فيما تواصل الحكومة المصرية تحركاتها لضبط أداء سوق الصرف، فقد عاد الدولار الأميركي إلى الارتفاع مجدداً أمام العملة المصرية مسجلاً مستويات تاريخية وقياسية في تعاملات الأربعاء، حيث سجلت الورقة الأميركية الخضراء لأول مرة في مصر مستوى 24.58 جنيهاً لدى البنك المركزي المصري.
وتشهد الصفحات التي تتابع أسعار الصرف على مواقع التواصل الاجتماعي، حالة من الارتباك الشديد مع عودة الحديث عن القيمة العادلة للدولار في السوق المصرية، وفيما يرى متعاملون أن القيمة العادلة ستصل إلى 30 جنيهاً في بداية العام المقبل، يرى آخرون أن الدولار سوف يستقر عند مستوى 24 جنيهاً، ولكن مع بدء وصول أول دفعة من التمويل الذي تم الإعلان عنه نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بقيمة تسعة مليارات دولار، ثلاثة مليارات منها من صندوق النقد الدولي، و ستة مليارات دولار من شركاء دوليين.
وتشهد سوق الصرف في مصر تحولات كبيرة منذ بداية العام الحالي، وعقب التعويم الأول الذي أعلن عنه البنك المركزي المصري في اجتماعه الاستثنائي خلال شهر مارس (آذار) الماضي، تراجع سعر العملة المصرية بنحو 24 في المئة، بعدما قفز سعر صرف الدولار من مستوى 15.74 جنيه إلى نحو 19.64 جنيه في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
لكن منذ التعويم الثاني في نهاية أكتوبر وحتى الآن، تراجع سعر الجنيه بنحو 25.15 في المئة، بعدما ارتفع سعر صرف الدولار من مستوى 19.64 جنيه إلى نحو 24.58 جنيه في الوقت الحالي، وفي ما يتعلق بإجمالي خسائر الجنيه المصري منذ مارس الماضي وحتى اليوم، فقد تراجعت العملة المصرية نحو 56.15 في المئة مقابل الدولار، بعدما صعد سعر صرف الورقة الأميركية الخضراء بنحو 8.84 جنيه.
خفض التصنيف مع ارتفاع عجز الميزان التجاري
وعلى رغم الإجراءات القاسية التي أعلنتها الحكومة المصرية خلال الفترة الماضية، كانت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني قد أعلنت قبل أيام تعديل نظرتها المستقبلية للاقتصاد المصري من "مستقرة" إلى "سلبية"، مرجعة ذلك إلى "تدهور" وضع السيولة الخارجية للبلاد.
وأبقت الوكالة على التصنيف الائتماني للبلاد عند مستوى (+B)، وعزت ذلك إلى النمو الاقتصادي القوي، و"الدعم الدولي القوي" من الحلفاء الخليجيين والشركات الدوليين، لكنها في الوقت نفسه حذرت من أنها قد تخفض التصنيف خلال الأشهر المقبلة، إذا استمرت ضغوط التمويل الخارجي أو لم تتمكن الحكومة من خفض العجز وتقليص نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، فيما يعكس التخفيض "تدهور وضع السيولة الخارجية وتراجع آفاق الوصول إلى سوق السندات، ما يجعل البلاد عرضة لظروف عالمية معاكسة في وقت ارتفاع عجز الحساب الجاري وآجال استحقاق الديون الخارجية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشير البيانات الرسمية، إلى أن قيمة العجز في الميزان التجاري بلغت نحو 4.18 مليار دولار خلال شهر أغسطس الماضي، فيما سجلت قيمة العجز 4.15 مليار دولار لنفس الشهر من عام 2021 بنسبة ارتفاع قدرها 0.6 في المئة، ووفق النشرة الشهرية لبيانات التجارة الخارجية لشهر أغسطس (آب) 2022، الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد بلغت قيمة الصادرات المصرية نحو 3.33 مليار دولار خلال شهر أغسطس الماضي، مقابل نحو 3.61 مليار دولار للشهر نفسه من العام السابق بنسبة انخفاض بلغت نحو 7.6 في المئة.
