أفادت "وول ستريت جورنال" بأن قادة في إيران، بالتزامن مع الاحتجاجات المناوئة للنظام القائم في البلاد الجارية منذ شهرين، تواصلوا الشهر الماضي مع زعماء معتدلين من أسرتي رفسنجاني وخميني اللتين أدتا دوراً محورياً في تأسيس الجمهورية الإسلامية وما لبث قادة متشددون أن أبعدوهما عن مراكز القرار. ونقلت عن مطلعين لم تسمهم أن علي شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي، سأل ممثلين للأسرتين أن يخاطبوا المحتجين ويطالبوهم بوقف حراكهم، واعداً بتخفيف القيود الاجتماعية في حال توقف الحراك، لكن هؤلاء رفضوا الاستجابة.
وأشارت الصحيفة إلى أن أعضاء أصغر سناً في أسرتي خميني ورفسنجاني، اللتين ينتمي إليهما المؤسس روح الله خميني والرئيس الراحل علي أكبر هاشمي رفسنجاني، ناشطون في قطاعي الأعمال والسياسة، وكانوا في الأغلب إصلاحيين أو معتدلين على خلاف مع خامنئي. واعتُقِلت ابنة رفسنجاني فائزة وأعضاء آخرون في الأسرتين خلال الاحتجاجات الأخيرة. وشملت محادثات شمخاني الشهر الماضي مجيد أنصاري، نائب الرئيس الوسطي السابق حسن روحاني والمقرب من عائلة خميني وحسين مراشي نسيب زوجة رفسنجاني، إضافة إلى بهزاد نبوي الذي أسس وكالة الاستخبارات بعد الثورة الإيرانية وما لبث أن بات مقرباً من محمد خاتمي.
وبحسب "وول ستريت جورنال"، عبّر شمخاني للحضور عن ثقته في مرونة الجمهورية الإسلامية، مؤكداً تلقيه معلومات تفيد بأن واشنطن لا تسعى إلى تغيير النظام الإيراني. ورتب شمخاني لقاء للحضور مع المرشد الأعلى علي خامنئي الذي كرر أمامهم الطلب بأن يدعوا المتظاهرين إلى الهدوء. وطالب مراشي في اللقاءين بإحياء الاتفاقية النووية المبرمة بين إيران والغرب عام 2015 قائلاً إن من شأن الخطوة أن تؤدي إلى رفع العقوبات وتخفيف الغضب في صفوف عامة الناس. ولم يفض الاجتماعان إلى نتيجة وفق المصادر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكدت الصحيفة أن خامنئي ودائرته الضيقة يواجهان معضلة بعد أكثر من شهرين على بدء الاحتجاجات، ذلك أن عملهما على إخراج المنافسين البارزين والإصلاحيين من الحكومة لسنوات قلص الخيارات المتاحة لإنهاء الحراك الذي يمثل التحدي الأبرز للنظام في تاريخه الممتد لـ43 سنة. ولفتت إلى أن إصلاحيين قالوا إن الاحتجاجات تحركها المصاعب الاقتصادية التي تسببت بها العقوبات الدولية المفروضة على إيران، والقوانين الاجتماعية التي تفرض قيوداً على النساء، وإخراج المعتدلين من الحكومة.
ووفق "وول ستريت جورنال"، قال الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي في خطاب نشره أحد مواقع التواصل الاجتماعي الإصلاحية: "يشارك قسم كبير من المجتمع المحتجين سخطهم. ومن شأن الحفاظ على الوضع القائم أن يعزز الأرضية الكفيلة بحصول انهيار مجتمعي". ولم ترد الحكومة الإيرانية على طلب الصحيفة الحصول منها على تعليق على ما تسوقه. واعتبرت الصحيفة أن وجود معتدلين وإصلاحيين في الحكومة سابقاً شكل صمام أمان لتنفيس الاحتقان السياسي، لكن دور المجموعتين في الحياة السياسية قُلِّص في السنوات الأخيرة.
وبحسب الصحيفة، يطالب الإصلاحيون بالحد من سيطرة خامنئي على المجتمع الإيراني وتضييق الخناق عليه، في حين يتقبل المعتدلون دور المرشد الأعلى لكنهم يطالبون بحريات اجتماعية أكبر. وكانت المجموعتان تساعدان في السابق في امتصاص السخط من دون أن تشكلا تهديداً للنظام. وفي السنوات الأخيرة، عمد مجلس صيانة الدستور، المؤلف من 12 عضواً يعينهم خامنئي والمتمتع بصلاحيات واسعة تشمل تعطيل التشريعات وتحديد المؤهلين للترشح إلى مناصب حكومية، إلى إخراج الإصلاحيين والمعتدلين جميعاً تقريباً من الحكومة والبرلمان، إلى جانب بعض المحافظين المنافسين.
وقبل الانتخابات الرئاسية عام 2021 التي فاز بها إبراهيم رئيسي، وافق المجلس على ترشح خمسة محافظين ووسطي واحد وإصلاحي واحد ورفض ترشح أربعة آخرين. في منتدى بطهران هذا الشهر، بحسب "وول ستريت جورنال"، قال أنصاري: "تُضيَّق المنافسة يوماً بعد يوم، ويغادر الساحة تدريجاً ناشطون سياسيون موثوق بهم ويمثلون الشعب". وقال سعيد غولكار، الخبير في المؤسسات الأمنية الإيرانية الذي يدرّس في جامعة تينيسي بتشاتانوغا الأميركية: "حرص خامنئي على إقصاء الإصلاحيين جميعاً من النظام. لقد أجرى جراحة سياسية تمهيداً لخلافته".
لكن محمد ماراندي، الأستاذ في جامعة طهران والمستشار المتشدد لفريق إيران الذي يمثلها في المفاوضات حول برنامجها النووي، قال وفقاً للصحيفة: "لا أرى ما يؤشر إلى أدنى شك لدى المسؤولين البارزين في شأن استقرار الجمهورية الإسلامية. لو كانوا قلقين حقاً حول وجوب إنهاء أعمال الشغب بسرعة، للجؤوا إلى استخدام أساليب قمع أكثر شدة بكثير". وتطالب السلطات الإيرانية شبكات تلفزيونية خارجية تبث بالفارسية بالتوقف عن بث موجه إلى الداخل الإيراني لفيديوهات حول الاحتجاجات. كذلك يواجه أكثر من ألف شخص في طهران وحدها ملاحقات قضائية. وحُكِم على متهم بالإعدام الأسبوع الماضي بعدما وُجِد مذنباً بإضرام النار في مبنى حكومي.
وبحسب "وول ستريت جورنال"، لم يستبعد مسؤولون إيرانيون سابقون لم تسمهم أن يقيل خامنئي شمخاني أو يضغط على رئيسي للاستقالة لفشلهما في وقف الاضطرابات. ونقلت الصحيفة عن خبراء في الشأن الإيراني أن إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين قد تزداد وتيرته في حال لم ينته الحراك قريباً. وقال مصطفى بكزاد، الاستشاري المقيم في طهران الذي يوفر المشورة إلى شركات أجنبية تعمل في إيران: "ليست لدى النظام سوى وسيلة واحدة: القمع العدواني... لكن الانتفاضة الحالية تلقائية ولا قادة لها وعاطفية... ولذلك يصعب وقفها بالقمع الشديد".