المتعلق بسياسات الحرب الثقافية على الإذاعة، من المهم أن تتذكروا: هنا في بريطانيا، نحن جميعاً أولاد الإمبراطورية.
© The Independent