يأتي ذلك في الوقت الذي تتحرك فيه الحكومة المصرية بشكل مكثف لتنمية وزيادة الصادرات المصرية في إطار البحث عن حلول لأزمة شح الدولار في السوق المصرية، وقد أرجع جهاز الإحصاء انخفاض الصادرات المصرية إلى تراجع صادرات بعض السلع مثل منتجات البترول بنسبة 19.8 في المئة، والبترول الخام بنسبة 49 في المئة، واللدائن بأشكالها الأولية التي انخفضت بنسبة 3.6 في المئة، والعجائن والمحضرات الغذائية بنسبة 17 في المئة.
وأوضح أن هناك بعض السلع التي ارتفعت قيمة صادراتها خلال شهر أغسطس الماضي مقارنة مع نفس الشهر من العام السابق مثل الغاز الطبيعي والمسال الذي ارتفعت صادراته بنسبة 179.1 في المئة، والأسمدة التي قفزت صادراتها بنسبة 25.4 في المئة، والملابس الجاهزة التي صعدت بنسبة 12.1 في المئة، والفواكه الطازجة التي نمت صادراتها بنسبة 72.8 في المئة.
خفض الجنيه يقود التضخم إلى الارتفاع
وفي شهر مايو (أيار) الماضي، كانت وكالة "موديرز" للتصنيف الائتماني، قد أعلنت تعديل نظرتها المستقبلية لمصر إلى "سلبية"، والشهر الماضي أبقت وكالة "ستاندرد أند بورز" على التصنيف السيادي للبلاد عند مستوى (B) مع توقعات مستقبلية مستقرة، وذلك على خلفية التوقعات بتمويلات قادمة من صندوق النقد الدولي ودول الخليج.
فيما أرجعت وكالة "فيتش"، تعديل نظرتها المستقبلية للاقتصاد المصري، إلى التدهور في وضع السيولة بالعملة الأجنبية وانخفاض آفاق وصول مصر لسوق السندات ما يتركها تصارع عواقب الأحداث العالمية في وقت يسجل فيه حسابها الجاري عجزاً مرتفعاً وينتظرها سداد ديون خارجية.
وقالت، إن ما كشفت عنه الحكومة المصرية من تمويلات تغطي ما تحتاجه خلال العام المالي الحالي في حال عادت بعض استثمارات المحافظ المالية وتدفق 10 مليارات دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة بدعم من خطة الخصخصة من الحكومة خاصة لصالح المستثمرين في دول مجلس التعاون الخليجي.
في ما يتعلق بالتوقعات الخاصة بالتضخم وقيمة الجنيه المصري مقابل الدولار، رجحت "فيتش"، أن يؤدي خفض الجنيه إلى زيادة معدلات التضخم، مما يرفع معدلاته على الأرجح إلى مستوى 17 في المئة في المتوسط على أساس سنوي خلال العام المالي الحالي، و12 في المئة في العام المالي المقبل، بافتراض "ارتفاع متواضع" لقيمة الجنيه مقابل الدولار ليصل إلى 24 جنيهاً.
وأشارت الوكالة إلى أن المخاطر "تميل إلى الاتجاه الصعودي" وأن البنك المركزي المصري قد يشرع في إقرار مزيد من زيادات أسعار الفائدة لترويض التضخم المرتفع الذي سجل خلال الشهر الماضي أعلى مستوى في أكثر من أربع سنوات.
لكن في المقابل، رجحت "فيتش"، تحقيق مزيد من النمو وتقليص عجز الحساب الجاري، حيث توقعت "فيتش" أن ينمو الاقتصاد المصري بنسبة 4.5 في المئة خلال العامين الماليين الحالي والمقبل، على رغم أن "صعوبة الظروف النقدية وتوافر التمويل يشكلان أخطاراً كبيرة على هذا النمو".
كما رجحت الوكالة أن يستمر عجز الحساب الجاري في التراجع إلى مستوى 3.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، مقارنة مع نحو 3.5 في المئة خلال العام المالي 2022/2021، وذلك على خلفية ارتفاع إيرادات قناة السويس وانتعاش السياحة أيضاً، فمن المتوقع أن يرتفع عجز الموازنة إلى مستوى 6.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي الجاري، و7.3 في المئة خلال العام المالي المقبل، ارتفاعاً من مستوى 6.2 في المئة خلال العام المالي عام 2022/2021، وذلك على خلفية ارتفاع تكاليف الفائدة التي قد "تقلص" الفوائض الأولية المحققة.